غياث الدين السلجوقي

توفي 547 هـ

أبو الفتح مسعود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، الملقب غياث الدين، أحد ملوك السلجوقية المشاهير.

 

كان مسعود قد سلمه والده في سنة خمس وخمسمائة إلى الأمير مودود ابن التوتكين وجعله صاحب الموصل ليربيه، فلما قتل مودود في سنة سبع وخمسمائة وتولى الأمير آق سنقر البرسقي مكانه سلمه والده إليه أيضاً، ثم أرسله من بعده إلى جيوش بك أتابك الموصل أيضاً.

 

فلما توفي والده وتولى موضعه ولده محمود أخذ جيوش بك يحسن لمسعود الخروج على أخيه محمود وأطعمه في السلطنة، ولم يزل على ذلك حتى جمع العساكر واستكثر منها، وقصد أخاه، والتقيا بالقرب من همذان في ربيع الأول سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكان النصر لمحمود، وقتل في هذه الواقعة الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي .

 

ثم انتقلت الأحوال وتقلبت بمسعود واستقل بالسلطنة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ودخل بغداد، واستوزر شرف الدين أنو شروان بن خالد القاشاني الذي كان وزير المسترشد، وكان سلطاناً عادلاً لين الجانب كبير النفس، فرق مملكته على أصحابه، ولم يكن له من السلطنة غير الاسم، وكان حسن الأخلاق كثير المزاح والانبساط مع الناس، فمن ذلك أن أتابك زنكي صاحب الموصل أرسل إليه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري في رسالة، فوصل إليه وأقام معه في العسكر، فوقف يوماً على خيمة الوزير حتى قارب أذان المغرب فعاد إلى خيمته وأذن المغرب وهو في الطريق، فرأى إنساناً فقيهاً في خيمة، فنزل إليه فصلى معه، فسأله كمال الدين من أين هو؟ فقال: أنا قاضي مدنية كذا، فقال له كمال الدين: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وهو أنا وأنت، وقاض في الجنة وهو من لا يعرف أبواب هؤلاء الظلمة ولا يراهم. فلما كان من الغد أرسل السلطان وأحضر كمال الدين، فلما دخل عليه ورآه ضحك وقال: القضاة ثلاثة، فقال كمال الدين: نعم يا مولانا، فقال: والله صدقت، ما أسعد من لا يرانا ولا نراه، ثم أمر به فقضيت حاجته وأعاده من يومه.

 

ومن ذلك أنه اجتاز يوماً في بعض أطراف بغداد فسمع امرأة تقول لأخرى: تعالي انظري إلى السلطان، فوقف وقال: يقف حتى تجيء هذه الست تنظر إلينا وله مناقب كثيرة وكان مع لين جانبه ما ناوأه أحد وظفر به، وقتل من الأمراء الأكابر خلقاً كثيراً، ومن جملة من قتل الخليفتان المسترشد بالله والراشد لأنه كان قد وقع بينه وبين الخليفة المسترشد وحشة قبل استقلاله في السلطنة، فلما استقل استطال نوابه على العراق، وعارضوا الخليفة في أملاكه، فقويت الوحشة بينهما، وتجهز المسترشد وخرج لمحارتبه، وكان السلطان مسعود بهمذان، فجمع جيشاً عظيماً وخرج للقائه، وتصافا بالقرب من همذان فكسر عسكر الخليفة، وأسر هو وأرباب دولته، وأخذه السلطان مسعود مأسوراً وطاف به بلاد أذربيجان، وقتل على باب المراغة.

 

ثم أقبل مسعود على الاشتغال باللذات والانعكاف على مواصلة وجوه الراحات، متكلاً على السعادة تعمل له ما يؤثره، إلى أن حدث له القيء وعلى الغثيان، واستمر به ذلك إلى أن توفي في حادي عشر جمادى الآخرة بهمذان ومات معه سعادة البيت السلجوقي فلم تقم له بعد راية يعتد بها ولا يلتفت إليها.

المرجع: وفيات الأعيان