لقد ضلَّ مَن يسترقُّ الهوَى
|
وعبدُ الغرام طويلُ الشَّقا
|
وكيف أحِلُّ بدار الصَّغارِ
|
ولي همّة تزدري بالذُّرا؟!
|
وتُظْلِمُ دونِيَ طُرُقُ الصَّوابِ
|
ومنّى استعار النَّهار السَّنا؟!
|
رُوَيْدَكِ يا خُدُعاتِ الزّمانِ
|
كفاني فعالُكِ فيمن مضى
|
جذبتِ عنانَ شديد الجُموحِ
|
وراودتِ مستهزئاً بالرُّقى
|
يَعُدُّ الغِنَى منكِ غُرمَ العقولِ
|
وأنَّ ثراءكِ مثلُ الثَّرى
|
ومَنْ ملأت سمعَه الذابلاتُ
|
وقرعُ الظبا لم يَرُعْه الصَّدى
|
رَمى الدهْرُ بي في فم النائباتِ
|
كأنِّيَ في مقلتيهِ قَذَى
|
ولم يدرِ أني حتفُ الحُتوفِ
|
وأرديتُ بالسَّيفِ عُمْرَ الرَّدى
|
وأني لَبِستُ ثيابَ العَراءِ
|
ولا مؤْنسٌ ليَ غيرُ المها
|
وقلبٌ نَبا عنه كيدُ الزَّمانِ
|
فما للمُنى في رُباهُ خُطا
|
إذا نازَعَتني خطوبُ الزَّمان
|
ملأتُ بهِ فُرُجاتِ المَلا
|
أُلوّحُ بالنَّقع وجهَ النهارِ
|
وأحسِرُ بالبيضِ وجهَ الدُّجَى
|
على سابحٍ في بحارِ المنونِ
|
كفيلٍ بِوَطْءِ الشَّوَى بالشَّوَى
|
أنالُ بهِ فائتاتِ الوحوشِ
|
وألمسُ من صفحتيه السُّها
|
إذا ما نظرتَ إلى لونهِ
|
رأيتَ الدُّجى قد تردّى الضُّحى
|
عذيرِيَ من مُدَّعٍ للعُلى
|
ولم يَحنِ بالسَّيرِ ظهرَ السُّرى
|
ولا حملتهُ ظهورُ الجيادِ
|
ولا رَوِيتْ في يديه الظُّبا
|
وما كلُّ ذي عَضُدٍ باطشٌ
|
ولا كلُّ طرفٍ سليمٍ يرى
|
وبعضُ الأنام الذي ترتضيهِ
|
وبعضُ الرؤوس مَغاني الحِجا
|
فكم من طريرٍ يسوءُ الخبيرَ
|
وكم فرسٍ لا يجاري العفا
|
دعِ الفكرَ فيمن أعلَّ الزَّمانُ
|
وإلاّ فقمْ باعتدالِ الشِّفا
|
فما غيَّرتْ كفُّ ذي صنعة ٍ
|
بأخفى التحّلي مكان الحُلى
|
ولَلطبعُ أقهر من طابعٍ
|
وألحَظْتَ أعيُنَهم غَرَّة ً
|
سَقى اللهُ منزلَنا بالكثيبِ
|
بكفّ السحائب غَمْرُ الحيا
|
محلّ الغيوث ومأوى الليوث
|
وبحرُ النَّدى ومكانُ الغِنَى
|
فكم قد نعمتُ به ما اشتهيْـ
|
ـتُ مُشْتملاً بإزارِ الصِّبا
|
تُعانقُني منه أيدي الشِّمالِ
|
ويلثُمُ خدِّي نسيمُ الصَّبا
|
وكم وردته ركابُ العُفاة ِ
|
فأَصْدَرْتُها ببلوغِ المُنَى
|
إذا ما طَمَتْ بيَ أشواقُه
|
دعوتُ الحسينَ فغاضَ الأسَى
|
فتى ً لا تُعثِّرُ آراءَه
|
بطرق المكارم صمُّ الصّفا
|
يجودُ بما عزَّ من مالِهِ
|
فإنْ سِيلَ أدنَى عُلاهُ أبَى
|
ويوماهُ في الفخر مُسْتيقنانِ؛
|
فيومُ العطاءِ ويومُ الوغَى
|
يُفيضُ بهذا جزيلُ الحِباءِ
|
وَقري بهذا القنا في القَرا
|
تعرَّفَ في الخلق بالمَكرُماتِ
|
فأغنته عن رائقات الكُنى
|
وأخرس بالمجدِ قولَ العُداة ِ
|
وأنطق خُرسَ اللَّها باللُّها
|
أيا مَن كَبا فيه طِرفُ الحسودِ
|
فأمّا جوادُ مديحٍ فلا
|
تمنّى أعاديكَ ما فارقوه
|
ومِن دونِ ما أمَّلوهُ العُلى
|
وعِرضٌ يمزّق مِرْطَ العيوبِ
|
ويهتِكُ عنه برودَ الخَنا
|
ولولا علوُّكَ عن قدرِهمْ
|
لحكّمت فيهم طِوالَ القنا
|
وألَظتْ أعيُنهم غُرّة ً
|
تفارقُ منها الجسومُ الطُّلى
|
لقد عَصَمْتُهُم سفاهاتُهُم
|
وكهفُ السَّفاهة بئسَ الحِمى
|
أبَى اللهُ والمجدُ والمشرفيُّ
|
وسُمرُ الرِّماح مُرادَ العِدا
|
تهنَّأْ بشهرٍ تهنَّأَ منكَ
|
بصدقِ اليقينِ وصدقِ التقى
|
فهذا به تستضىء السّنون
|
وأنت بمجدكَ فخر الورى
|
ولو فطن الناس كنت السّوا
|
دَ من كلِّ طرفٍ مكانَ المُقا
|
فعش عيشة َ الدّهر ياطرفَه
|
عميمَ المكارمِ ماضي الشَّبا
|
ولايصبِرنَّكَ هذا الزَّمانُ
|
وأنتَ المَطا، والأنامُ الصَّلا
|