يوسف بن تاشفين امير الملثمين

1009ـ 1106م

يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت المصالي الصنهاجي اللمتوني الحميري أبو يعقوب . أمير المسلمين وملك الملثمين، سلطان المغرب الأقصى ، وباني مدينة مراكش ، وأول من دعي بأمير المسلمين . أمه لمتونية حرة اسمها فاطمة بنت سير بن يحيى وولد في صحراء المغرب.

 

لقب يوسف بن تاشفين بأمير المرابطين، والمرابطون أتباع دعوة دينية سياسية أسسها الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجزولي، ظهرت ونمت في منتصف القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي بين قبائل الملثمين من صنهاجة الضاربة في الصحراء الكبرى من المغرب الأقصى، وكانت قبيلة لمتونة الصنهاجية عمادها، وما لبثت أن تحوَّلت في زمن يسير إلى دولة سيطرت على المغرب الأقصى وجزء من المغرب الأوسط إضافة إلى الأندلس.

 

ظهر يوسف على مسرح الأحداث قائداً عسكرياً لابن عمه أبي بكر بن عمر اللمتوني الذي عينه عبد الله بن ياسين قائداً للمرابطين بعد مقتل أخيه يحيى بن عمر في إحدى الحملات على السودان، وإذا كان يحيى بن عمر هو بطل إخضاع الصحراء مع الواحات للمرابطين فإن أخاه أبا بكر صار بطل ضم المغرب الأقصى إلى الدولة المرابطية، وقد شاركه في ذلك منذ البداية يوسف بن تاشفين.

 

كان أبو بكر منهمكاً في إعمار قاعدته الجديدة مراكش عندما بلغه اضطراب المؤخرة المرابطية في الصحراء، فعين ابن عمه يوسف بن تاشفين نائباً عنه في حكم المغرب بالاتفاق مع أشياخ المرابطين وتوجه إلى الصحراء سنة 463هـ /1071م .

 

بقي يوسف نائباً لابن عمه أبي بكر في حكم المغرب مدة سنتين قام فيهما بإعطاء سلطة المرابطين صبغة الملك والسلطان، فأكمل بناء القاعدة الجديدة مراكش، وضرب الدراهم والدنانير باسم أبي بكر بن عمر، وقام بتنظيم الجيش، وكان أبو بكر قد ترك له قسماً من الجيش لمتابعة قتال مغراوة وبنى يفرن وزناته وغيرها، فوزع 20 ألفاً من محاربي حركة المرابطين على قادتهم القبليين بحيث يرأس قادة كل من لمتونة ومسوفة وجدالة وتلكاتة خمسة آلاف مقاتل، وأبقى عشرين ألفاً تحت قيادته الشخصية، ثم أضاف لنفسه حرساً بشراء 2240 من العبيد السودان وعلوج الأندلس وجعلهم فرساناً كلهم، وساعده على ذلك توافر المال لديه من موارد دولته ومن ضريبة كبيرة فرضها على اليهود الواسعي الثراء في أغمات وسجلماسة، وكان الفاطميون قد حرٌّموا عليهم مزاولة التجارة في الذهب عند احتلالهم سجلماسة لكثرة خداعهم، مما يدعو إلى الظن بأن ما فرضه يوسف بن تاشفين كان مقابل السماح لهم بالعودة إلى مزاولتها.

 

بايعه أشياخ المرابطين وجال جولة في المغرب بجيش كبير فقوي أمره واستولى على فاس وغزا المغرب الأوسط (الجزائر) والأدنى (تونس) وأنشأ إمبراطورية مغربية تمتد فيما بين تونس والمحيط الأطلسي . وما بين البحر المتوسط وحدود السودان. دخل الأندلس لنصرة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وظفر في موقعة (الزلاقة) على جيوش قشتالة وليون التي كان يقودها الملك ألفونسو السادس سنة 479 هـ، وقد أبيد في هذه الموقعة الحاسمة جيش ألفونسو ولم ينج ألفونسو نفسه، إلا بشق الأنفس. واسترد المسلمون بهذه الوقعة مدينة (بلنسية) وعادت إليهم السيادة على الجزيرة الخضراء . وقد وصف المعتمد بن عباد هذه الوقعة التي شارك فيها ، وتسمى (يوم عروبة) بقصيدة يقول فيها مخاطبا ابن تاشفين:

ويـــوم العروبـــة ذدت العــدا نصــرت الهــدى وأبيـت الفـرارا
ثبــت هنــاك , إن القلــوب بيـن الضلــــوع لتـــأبى القـــرارا
ولــولاك يــا يوســف المتقــي راينـــا الجزيرة للكفــر دارا
رأينــا الســيوف ضحـى كـالنجوم وكـــالليل ذاك الغبــار المثــارا
فللــــه درك فــــي هولـــة لقــد زاد بأســك فيــه اشــتهارا
تزيــد اجــتراء إذا مــا الرمـاح عنـــد التنـــاجز زدن اشــتجارا
كــــأنك تحســـبها نرجســـا تديــر الذمــاء عليهــا عقــارا
تــريك الرمــاح القــدود انثنـاء وتجــلو الصفـائح الخـدود أحـمرارا
إذا نـــار حـــربك ضرمتهـــا حســبنا الأســنة فيهــا شــرارا
ســتلقى فعــالك يــوم الحســاب تنــثر بالمســك منــك انتثــارا
وللشــــهداء ثنــــاء عليـــك بحســـن مقـــامك ذاك النهــارا
وأنهــــــم يستبشــــــرون ألا تخـــــاف وألا تضـــــارا

 

وبعد انتهاء تلك الموقعة بايع ابن تاشفين ملوك الأندلس وأمراؤها ، وسلموا عليه بأمير المسلمين ، وكان يدعى بالأمير ، وقد أراد بعض أشياخ المرابطين أن يحملوه على اتخاذ سمة الخلافة فأبى واكتفى بلقب أمير المسلمين. وبعد أن ملك الأندلس أرسل إلى الخليفة المستظهر بالله العباسي سفيرين وهما عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي ، وحملهما هدايا إلى الخليفة وكتابا بما فتح الله عليه وطلب تقليده الولاية ، فبعث إليه الخليفة بمرسوم الولاية ، فانضوى تحت لواء الخلافة العباسية ، وذكر في السكة التي ضربها اسم الخليفة العباسي . عاد إلى مراكش بعد وقعة الزلاقة فقد بلغه وفاة ابنه أبي بكر وكان قد أنابه عنه ، ولم يلبث في مراكش إلا زمنا قليلا أعد خلاله جيشا كبيرا وكان في عزمه أن يستولي على الأندلس ويقضي على دول الطوائف لما عاين من تفكك الروابط بينهم ، وتربص كل منهم بالآخر يريد أن ينقض عليه مستعينا بملوك النصارى وأمرائهم . وفي سنة 481 هـ اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثانية فاستولى على غرناطة ومالقة وقبض على أميريهما وهما عبد الله بن بلقين بن باديس ، أمير غرناطة وأخاه تميما أمير مالقة ، وأرسلهما إلى أفريقية ليسجنا في قلعة أغمات . وعاد ابن تاشفين بعد ذلك إلى مراكش وخلف الجيش الذي قدم به إلى الأندلس وولى قائده سير بن أبي بكر قيادته . وقد تقسم الجيش إلى أربع فرق ، كل فرقة تحت إمرة قائد خاص بها لتقاتل أمراء الطوائف وتنهي حكمهم ، وتقرر أن تضرب الضربة الأولى على أقواهم وأشدهم بأسا وهو المعتمد بن عباد أمير إشبيلية وما ضمت إمارته من مدن قرمونة واستجة وقرطبة ومرسية وبلنسية فيفضي سقوطها إلى سقوط الآخرين . وسارت الفرقة الأولى نحو إشبيلية ، ولما علم المعتمد بذلك استنجد بالأمير القشتالي الكونت (جومز) فجاء على رأس جيش قرطبة فكان الفوز لجيش المرابطين ، ولم يجد المعتمد بداً من الاستسلام فاستسلم وسلم المدينة إلى إبراهيم ابن إسحاق قائد جيش المرابطين ، وسيق المعتمد مع نسائه وأبنائه في سفينة أعدت في نهر تاجا ، ونقلوا إلى أغمات بإفريقية وسجنوا في قلعتها. أما فرق الجيش الأخرى فقد استولت على بقية الإمارات وأنهت حكم دولها وبذلك انقضى عهد ملوك الطوائف . ولما تم الاستيلاء على أسبانيا الإسلامية على يد المرابطين اجتاز ابن تاشفين البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة سنة 496 هـ (1103م) لكي يعنى بتنظيم شؤونها وصحب معه ابنه عليا . وفي قرطبة دعا ابن تاشفين القادة والولاة وزعماء القبائل المغربية إلى اجتماع أعلن فيه توليته العهد إلى ابنه علي وكتبت بذلك وثيقة أشهد عليها المجتمعين فبايعوا عليا ، وعاد ابن تاشفين إلى مراكش وخلف ابنه عليا في الأندلس وولاه حاكما عليها .

 

وقد أمضى ابن تاشفين السنين الباقية من حياته في قصره بمراكش ، وقد تقدمت به السن وأضعفته الشيخوخة فتوفي في المحرم سنة 500 هـ عن عمر يقارب المائة سنة بعد حياة طويلة وحكم حافل بجلائل الأعمال.

 

طبق يوسف بن تاشفين الشرع في ممارسة السلطة فاقتصرت جبايته على الضرائب الشرعية، وجعل كل أفعاله تنفيذاً لفتاوى من الفقهاء، وقد وجد منهم وفرة منذ إقامة دولته وخصوصاً من الأندلسيين الذين وجَّهوا إدارته في المغرب وكانت لهم الكلمة العليا في حكم الأندلس.

 

ومما يدخل في منجزات يوسف بن تاشفين الحضارية أعماله العمرانية، فقد أكمل بناء مراكش وبنى في رحبتها القصبة المعروفة باسم حصن الحجر، وفي مدينة فاس هدم السورين المحيطين بكل من عدوتيها القروية والأندلسية وأحاطهما بسور واحد مما جعلهما مصراً واحداً، كما أمر أهل الأحياء تحت طائلة العقوبة بأن يبنوا مسجداً في كل حي، وقام بتنظيم الأسواق وتأمين وسائل خدمات عامة من حمامات وفنادق وأرحاء.