دعا ما دعى من غره النهي والأمر |
فما الملك إلا ما حباك به القهر |
ومن ثنت الدنيا إليه عنانها |
تصرف فيما شاء عن إذنه الدهر |
ومن راهن الأقدار في صهوة العلى |
فلن تدرك الشعرى مداه ولا الشعر |
إذا الجد أمسى دون غايته المنى |
فماذا عسى أن يبلغ النظم والنثر |
ولم لا يلي أسني الممالك مالك |
زعيم بجيش من طلائعه النصر |
ليهن دمشقا أن كرسي ملكها |
حبي منك صدرا ضاق عن همه الصدر |
وأنك نور الدين مذ زرت أرضها |
سمت بك حتى انحط عن نسرها النسر |
خطبت فلم يحجبك عنها وليها |
وخطب العلى بالسيف ما دونه ستر |
جلاها لك الإقبال حورية السنا |
عليها من الفردوس أردية خضر |
خلوب أكنت من هواك محبة |
نمت فانتمت جهرا وسر الهوى جهر |
فسقت إليها الأمن والعدل نحلة |
فأمست ولا أسر تخاف ولا إصر |
فإن صافحت يمناك منبعد هجرها |
فأحلى التلاقي ما تقدمه هجر |
وهل هي إلا كالحصان تمنعت |
دلالا وإن عز الحيا وغلا المهر |
ولكن إذا ما قستها بصداقها |
فليس له قدر وليس لها قدر |
هي الثغر أمسى بالكراديس عابسا |
وأصبح عن باب الفراديس يفتر |
على أنها لو لم تجبك إنابة |
لأرهقها من بأسك الخوف والذعر |
فإما وقفت الخيل ناقعة الصدى |
على بردى من فوقها الورق النضر |
فمن بعد ما أوردتها حومة الوغى |
وأصدرتها والبيض من علق حمر |
وجللتها نقعا أضاع شياتها |
فلا شهبها شهب ولا شقرها شفر |
علا النهر لما كاثر القصب القنا |
مكاثرة في كل نحر لها نحر |
وقد شرقت أجرافه بدم العدى |
إلى أن جرى العاصي وضحضاحه غمر |
صدعتهم صدع الزجاجة لا يد |
لجابرها ما كل كسر له جبر |
فلا ينتحل من بعدها الفخر دائل |
فمن بارز الإبرنز كان له الفخر |
ومن بز أنطاكية من مليكها |
أطاعته ألحاظ المؤللة الخزر |
أخو الليث لولا غدرة نزعت به |
إلى الذئب إن الذئب شيمته الغدر |
أتى رأسه ركضا وغودر شلوه |
وليس سوى عافي النسور له قبر |
وقد كان في استبقائه لك منة |
هي الفتك لو لم تغضب البيض والسمر |
كما أهدت الأقدار للقمص أسره |
وأسعد قرن من حواه لك الأسر |
طغى وبغى عدوا على غلوائه |
فأوبقه الكفران عداوة والكفر |
وألقت بأيديها إليك حصونه |
ولو لم تجب طوعا لجاء بها القسر |
وأمست عزاز كاسمها بك عزة |
تشق على النسرين لو أنها الوكر |
فسر واملأ الدنيا ضياء وبهجة |
فبالأفق الداجي إلى ذا السنافقر |
كأني بهذا العزم لا فل حده |
وأقصاه بالأقصى وقد قضي الأمر |
وقد أصبح البيت المقدس طاهرا |
وليس سوى جاري الدماء له طهر |
وقد أدت البيض الحداد قروضها |
فلا عهدة في عنق سيف ولا نذر |
وصلت بمعراج النبي صوارم |
مساجدها شفع وساجدها وتر |
وإن يتيمم ساحل البحر مالكا |
فلا عجب أن يملك الساحل البحر |
سللت سيوفا أثكلت كل بلدة |
بصاحبها حتى تخوفك البدر |
إذا سار نور الدين في عزماته |
فقولا لليل الإفك قد طلع الفجر |
همام متى هزت مواضي سيوفه |
لها ذكرا زفت له قلعة بكر |
ولو لم يسر في عسكر من جنوده |
لكان له من نفسه عسكر مجر |
مليك سمت شم المنابر باسمه |
كما زهيت تيها به الأنجم الزهر |
فيا كعبة ما زال في عرصاتها |
مواسم حج لا يروعها النفر |
خلعت على الأيام من حلل العلى |
ملابس من أعلامها الحمد والشكر |
وتوجت ثغر الشام منك جلالة |
تمنت لها بغداد لو أنها ثغر |
فلا تفتخر مصر علينا بنيلها |
فيمناك نيل كل مصر بها مصر |
رددت الجهاد الصعب سهلا سبيله |
ويا طالما أمسى ومسلكه وعر |
وأطمعت في الإفرنج من كان بأسه |
تخوف أن يعتاده منهم فكر |
وأقحمت جرد الخيل أعلى حصونها |
ولولاك لم يهجم على كافر كفر |
ومن يدعي فيقتلك الشرك شركة |
إذا لم يكن عند القوافي له ذكر |
هي القانتات الحافظات فروجها |
فشاهدها عدل ورائقها سحر |
ولو لم يكن في فضلها وكمالها |
سوى أنها من بعد عمر الفتى عمر |