أبو سلمة الخلال

توفي 132 هـ

هو حفص بن سليمان الهمداني . لقب بالخلال لسكناه بدرب الخلالين بالكوفة، وقيل لأنه كان يصنع الخل .

 

أبو سلمة كان في مقدمة الداعين لبني العباس، فكان صلة الوصل بين خراسان والحميمة- مركز بني العباس- ولما قضت جيوش أبي مسلم على جيش الأمويين في خراسان وزحفت إلى العراق ودخلت الكوفة سلم الخراسانيون الرئاسة إلى أبي سلمة ودعي (وزير آل محمد) فدبر الأمور وأعلن الإمامة الهاشمية ولم يسم الخليفة، وكان يريد إسنادها إلى أحد ثلاثة من العلويين وهم: جعفر الصادق وعبد الله بن الحسن المثنى المحض وعمر الأشرف بن علي زين العابدين، وكتب إليهم بذلك فلم يستجب أحد منهم إليه . كان عبد الله أبو العباس يعلم ذلك، فلما دخل الكوفة وبويع بالخلافة جاء أبو سلمة يعتذر إليه فتظاهر أبو العباس بقبول عذره، ولما استقام له الأمر أوعز إلى أبي مسلم الخراساني أن يقتله، فأرسل إليه من كمن له في الليل فقتلوه وهو خارج من عند الخليفة .

 

ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" الوزير القائم بأعباء الدولة السفاحية أبو سلمة حفص بن سليمان الهمداني مولاهم الكوفي رجل شهم سائس شجاع متمول ذو مفاكهة وأدب وخبرة بالأمور وكان صيرفياً أنفق أموالاً كثيرة في إقامة الدولة وذهب إلى خراسان.

 

وكان أبو مسلم تابعاً له في الدعوة ثم توهم منه ميل إلى آل علي عندما قتل مروان إبراهيم الإمام فلما قام السفاح وزر له وفي النفس شيء ثم كتب أبو مسلم إلى السفاح يحسن له قتله فأبى وقال: رجل قد بذل نفسه وماله لنا. فدس عليه أبو مسلم من سافر إليه وقتله غيلة ليلاً بالأنبار فإنه خرج من السمر من عند الخليفة فشد عليه جماعة فقتلوه وذلك بعد قيام السفاح بأربعة أشهر سنة اثنتين وثلاثين ومئة في رجبها.

 

وتحدث العوام أن الخوارج قتلوه وكان سامحه الله يقال له: وزير آل محمد وكان ينزل درب الخلالين فعرف بذلك وفيه قيل:

إن الوزير وزير آل محـمـد                  أودى فمن يشناك صار وزيرا"

 

وورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

"أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال الهمداني مولى السبيع وزير أبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس؛ وأبو سلمة أول من وقع عليه اسم الوزير، وشهر بالوزارة في دولة بني العباس ولم يكن من قبله يعرف بهذا النعت، لا في دولة بني أمية ولا في غيرها من الدول. وكان السفاح يأنس به، لأنه كان ذا مفاكهة حسنة وممتعاً في حديثه، أديباً، عالماً بالسياسة والتدبير، وكان ذا يسار ويعالج الصرف بالكوفة، وأنفق أموالاً كثيرة في إقامة دولة بني العباس، وصار إلى خراسان في هذا المعنى، وأبو مسلم الخراساني يومئذ تابع له في هذا الأمر، وكان يدعو إلى بيعة إبراهيم الإمام أخي السفاح، فلما قتله مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية بحران وانقلبت الدعوة إلى السفاح، توهموا من أبي سلمة المذكور أنه مال إلى العلويين، فلما ولي السفاح واستوزره بقي في نفسه منه شيء، فيقال: إن السفاح سير إلى أبي مسلم وهو بخراسان يعرفه بفساد نية أبي سلمة ويحرضه على قتله، ويقال: إن أبا مسلم لم اطلع على ذلك كتب إلى السفاح وعرفه بحاله وحسن له قتله، فلم يفعل، وقال: هذا الرجل بذل ماله في خدمتنا ونصحنا، وقد صدرت منه هذه الزلة، فنحن نغتفرها له.

 

فلما رأى أبو مسلم امتناعه من ذلك سير جماعة كمنوا له ليلاً، وكانت عادته أن يسمر عند السفاح، فلما خرج من عنده وهو في مدينته بالأنبار ولم يكن معه أحد وثبوا عليه وخبطوه بأسيافهم، وأصبح الناس يقولون: قتلته الخوارج، وكان قتله بعد خلافة السفاح بأربعة أشهر، وولي السفاح الخلافة ليلة الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ولما سمع السفاح بقتله أنشد:

إلى النار فليذهب ومن كان مثله

 

على أي شيء فاتنا منه نأسف

 

وذكر في كتاب "أخبار الوزراء" أن قتله كان في رجب سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

 

وكان أبو سلعة يقال له: وزير آل محمد، فلما قتل عمل في ذلك سليمان ابن المهاجر البجلي:

 

إن المساءة قد تسـر وربـمـا

 

كان السرور بما كرهت جديرا

إن الوزير وزير آل محـمـد

 

أودى فمن يشناك كـان وزيرا

 

ولم يكن خلالاً، وإنما كان منزله بالكوفة في حارة الخلالين، فكان يجلس عندهم لقرب داره منهم، فسمي خلالاً.

 

والهمداني-بفتح الهاء وسكون الميم وفتح الدال المهملة وبعد الألف نون-وهذه النسبة إلى همدان، وهي قبيلة عظيمة باليمن.

 

والسبيع: يذكر في حرف العين عند ذكر أبي إسحاق السبيعي إن شاء الله تعالى. وقد اختلف أرباب اللغة في اشتقاق الوزارة على قولين: أحدهما أنها من الوزر-بكسر الواو-وهو الحمل، وكأن الوزير قد حمل عن السلطان الثقل، وهذا قول ابن قتيبة، والثاني: أنها من الوزر-بفتح الواو والزاي-وهو الجبل الذي يعتصم به لينجى به من الهلاك، وكذلك الوزير معناه الذي يعتمد عليه الخليفة أو السلطان ويلتجئ إلى رأيه، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج، والله أعلم..