لكمْ منيَ الوُدُّ الذي ليسَ يَبرَحُ
|
وَلي فيكُمُ الشّوْقُ الشّديدُ المُبرِّحُ
|
وكمْ ليَ مِن كُتْبٍ وَرُسلٍ إلَيكُمُ
|
ولكِنّها عن لَوْعَتي ليسَ تُفصِحُ
|
وَفي النّفْسِ ما لا أستَطيعُ أبثّهُ
|
ولَستُ بهِ للكُتبِ وَالرّسلِ أسمَحُ
|
زعمتمْ بأني قد نقضتُ عهودكمْ
|
لقد كذبَ الواشي الذي يتنصحُ
|
وَإلاّ فَما أدري عسَى كنتُ ناسِياً
|
عسَى كنتُ سكراناً عسَى كنتُ أمزَحُ
|
خلقتُ وفياً لا أرى الغدرَ في الهوى
|
وذلكَ خُلْقٌ عَنهُ لا أتَزَحزَحُ
|
سَلوا النّاسَ غيري عن وَفائي بعهدكم
|
فإني أرى شكري لنفسي يقبحُ
|
أأحبابَنا حتى مَتى وَإلى مَتى
|
أُعرِّضُ بالشكوَى لكمْ وَأُصرّحُ
|
حياتي وصبري مذ هجرتم كلاهما
|
غريبٌ وَدَمعي للغريبَينِ يَشرَحُ
|
رعى اللهُ طيفاً منكمُ باتَ مؤنسي
|
فما ضرَّهُ إذ باتَ لوْ كانَ يُصْبِحُ
|
ولكِنْ أتَى لَيلاً وَعادَ بسُحرَة ٍ
|
درى أنّ ضوءَ الصبحِ إن لاحَ يفضحُ
|
وَلي رَشَأٌ ما فيهِ قَدْحٌ لقادِحٍ
|
سِوَى أنّهُ منْ خدّهِ النّارُ تَقدَحُ
|
فتنتُ بهِ حلواً مليحاً فحدثوا
|
بأعجبِ شيءٍ كيفَ يحلو ويملحُ
|
تبرأ من قتلي وعيني ترى دمي
|
على خدهِ من سيفِ جفنيهِ يسفحُ
|
وحسبيَ ذاكَ الخدّ لي منهُ شاهدٌ
|
ولكنْ أراهُ باللّواحِظِ يُجرَحُ
|
ويَبسِمُ عَنْ ثَغْرٍ يَقُولونَ إنّهُ
|
حبابٌ على صهباءَ بالمسكِ تنفحُ
|
وقد شهدَ المسواكُ عندي بطيبهِ
|
ولم أرَ عَدْلاً وَهوَ سكرانُ يَطفَحُ
|
ويا عاذلِي فيهِ جَوَابُكَ حاضِرٌ
|
ولكن سكوتي عن جوابكَ أصلحُ
|
إذا كُنتُ ما لي في كَلامِيَ رَاحَة ٌ
|
فإنّ بَقائي ساكِتاً ليَ أرْوَحُ
|
وأسمرَ أما قدهُ فهوَ أهيفٌ
|
رشيقٌ وأما وجههُ فهوَ أصبحُ
|
كأنّ الذي فيهِ منَ الحسنِ والضيا
|
تَداخَلَهُ زَهْوٌ بهِ فَهوَ يَمْرَحُ
|
كأنّ نسيمَ الروضِ هزّ قوامهُ
|
ليخجلَ غصنَ البانة ِ المتطوحُ
|
كأنّ المدامَ الصرفَ مالتْ بعطفهِ
|
كمَا مالَ في الأرْجوحة ِ المترَجِّحُ
|
كأنّيَ قَدْ أنشَدْتُهُ مَدْحَ يوسُفٍ
|
فأطْرَبَهُ حتى انثَنَى يَتَرَنّحُ
|
وَإنّ مَديحَ النّاصِرِ بنِ مُحَمّدٍ
|
ليَصبو إلَيهِ كلُّ قلبٍ وَيَجنَحُ
|
مديحاً ينيلُ المادحينَ جلالة ً
|
وَمَدْحاً بمَدْحٍ ثمّ يَرْبو وَيَمْنَحُ
|
ولَيسَ بمُحتاجٍ إلى مَدْحِ مادِحٍ
|
مكارِمُهُ تُثْني علَيْهِ وَتَمدَحُ
|
وكلُّ فصيحٍ ألكنٌ في مديحهِ
|
لأنّ لسانَ الجودِ بالمدحِ أفصحُ
|
وقد قاسَ قومٌ جودَ يمناهُ بالحيا
|
وقد غَلِطوا، يُمناهُ أسخَى وَأسمحُ
|
وغيثٌ سمعتُ الناسَ ينتجعونهُ
|
فأينَ يرى غيلانُ منهُ وصيدحُ
|
لئنْ كانَ يَختارُ انْتِجاعَ بَلالِهِ
|
فإنّ بَلالاً عينُه تَتَرَشّحُ
|
دعوا ذكرَ كعبٍ في السماحِ وحاتمٍ
|
فليسَ يعدّ اليومَ ذاكَ التسمحُ
|
وليسَ صعاليكُ العريبِ كيوسفٍ
|
تعالوا نباهِ الحقَّ والحقُّ أوضحُ
|
فما يوسفٌ يقري بنابٍ مسنة ٍ
|
ولا العرقُ مفصودٌ ولا الشاة ُ تذبحُ
|
ولكنّ سلطاني أقلُّ عبيدهِ
|
يَتيهُ على كِسرَى المُلوكِ وَيرْجَحُ
|
وَبَعضُ عَطاياهُ المَدائِنُ والقُرَى
|
فمن ذا الذي في ذلك البحرِ يَسبَحُ
|
فلوْ سئلَ الدنيا رآها حقيرة ً
|
وجادَ بهَا سِرّاً وَلا يَتَبَجّحُ
|
وَإنّ خَليجاً مِنْ أياديهِ للوَرَى
|
يرى كلُّ بحرٍ عندهُ يتضحضحُ
|
فقلْ لملوكِ الأرضِ ما تلحقونهُ
|
لقد أتعبَ الغادي الذي يتروحُ
|
كثيرُ حَيَاءِ الوَجْهِ يَقطُرُ ماؤهُ
|
على أنّهُ مِن بأسِهِ النّارُ تَلفَحُ
|
كذا الليثُ قد قالوا حييٌّ وإنهُ
|
لأجرأُ مَن يُلقَى جَنَاناً وَأوْقَحُ
|
مناقبُ قد أضحى بها الدهرُ حالياً
|
فها عطفهُ منها موشى موشحُ
|
من النّفَرِ الغُرّ الذينَ وُجوهُهُمْ
|
مَصابيحُ في الظّلماءِ بَل هيَ أصبَحُ
|
بهاليلُ أملاكٌ كأنّ أكفهمْ
|
بحارٌ بها الأرزاقُ للناسِ تسبحُ
|
فكم أشرقتْ منهم شموسٌ طوالعٌ
|
وكم هطلتْ منهم سحائبُ دلحُ
|
كذاكَ بَنو أيّوبَ ما زالَ مِنهُمُ
|
عظيمٌ مرجى أو كريمٌ ممدحُ
|
أُناسٌ هُمُ سَنّوا الطّريقَ إلى العُلا
|
وهم أعربوا عنها وقالوا فأفصحوا
|
ولم يتبعوا من جاءَ في الناسِ بعدهم
|
لقد بينوا للسالكينَ وأوضحوا
|
ليهنَ دمشقَ اليومَ صحتكَ التي
|
بها فرحتْ والمدنُ كالناسِ تفرحُ
|
فلا زهرَ إلاّ ضاحكٌ متعطفٌ
|
وَلا دَوْحَ إلاّ مائِسٌ مُتَرَنِّحُ
|
ولا غصنَ إلاّ وهوَ نشوانُ راقصٌ
|
ولا طيرَ إلاّ وهوَ فرحانُ يصدحُ
|
وقد أشرقتْ أقطارها فاغتدى لها
|
شعاعٌ لهُ فوقَ المجرة ِ مطرحُ
|
وشرَّفْتَ مَغناها فلوْ أمكَنَ الوَرَى
|
لَطَافُوا بأرْكانٍ لهَا وَتَمَسّحُوا
|
وواللهِ ما زالتْ دمشقُ مليحة ً
|
ولكنّها عندي بكَ اليوْمَ أملَحُ
|
عرضتُ على خيرِ الملوكِ بضاعتي
|
فألْفَيْتُ سُوقاً صَفقتي فيه تَرْبَحُ
|
وقد وثقتْ نفسي بأني عندهُ
|
سأزدادُ عزاً ما بقيتُ وأفلحُ
|
وَأنّ خْطوباً أشتَكيها ستَنْجَلي
|
وَأنّ أُموراً أبْتَغيها سَتَنجَحُ
|
وأنّ صلاحَ الدينِ ذا المجدِ والعلا
|
لما أفسدتْ مني الحوادثُ يصلحُ
|
يُشرّقُ غَيري أوْ يُغرّبُ إنّني
|
لدى يوسفٍ في أنعمٍ لستُ أبرحُ
|
أمولايَ سامحني فإنكَ لم تزلْ
|
تُسامِحُ بالذّنْبِ العَظيمِ وَتَسمَحُ
|
لكَ العُذْرُ ما للقَوْلِ نحوَكَ مُرْتَقًى
|
مقامكَ أعلى من مقالي وأرجحُ
|
فَما كُلّ لَفظٍ في خِطابِكَ يُرْتَضى
|
وَما كلّ مَعنًى في مَديحِكَ يَصْلُحُ
|
أتَتْكَ وَإنْ كانَتْ كَثيراً تأخّرَتْ
|
فإنكَ تعفو عنْ كثيرٍ وتصفحُ
|
وَهَبْ ليَ أُنْساً منكَ يُذهِبُ وَحشتي
|
ويَبسُطُ قَلباً ذا انقِباضٍ وَيَشرَحُ
|
وجدْ لي بالقربِ الذي قد عهدتهُ
|
وأرضى ببعضٍ منهُ إن كنتُ أصلحُ
|
وإني لديكَ اليومَ في ألفِ نعمة ٍ
|
ولكنْ عسى ذكري ببالكَ يسنحُ
|
لعمركَ كلُّ الناسِ لاشكّ ناطقٌ
|
وَلكِنَّ ذا يَلغُو وَهذا يُسبِّحُ
|
وقد يحسنُ الناسُ الكلامَ وإنما
|
لسامعهِ فيهِ الشرابُ المفرحُ
|
نسيبٌ كما رقَّ النسيمُ من الصبا
|
وَغازَلَهُ زَهرُ الرّياضِ المُفَتّحُ
|
ومدحٌ يكونُ الدهرُ بعضَ رواتهِ
|
فيمسي ويضحي وهوَ يسري ويسرحُ
|