الفضل بن الربيع

توفي 208 هـ

قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": " ابن يونس الأمير الكبير حاجب الرشيد وكان أبوه حاجب المنصور. وكان من رجال العالم حشمة وسؤدداً وحزماً ورأياً. قام بخلافة الأمين وساق إليه خزائن الرشيد وسلم إليه البرد والقضيب والخاتم جاءه بذلك من طوس وصار هو الكل لاشتغال الأمين باللعب فلما أدبرت دولة الأمين اختفى الفضل مدة طويلة ثم ظهر إذ بويع إبراهيم بن المهدي فساس نفسه ولم يقم معه ولذلك عفا عنه المأمون. مات سنة ثمان ومئتين في عشر السبعين وهو من موالي عثمان رضي الله عنه.

يقال إنه تمكن من الرشيد وكان يكره البرامكة فنال منهم ومالأة على ذلك كاتبهم إسماعيل بن صبيح. ويقال إنه قدم عشر قصص إلى جعفر البرمكي فعللها ولم يوقع في شيء منها فأخذها الفضل وقام وهو يقول ارجعن خائبات خاسرات ولما نكبوا ولي الفضل وزارة الرشيد وعظم محله ومدحته الشعراء.

ورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

"أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، واسمه كيسان، مولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وقد تقدم ذكر أبيه في حرف الراء وشيء من أخباره مع المنصور أبي جعفر، فلما آل الأمر إلى الرشيد واستوزر البرامكة، كان الفضل بن الربيع يروم التشبه بهم ومعارضتهم، ولم يكن له من القدرة ما يدرك به اللحاق بهم، فكان في نفسه منهم إحن وشحناء، قال عبيد الله بن سليمان بن وهب: إذا أراد الله تعالى هلاك قوم وزوال نعمتهم جعل لذلك أسبابا، فمن أسباب زوال أمر البرامكة تقصيرهم بالفضل بن الربيع وسعي الفضل بهم وتمكنه من المجالسة مع الرشيد فأوغر قلبه عليهم ومالأه على ذلك كاتبهم إسماعيل بن صبيح حتى كان ما كان.

ويحكى أن الفضل المذكور دخل يوما على يحيى بن خالد البرمكي، وقد جلس لقضاء حوائج الناس، وبين يديه ولده جعفر يوقع في القصص، فعرض الفضل عليه عشر رقاع للناس، فتعلل يحيى في كل رقعة بعلة ةلم يوقع في شيء منهاألبتة، فجمع الفضل الرقاع وقال: ارجعن خائبات خاسئات، ثم خرج وهو يقول:

عسى وعسى يثني الزمان عنانه

 

بتصريف حال والزمان عثور

فتقضى لبانات وتشفى حسائف

 

وتحدث من بعد الأمور أمـور

 

 فسمعه يحيى وهو ينشد ذلك، فقال له: عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، فرجع فوقع له في جميع الرقاع. ثم ما كان إلا القليل حتى نكبوا على يده وتولى بعدهم وزارة الرشيد، وفي ذلك يقول أبو نواس وقيل أبو حزرة:

 

ما رعى الدهر آل برمك لما

 

أن رمى ملكهم بأمر فظيع

إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى

 

غير راع ذمام آل الربـيع

 

وتنازع يوما جعفر بن يحيى والفضل بن الربيع بحضرة الرشيد، فقال جعفر للفضل: يا لقيط، إشارة إلى ما كان يقال عن أبيه الربيع: إنه لا يعرف نسبه وأبوه، حسبما ذكرناه في ترجمته، فقال الفضل: اشهد يا أمير المؤمنين، فقال جعفر للرشيد: تراه عند من يقيمك هذا الجاهل شاهدا يا أمير المؤمنين، وأنت حاكم الحكام.


ومات الرشيد والفضل مستمر على وزارته وكان في صحبة الرشيد، فقرر الأمور للأمين محمد بن الرشيد، ولم يعرج على المأمون وهو بخراسان، ولا التفت إليه، فعزم المأمون على إرسال طائفة من عسكره لأن يعترضوه في طريقه لما انفصل عن موضع وفاة الرشيد، وهو طوس حسبما ذكرته في ترجمة الفضل ابن يحيى البرنمي، فأشار عليه وزيره الفضل بن سهل أن لا يعترض له، وخاف عاقبته.


ثم إن الفضل بن الربيع خاف من المأمون إن انتهت الخلافة إليه، فزين للأمين أن يخلع المأمون من ولاية العهد، ويجعل ولي عهده موسى بن الأمين، وحصلت الوحشة بين الأخوين إلى أن سير المأمون جيشا من خراسان مقدمه طاهر بن الحسين المقدم ذكره بإشارة وزيره الفضل بن سهل، وأخرج الأمين من بغداد جيشا بإشارة وزيره الفضل بن الربيع المذكور، مقدمه علي بن عيسى ابن ماهان، فالتقيا، وقتل علي بن عيسى، وذلك في سنة أربع وتسعين ومائة.


ثم اضطربت أحوال الأمين وقويت شوكة المأمون، ولما رأى الفضل ابن الربيع الأمور مختلة استتر في رجب سنة ست وتسعين ومائة، ثم ظهر لما ادعى إبراهيم بن المهدي الخلافة ببغداد، كما ذكرته في ترجمته، واتصل به ابن الربيع، فلما اختل حال إبراهيم استتر ابن الربيع ثانيا، وشرح ذلك يطول.


وخلاصته أن طاهر بن الحسين سأل المأمون الرضا عنه، فأدخله عليه، وقيل غير ذلك، إلا أنه لم يزل بطالا إلى أن مات، ولم يكن له في دولة المأمون حظ، والله أعلم.


وكتب إليه أبو نواس يعزيه في الرشيد، ويهنئه بولاية ولده الأمين:

 

تعز أبا العباس عن خير هـالـك

 

بأكرم حي كـان أو هـو كـائن

حوادث أيام تـدور صـروفـهـا

 

لهن مسـاو مـرة ومـحـاسـن

وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى

 

فلا أنت مغبون ولا الموت غابـن

 

وفيه أيضا قال أبو نواس من جملة أبيات:

 

وليس لله بمسـتـنـكـر

 

أن يجمع العالم في واحد

 

قال أبو بكر الصولي: ولقد أخذ أحمد بن يوسف الكاتب هذا المعنى وزاد عليه، وكتبه إلى بعض إخوانه، وقد ماتت له ببغاء، وله أخ كثير التخلف يسمى عبد الحميد:

 

أنت تبقى ونحن طرا فداكـا

 

أحسن الله ذو الجلال عزاكا

فلقد جل خطب دهر أتاكـا

 

بمقادير أتلفت ببـغـاكـا

عجبا للمنون كيف أتتـهـا

 

وتخطت عبد الحميد أخاكـا

كان عبد الحميد أصلح للمو

 

ت من الببغا وأولى بذاكـا

شملتنا المصيبتان جمـيعـا

 

فقدنـا هـذه ورؤية ذاكـا

وقد تقدم في ترجمة ابن الرومي ذكر المقطوعين المقولين في الوزير أبي القاسم عبيد الله وولديه الحي والميت، وذلك المعنى مأخوذ من هذه الأبيات وأبو نواس هو الذي فتح لهم الباب، ومنه أخذ الباقون، وإن كان بينهم مغايرة ما لكن المادة واحدة.

وكانت وفاة الفضل بن الربيع في ذي القعدة، سنة ثمان ومائتين وسنه ثمان وستون سنة، وقيل في شهر ربيع الآخر، رحمه الله تعالى، وفيه يقول أبو نواس أبياته الدالية التي فيها والخير عادة".

وورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

" الفضل بن الربيع ابن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة كيسان مولى عثمان بن عفان، كان الفضل هذا متمكنا من الرشيد، وكان زوال دولة البرامكة على يديه، وقد وزر مرة للرشيد، وكان شديد التشبه بالبرامكة، وكانوا يتشبهون به، فلم يزل يعمل جهده فيهم حتى هلكوا كما تقدم.

وذكر ابن خلكان أن الفضل هذا دخل يوما على يحيى بن خالد وابنه جعفر يوقع بين يديه، ومع الفضل عشر قصص فلم يقض له منها واحدة، فجمعهن الفضل بن الربيع وقال: ارجعن خائبات خاسئات.

ثم نهض وهو يقول:

عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور

فتقضى لبانات وتشفى حزائز * وتحدث من بعد الأمور أمور

فسمعه الوزير يحيى بن خالد فقال له: أقسمت عليك لما رجعت، فأخذ منه القصص فوقع عليها.

ثم لم يزل يحفر خلفهم حتى تمكن منهم وتولى الوزارة بعدهم، وفي ذلك يقول أبو نواس:

ما رعى الدهر آل برملك لما * أن رمى ملكهم بأمر فظيع

إن دهرا لم يرع ذمة ليحيى * غير راع ذمام آل الربيع

ثم وزر من بعد الرشيد لابنه الأمين فلما دخل المأمون بغداد اختفى فأرسل له المأمون أمانا فخرج فجاء فدخل على المأمون بعد اختفاء مدة فأمنه، ثم لم يزل خاملا حتى مات في هذه السنة، وله ثمان وستون سنة"..