الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ |
والصبر حيثُ الكِلّة ُ السِّيَراءُ |
ما للمهارى الناجياتِ كانَّها |
حتمٌ عليها البَينُ والعُدَواءُ |
ليس العجيبُ بأن يُبارِينَ الصَّبا |
والعذلُ في أسماعِهِنّ حُداءُ |
تدنو منالَ يدِ المحبّ وفوقها |
شمسُ الظهيرة ِ خدرها الجوزاء |
بانتْ مُوَدِّعة ً فجيدٌ مُعْرِضٌ |
يومَ الوداع ونظرة ٌ شزْراء |
وغدتْ مُمنَّعة َ القِباب كأنها |
بين الحِجالِ فريدة ٌ عصماء |
حُجَبُت ويُحجب طيفُها فكأنما |
منهم على لحظاتِها رُقباء |
ما بانة ُ الوادي تثنّى خوطها |
لكنّها اليَزَنيّة ُ السّمْراء |
لم يبقَ طرفٌ أجردٌ إلاّ أتى |
من دونهاوطِمِرّة ٌ جرداء |
ومفاضة ٌ مسرودة ٌ وكتيبة ٌ |
مَلمومَة ٌ وعَجاجَة ٌ شهباء |
ماذا أُسائِلُ عن مغَاني أهلِها |
وضميريَ المأهولُ وهي خَلاء |
لله إحدى الدّوحِ فاردة ً ولا |
للهِ محنية ٌ ولا جرعاء |
بانَتْ تَثَنّى لا الرّياحُ تَهُزُّهَا |
دوني ولا أنفاسيَ الصُّعداء |
فكأنّما كانتْ تَذكَّرُ بيْنَكم |
فتميدُ في أعطافها البُرحاء |
كلُّ يهيجُ هواكَ إمّا أيكة ٌ |
خضراءُ أو أيكة ٌ ورقاء |
فانظرْ!أنارٌ باللّوى أم بارِقٌ |
متألّقٌ أم راية ٌ حمراء |
بالغورِ تخبو تارة ً ويشبُّها |
تحتَ الدُّجنّة ِ مندلٌ وكباء |
ذمَّ الليالي بعدَ ليلتنا التي |
سَلَفَتْ كما ذمَ الفراقَ لقاء |
لبِستْ بياضَ الصّبْح حتى خلتُها |
فيه نجاشيّاً عليه قَباء |
حتى بدتْ والبدرُ في سِرْبالِها |
فكأنّها خيفانة ٌ صدراء |
ثمّ انتحى فيها الصّديعُ فأدبَرَتْ |
فكأنّها وَحْشِيّة ٌ عَفْراء |
طويتْ لي الأيامُ فوقَ مكايدٍ |
ما تَنْطوي لي فوقَها الأعْداء |
ما كانَ أحسنَ منْ أياديها الّتي |
تُولِيكَ إلاّ أنّها حَسْناء |
ما تُحسِنُ الدنيا تُديمُ نعيمَها |
فهي الصَّناعُ وكفُّها الخرَقاء |
تشأى النَّجازَ عليّ وهيَ بفتكهِا |
ضِرغامَة ٌ وبِلوْنِها حِرْباء |
إنَ المكارمَ كنّ سرباً رائداً |
حتّى كنسنَ كأنَّهنّ ظباء |
وطِفقْتُ أسألُ عن أغرَّ مَحجَّلٍ |
فإذا الأنامُ جِبِلّة ٌ دَهماء |
حتى دُفعْتُ إلى المعزّ خليفة ً |
فعملتُ أنّ المطلَب الخُلفاء |
جودٌ كأنّ اليمّ فيهِ نفاثة ٌ |
و كأنما الدّنياعليهِ غثاء |
مِلكٌ إذا نطقَتْ عُلاهُ بمدحِهِ |
خرسَ الوفودُ وأفحمَ الخطباء |
هو علّة الدُّنيا ومن خلقتْ له |
و لعلّة ٍ ما كانتِ الأشياء |
من صفوِ ماء الوحي وهوَ مُجاجة ٌ |
من حَوضه الينبوع وهو شفاء |
من أيكة ِ الفرْدوْس حيثُ تفتقتْ |
ثمراتها وتفيّأ الأفياء |
من شعلة القبَس التي عُرِضتْ على |
موسى وقد حارتْ به الظَّلماء |
من معدنِ التقديسِ وهو سلالة ٌ |
من جوهرِ الملكوتِ وهو ضياء |
من حيثُ يقتبسُ النهارُ لمبصرٍ |
و تشقُّ عن مكنونها الانباء |
فتَيَقّظوا من غَفْلة ٍ وتَنَبّهوا |
ما بالصبّاحِ عن العيونِ خَفاء |
ليستْ سماءُ الله ما تَرْأونَها |
لكنّ أرضاً تحتويهِ سماء |
أمّا كواكِبُها له فخَواضِعٌ |
تخفي السُّجودَ ويظهرُ الإيماء |
و الشمسُ ترجعُ عن سناه جفونها |
فكأنّها مَطرُوفة ٌ مَرْهَاء |
هذا الشفيعُ لأمَّة ٍ يأتيْ بها |
وجُدُودُهُ لجدُودِها شُفعاء |
هذا أمينُ اللهِ بينَ عبادهِ |
و بلادهِ إنْ عدَّتِ الأمناء |
هذا الَّذي عطفتْ عليهِ مكة ٌ |
وشعابهاو الرُّكنُ والبطحاء |
هذا الأغَرُّ الأزهَرُ المتألقُ المـ |
ـتَدَفِّقُ المُتَبَلِّجُ الوضّاء |
فعَليهِ من سِيما النبيّ دَلالَة ٌ |
وعليهِ من نورِ الإلهِ بَهاء |
وَرِثَ المُقيمَ بيثرِبٍ فالمِنبرُ الـ |
ـأعْلى له والتُّرعَة ُ العَلياء |
والخطبة ُ الزّهراء فيها الحكمة الـ |
ـغَرّاءُ فيها الحجّة ُ البَيضاء |
للنّاس إجماعٌ على تفضيلهِ |
حتى استَوَى اللُّؤماءُ والكُرَماء |
واللُّكْنُ والفُصَحاء والبُعَداء والـ |
قرباءُ والخصماءُ والشُّهداء |
ضرّابُ هامِ الرّومِ منتقماً وفي |
أعناقهمْ منْ جودهِ أعباء |
تجري أياديه التي أولاهمُ |
فكأنَّها بينَ الدمّاءِ دماء |
لولا انبعاثُ السيف وهو مسلَّطٌ |
في قتْلهمْ قَتَلَتْهُمُ النَّعْماء |
كانتْ ملوكُ الأعجمَينِ أعزّة ً |
فأذلّها ذو العزِّة ِ الأبَّاء |
لنْ تصغرَ العظماءُ في سلطانهم |
إلاّ إذا دلفَتْ لها العُظَماء |
جهلَ البطارقُ أنّهُ الملكُ الذي |
أوصى البنينَ بسلمهِ الآباء |
حتى رأى جهَّالهم من عزمهِ |
غبَّ الذي شهدتْ به العلماء |
فتقاصرُوا من بعدما حكمَ الردى |
و مضى الوعيدُ وشبِّتِ الهيجاء |
والسيْلُ ليسَ يحيدُ عن مُستنّهِ، |
و السّهمُ لا يدلى به غلواء |
لم يُشرِكوا في أنّهُ خَيرُ الوَرَى |
ولِذي البَريّة ِ عندهُمْ شُركاء |
و إذا أقرّ المشركونَ بفضلهِ |
قَسْراً فما أدراكَ ما الخُنفاء |
في الله يسري جودُهُ وجُنودُهُ |
و عديدهُ والعزمُ والآراءُ |
أومَا ترى دولَ الملوكِ تطيعه |
فكأنَّها خولٌ لهُ وإماء |
نَزَلَتْ ملائكة ُ السماءِ بنصرِهِ |
وأطاعَهُ الإصْباحُ والإمساء |
والفُلْكُ والفَلَكُ المُدارُ وسعدُهُ |
والغَزْوُ في الدّأماءِ والدّأماء |
والدهرُ والأيّامُ في تصريفِها |
والناسُ والخضراءُ والغَبراء |
أينَ المفرُّ ولا مفرَّ لهاربٍ |
و لكَ البسيطانِ الثُّرى والماء |
ولكَ الجواري المنشآتُ مواخراً |
تَجري بأمركَ والريّاحُ رخاء |
و الحاملات وكلُّها محمولة ٌ |
والنّاتِجات وكلّها عذراء |
و الأعوجيّات التي إن سوبقتْ |
سبقت وجريُ المذكيات غلاء |
الطائرات السّابحات السّابقا |
ت الناجيات إذا أستُحِثّ نَجاء |
فالبأسُ في حمس الوغى لكماتها |
والكبرياءُ لهُنّ والخُيلاء |
لا يصدرونَ نحورها يومَ الوغى |
إلاّ كما صبغَ الخدودَ حياء |
شمُّ العَوالي والأنوفِ تَبَسّموا |
تحت القُنوس فأظلموا وأضاءوا |
لبسوا الحديدَ على الحديدِ مظاهراً |
حتى اليلامقَ والدروعُ سواء |
و تقنّعوا الفولاذَ حتى المقلة ُ النَّجـ |
لاء فيها المقلة ُ الخوصاء |
فكأنّما فوقَ الأكُفّ بَوارقٌ |
وكأنّما فوقَ المُتونِ إضاء |
من كلّ مسرودِ الدَّخارص فوقه |
حبكٌ ومصقولٍ عليه هباء |
وتَعانَقوا حتى رُدَيْنيّاتُهُم |
عطْشَى وبِيضُهُمُ الرقاقُ رِواء |
أعززتَ دينَ اللهِ يا ابنَ نبيّهِ |
فاليومَ فيهِ تخمطٌ وإباء |
فأقلُّ حظّ العُرْبِ منكَ سعادة ٌ |
وأقلُّ حظّ الرّومِ منكَ شقاء |
فإذا بعثْتَ الجيشَ فهوَ منيّة ٌ |
وإذا رأيتَ الرأيَ فهوَ قَضاء |
يكسو نَداكَ الروْضَ قبل أوانهِ |
و تحيدُ عنكَ اللَّزابة ُ اللأواء |
وصِفات ذاتك منكَ يأخذها الورى |
في المكرماتِ فكلّها أسماء |
قد جالتِ الأوهام فيك فدقّتِ الـ |
أفكارُ عنكَ فجلّتَ الآلاء |
فعنتَ لكَ الابصارُ وانقاذتْ لكَ |
الاقدارُ واستحيتْ لكَ الانواء |
و تجمّعتْ فيكَ القلوبُ على الرّضى |
و شيّعتْ في حبكَ الأهواء |
أنتَ الذي فصلَ الخطابَ وإنّما |
بكَ حكَّمتْ في مدحكَ الشُّعراء |
وأخصُّ منزِلة ً من الشّعراء في |
أمثالِها المضروبة ِ الحُكَماء |
أخذوا الكلامَ كثيرهَ وقليلَه |
قِسمَينِ: ذا داءٌ وذاكَ دواء |
دانوا بأنَّ مديحهمْ لكَ طاعة ٌ |
فَرْضٌ فليسَ لهم عليك جَزاء |
فاسلمْ إذا رابَ البريَّة َ حادثٌ |
و اخلدْ إذا عمّ النفوسَ فناء |
يفْديكَ شهْرُ صِيامِنا وقِيامنا |
ثمّ الشُّهورُ له بذاك فِداء |
فيه تنزّلَ كلُّ وحي منزلٍ |
فلأهلِ بيتِ الوحي فيه ثناء |
فتطولُ فيه أكفُّ آلِ محَمدٍ |
وتغلُّ فيهِ عن الندى الطُّلقاء |
ما زلْتَ تَقضي فَرضَه وأمامَه |
ووراءَه لكَ نائلٌ وحِباء |
حسبي بمدحك فيه ذخراً إنّه |
للنُّسْكِ عند الناسكين كِفاء |
هيهات منّا شكرُ ما تُولي ولو |
شكرتك قبلَ الألسنِِ الأعضاء |
و اللهُ في علياكَ أصدقُ قائلٍ |
فكأنّ قولَ القافلينَ هُذاء |
لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ |
في رَاحتَيْكَ يدورُ كيف تشاء |