سقى الغيث أطلال الأحبة بالحمى ابن زيدون

      سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ   بِالحِمـى

وَحاكَ عَلَيها ثَوبَ وَشـيٍ    مُنَمنَمـا

وَأَطلَـعَ فيهـا لِلأَزاهيـرِ    أَنجُمـا

فَكَم رَفَلَت فيها الخَرائِـدُ    كَالدُمـى

إِذِ العَيشُ غَـضٌّ وَالزَمـانُ غُـلامُ

أَهيـمُ بِجَبّـارٍ يَعِـزُّ    وَأَخـضَـعُ

شَذا المِسكِ مِن أَردانِـهِ    يَتَضَـوَّعُ

إِذا جِئتُ أَشكوهُ الجَوى لَيسَ    يَسمَعُ

فَما أَنا في شَيءٍ مِنَ الوَصلِ    أَطمَعُ

وَلا أَن يَـزورَ المُقلَتَيـنِ    مَـنـامُ

قَضَيبٌ مِنَ الرَيحانِ أَثمَـرَ   بِالبَـدرِ

لَواحِظُ عَينَيهِ مُلِئـنَ مِـنَ   السِحـرِ

وَديباجُ خَدَّيهِ حَكى رَونَقَ    الخَمـرِ

وَأَلفاظُهُ في النُطقِ كَاللُؤلُـؤِ   النَثـرِ

وَريقَتُـهُ فـي الإِرتِشـافِ    مُـدامُ

سَقى جَنَباتِ القَصرِ صَوبُ    الغَمائِمِ

وَغَنّى عَلى الأَغصانِ وُرقُ   الحَمائِمِ

بِقُرطُبَـةَ الغَـرّاءَ دارِ  الأَكــارِمِ

بِلادٌ بِها شَـقَّ الشَبـابُ    تَمائِمـي

وَأَنجَبَنـي قَـومٌ هُـنـاكَ كِــرامُ

فَكَم لِيَ فيها مِن مَسـاءٍ    وَإِصبـاحِ

بِكُلِّ غَزالٍ مُشرِقِ الوَجهِ    وَضّـاحِ

يُقَـدِّمُ أَفـواهَ الكُـؤوسِ    بِتُـفّـاحِ

إِذا طَلَعَت في راحِهِ أَنجُـمُ   الـراحِ

فَإِنّـا لَإِعظـامِ الـمُـدامِ    قِـيـامُ

وَيَومٍ لَدى النَبتِيِّ في شاطِئِ   النَهـرِ

تُدارُ عَلَينا الراحُ في فِتيَـةٍ    زُهـرِ

وَليسَ لَنا فَرشٌ سِوى يانِعِ   الزَهـرِ

يَدورُ بِها عَذبُ اللَمى أَهيَفُ الخَصرِ

بِفيهِ مِـنَ الثَغـرِ الشَنيـبِ   نِظـامُ

وَيَـومٍ بِجَوفِـيِّ الرَصافَـةِ   مُبهِـجِ

مَرَرنا بِرَوضِ الأُقحُـوانِ   المُدَبَّـجِ

وَقابَلَنـا فيـهِ نَسـيـمُ   البَنَفـسَـجِ

وَلاحَ لَنـا وَردٌ كَخَـدٍّ  مُـضَـرَّجِ

نَـراهُ أَمـامَ النـورِ وَهـوَ   إِمـامُ

وَأَكرِم بِأَيّـامِ العُقـابِ    السَوالِـفِ

وَلَهـوٍ أَثَرنـاهُ بِتِلـكَ    المَعاطِـفِ

بِسودِ أَثيثِ الشَعرِ بيضِ   السَوالِـفِ

إِذا رَفَدوا في وَشيِ تِلكَ   المَطـارِفِ

فَلَيسَ عَلـى خَلـعِ العِـذارِ   مُـلامُ

وَكَم مَشهَدٍ عِندَ العَقيـقِ    وَجِسـرِهِ

قَعَدنا عَلى حُمرِ النَبـاتِ   وَصُفـرِهِ

وَظَبـيٍ يُسَقّينـا سُلافَـةَ خَـمـرِهِ

حَكى جَسَدي في السُقمِ رِقَّةَ  خَصرِهِ

لَواحِظُـهُ عِنـدَ الرُنُـوِّ    سِـهـامُ

فَقُـل لِزَمـانٍ قَـد تَوَلّـى   نَعيمُـهُ

وَرَثَّت عَلى مَرِّ اللَيالـي    رُسومُـهُ

وَكَـم رَقَّ فيـهِ بِالعَشِـيِّ   نَسيمُـهُ

وَلاحَت لِساري اللَيلِ فيـهِ   نُجومُـهُ

عَلَيكَ مِنَ الصَبِّ المَشـوقِ    سَـلامُ