المقدمة

تعريف بالمختارات وبجامعها

هذه مختارات من الشعر الأندلسي هي في الأصل مقطوعات وقصائد اختارها المستشرق الكبير أ.ر.نيكل البوهيمي لتكون نصوصاً ونماذجاً وشواهد لكتابه القيّم الذي أخرجه باللغة الانكليزية عن الشعر الأندلسي. هذه النصوص والنماذج والشواهد تمثل جميع الأعصر الأندلسية في أبرز فنونها الأدبية وخصائصها الفنية، وإن لم تتعرض كثيراً للموشحات. ثم هي تقدم للقارئ العربي أكبر مجموعة من هذا الشعر الرائع الجميل، وتصور له ناحية من أزهى نواحي الأدب العربي.

ولقد قسم الدكتور نيكل هذه المجموعة أقساماً تمثل أدوار الشعر الاندلسي ليكون ذلك أدلّ على قيمتها الأدبية والتاريخية في وقت واحد. فعسى أن يجد فيها القارئ العربي لذة، وأن يتذوق معانيها الرقيقة التي يصعب التعبير عنها بلغة غير اللغة العربية، وأن يكون ذلك حافزاً له على تذكر تلك الامجاد التي خلفها أجداده في فردوسهم المفقود.

الدكتور نيكل أحد ثقات العالم المقدمين في دراسات اللغة البروفنسية (لغة جنوبي فرنسة في العصور الوسطى) وفي شعر التروبادور (الشعراء الذين نظموا أشعارهم في اللغة البروفنسية) على الأخص. وهو من المستشرقين المنصفين، واحد الذين يمثلون النظرية العربية في نشأة الشعر التروبادوري، أي الذين يرون أثر الشعر العربي بيتاً واضحاً في نشأة ذلك العصر وفي تطوره أيضاً.

ولد الدكتور نيكل في بوهيميا عام 1885، ودرس اللغات وآدابها والأديان وتاريخها في الجامعات المختلفة. وكذلك درس القرآن الكريم والشعر العربي زمناً ما على على شيوخ الأزهر. وقد تخرج عام 1921 في جامعة شيكاغو بأميركا وخص بوقته جهوده اللغات الرومانية (الافرنسية والإيطالية والاسبانية والبرتغالية والبروفنسية والرومانية لغة أهل الرومان في البلقان)، ثم انه علم هذه اللغات في عدد من جامعات أوروبا. والدكتور نيكل يجيد عدداً كبيراً من اللغات الشرقية والغربية، منها اليابانية والتشيكية والانكليزية والألمانية سوى اللغات الرومانية التي ورد ذكرها آنفاً.

وتطوّف الدكتور نيكل في البلاد: طاف أوروبا كلها وأميركا والشرق الأقصى والأدنى وزار سورية مراراً. وهو يجد أعظم اطمئنانه في القدس ودمشق وبيروت والقاهرة، ذلك الاطمئنان الذي تضفيه هذه المشاهد بما فيها من ذكرى مجد قديم ورسالة سامية أدتها في تاريخ الانسانية. أما تطوافه فليبحث عن المخطوطات التي تدخل في دائرة اختصاصه، ولدراسة آداب الأمم في مهودها المختلفة.

وللدكتور نيكل من الكتب التي لها صلة بموضوعنا الذي نعالجه ترجمة انكليزية لكتاب طوق الحمامة لابن حزم الاندلسي. وكذلك نشر كتاب الزهرة لابي داود الاصفهاني، وهو مجموع أشعار نفيسة نشرها بالاشتراك مع ابراهيم طوقان شاعر فلسطين رحمه الله، وذلك عام 1932. وكذلك له دراسات في شعر التروبادور. ومن كتبه القيمة أيضاً كتاب الشعر الأندلسي، وهو الكتاب الذي كانت هذه المختارات نصوصاً ونماذج وشواهد له. ونشر الدكتور نيكل ديوان ابن قزمان القرطي ونقل جزءاً منه إلى اللغة الاسبانية.

ونحن إذ نزف هذه المختارات إلى القارئ العربي نشير الى أنها أكبر مجموعة للشعر الأندلسي على هذا الشكل، وأنها صورة صحيحة لتطورهذا الشعر الرائع في جميع عصوره. ولا ريب في أن هذه المختارات ستسد ثغرة في مكتبة مجاميع الشعر العربي.

الدكتور عمر فروخ