الجزء الثالث

عصر ملوك الطوائف

الجزء الثالث

بنو القبطُرنوه

أبو بكر 

هذي البسيطة كاعبٌ أبرادها

حُللُ الربيع وحليها النوار

وكأنّ هذا الجوّ فيها عاشق

قد شفّه التعذيب والإضرار

 

أبن صارة 

وإذا شكا فالبرق قلب خافق،

وإذا بكى فدموعه الأمطار

من أجل ذلّة ذا وعزة هذه

يبكي الغمام وتضحك الأزهار

 

ابن عبدون 

1-

الدهر يفجع بعد العين بالأثر،

فما البكاءُ على الأشباح والصور؟

 

أنهاك أنهاك، لا آلوك موعظةً

عن نومة بين ناب الليث والظفر

 

فالدهر حربٌ وإن أبدى مسالمة،

فالبيض والسمر مثل البيض والسمر

 

ولا هوادة بين الرأس تأخذه،

يد الضراب وبين الصارم الذكر

 

فلا تغرنك من دنياك نومتها،

فما صناعة عينيها سوى السهر

 

ما لليالي؟ أقال الله عثرتنا

من الليالي وخانتها يد الغير

 

في كل حين لها في كل جارحة

منا جراحٌ وإن زاغت عن البصر

 

تسرّ بالشيء لكن كي تغرّ به،

كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر

 

كم دولة وليت بالنصر خدمتها

لم تُبق منها، وسل دكراك، من خبر

 

 

 

2-

بني المظفر، والأيام ما برحت

مراحلاً والورى منها على سفر

 

سُحقاً ليومكم يوماً ولا حملت

بمثله ليلةٌ في مُقبل العمر

 

من للأسرّة أو من للأعنة أو

من للأسنة يُهديها إلى الثغر

 

من للبراعة أو من لليراعة أو

من للسماحة أو للنفع والضرر

 

أو دفع كارثة أو ردع آزفة

أو قمع حادثة تعيا على القدر؟

 

من للظبى وعوالي الحظّ قد عقدت

أطراف ألسنها بالعيّ والحصر

 

وطوّقت بالثنايا السود بيضهم

(أعجب بذاك) وما منعها سوى ذكر؟

 

ويحَ السماح وويحَ البأس لو سلما؛

وحسرةُ الدين والدنيا على عُمرِ

 

سقّت ثرى الفضل والعباس هامية

تُعزى اليهم سماحاً لا إلى المطر

 

ثلاثة ما رأى العصران مثلهم

فضلاً، ولو عُزز بالشمس والقمر

 

ثلاثة ما ارتقى النسران حيث رقوا

وكلّ ما طار من نسر ولم يطر

 

ثلاثة كذوات الدهر مذ نأوا

عني مضى الدهر لم يربع ولم يجر

 

ومرّ من كل شيء فيه أطيبه

حتى التمتع بالآصال والبُكر

 

من للجلال الذي غضّت مهابته

قلوبنا وعيون الأنجم الزهر؟

 

اين الإباء الذي أرسَوا قواعده

على دعائم من عزّ ومن ظفر؟

 

اين الوفاء الذي اصفوا شرائعه

فلم يرد أحدٌ منها على كدر؟

 

كانوا رواسيَ أرضِ الله، مذ نأوا

عنا استطارت بمن فيها ولم تقر

 

كانوا مصابيحها فمذ حبوا عثرت

هذي الخليقة، يا لله، في سدر

 

كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خُدع

منه، بأحلام عادٍ في خطى الحضُر؟

 

من لي ولا من بهم إن أطنبت محنٌ

ولم يكن وردها يُفضي إلى صدر؟

 

من لي ولا من بهم إن أظلمت نوبٌ

ولم يكن ليلها يُفضي إلى سحر؟

 

من لي ولا من بهم إن عُطّلت سننٌ

وأُخفيت ألسُن الأيام والسير؟

 

ويلمّه من طلوب الثأر مُدركه

لو كان ديناً على ليّان ذي عُسُر

 

على الفضائل إلا الصبر بعدهم

سلام مرتقبٍ للأجر منتظر

 

يرجو عني، وله في اختها طمعٌ؛

والدهر ذو عُقّبٍ شتى وذو غير

 

قرطتّ آذان من فيها بفاضحةٍ

على الحسان حصى الياقوت والدرر

 

[سيارة في أقاصي الأرض قاطعةٍ

شقاشقاً هدرت في البدو والحضر]

 

[مطاعةِ  الأمر في الألباب، قاضيةٍ

من المسامع ما لم يُقضَ من وطر]

 

ابن جاخ 

1-

أني قصدتّ إليك يا عبّادي

قصدَ القليق بالجُرى للوادي

 

 

 

2-

قطّعت يا يوم النوى أكبادي

حرّمت على عيني لذيذ رُقادي

 

يا أيها الملك المؤمّل والذي

قِدماً سما شرفاً على الأنداد

 

إن القريض لكاسدٌ في أرضنا

وله هنا سوقٌ بغير كساد

 

فجلبتُ من شعري إليك قوافيا

يفنى الزمان وذكرها متمادي

 

من شاعرٍ لم يطّلع أدباً ولا

خطّت يداه صحيفة بمداد

 

ابن جعفر أحمد بن العباس 

1-

عيونُ الحوادث عني نيام

وهضمي على الدهر شيء حرام

 

سيُوقظها قدرٌ لا ينام

 

 

 

2-

لي نفسٌ لا ترتضي الدهر غُمراً

وجميعَ الأنام طرّاً عبيدا

 

لو ترقّت فوقَ السِماك محلاً

لم تزل تبتغي هناك صعودا

 

أنا من تعلمون شيّدتّ مجدي

في مكاني ما بين قومي وليدا

 

أبو الحسن الرُعيني 

ألا لُعن الحمّامُ داراً فإنه

سواءٌ به ذو العلم والجهل في القدر

تُضيع به الآداب حتى كأنها

مصابيحُ لم تنفق على طلعة الفجر

 

المعتصم بالله (أبو يحيى محمد بن معن التُجيبي) 

1-

أنظر إلى الماء كيف انحطّ في صببه

كأنه أرقم قد جدّ في هربه

 

 

 

2-

عزيزٌ عليّ، ونوحي دليلُ

على ما أقاسي، ودمعي يسيلُ

 

لقطّعتِ البيضُ أغمادها

وشُقّت بنودٌ وناحت طبول

 

لئن كنتُ يعقوبُ في حزنه

ويوسفُ أنت، فصبر جميل!

 

 

 

3-

(وزهدني في الناس معرفتي بهم)

وطولُ اختباري صاحباً بعد صاحب

 

فلم تُرني الأيامُ خلاً تسرّني

مباديه، إلا ساءني في العواقب

 

ولا قلتُ أرجوه لدفع ملمّة

من الدهر إلا كان إحدى المصائب

 

 

 

4-

يا فاضلاً في شكره

أصلُ المساءٍ مع الصباح

 

هلا رفقتَ بمهجتي

عند التكلّم بالسراح؟

 

إن السماح ببُعدكم،

والله، ليس من السماح

 

 

 

5-

وحمّلت ذات الطوق مني تحيةً

تكون على أفق المريّة مجمرا

 

 

 

6-

ترفّق بدمعك لا تُفنه

فبين يديك بكاءٌ طويل

 

عز الدولة الواثق 

1-

أبعد السنى والمعالي خُمولُ

وبعد ركوب المذاكي كُبول

 

ومن بعد من كنتُ حراً عزيزاً

أنا اليومَ عبدٌ أسير ذليل؟

 

حللتُ رسولاً بغرناطةٍ

فحلّ بها بيّ خطبٌ جليل

 

وثُقّفتُ إذ جئتها مُرسلا

وقد كان يُكرمُ قبلي الرسول

 

فقدتّ المريّة، أكرم بها،

فما للوصول إليها سبيل!

 

 

 

2-

أفدّي ابا عمرو وإن كان عاتباً،

ولا خير في ود يكون بلا عتب

 

وما كان ذاك الودّ إلا كبارقٍ

أضاء لعيني ثم أظلم في قلبي

 

 

 

3-

لك الحمدُ، بعد الملك أصبحُ خاملا

بأرض اغترابٍ لا أمرّ ولا أحلي

 

وقد أصدأت فيها جذاذة منهلي

كما نسيت ركضً الجياد بها رجلي

 

فلا مسمعي يُصغي لنغمة شاعر،

وكفّيَ لا تمتدّ يوماً إلى بذل

 

رشيد الدولة 

1-

أحبتنا الكرام بغوا علينا

وبغيُ المرء محطبة ونار

 

وقالوا الهُجرَ لما يعلموه

وهُجرُ القول منقصة وعار

 

صبرتُ على مُقارعة الدواهي

وطبعُ الحرّ صبرٌ وائتجار

 

وقلتُ لعلهاً ظلمٌ ألمّت،

وحال الليل آخرها النهار

 

فإن يكن الردى يكن اصطبارٌ،

وإن يكن المُنى يكن اغتفار

 

 

 

2-

صبراً على نائبات الدهر إنّ له

يوماً كما فتك الإصباح بالظلم

 

إن كنتَ تعلم أن الله مقتدرٌ

فثق به تلق روح الله من أمم

 

وقلّما صبر الإنسان محتسباً

إلا وأصبح في فضفاضة النعم

 

رفيع الدولة 

1-

أبا العلاء، كؤوسُ الراح مُترعةٌ

وللندامى سرورٌ في تعاطيها

 

وللغصون تثنٍّ فوقها طرب

وللحمائم سجع في أعاليها

 

فاشرب على النهر من صهباءَ صافيةٍ

كأنما عُصرت من خدّ ساقيها

 

 

 

2-

باكر على القصف، أبا عامر،

فإنما نُجحُ الفتى في البُكر

 

من قبل أن يمسح كفّ الصبا

دمعَ الغوادي من خدود الدهر

 

 

 

3-

يا أخي بل سيدي بل سندي

في مهمات الزمان الأنكد

 

لح بأفق غاب عنه بدره

في اختفاءٍ من عيون الحسّد

 

وتعجّل بحبيبي حاضرٌ

وفمي يشتاق كأسي في يدي

 

أبو جعفر ابن المعتصم 

كتبتُ وقلبي ذو اشتياق ووحشةٍ

ولو أنه يستطيعُ مرّ يسلّم

جعلتُ سوادَ العينِ في سواده

وأبيضهُ طرساً وأقبلتُ ألثم

فخيّل لي أقبّل موضعاً

يُصافحه ذاك البنان المسلّم

 

أم الكرام بنت المعتصم 

يا معشر الناس ألا فاعجبوا

مما جنتهُ لوعةُ الحب

لولاهُ لم ينزل ببدر الدجى

من أفقه العلويّ للترب

حسبي بمن أهواه، لو أنه

فارقني تابعه قلبي

 

ابن أرقم (وزير المعتصم) 

1-

نشرت عليك من النعيم جناحاً

خضراءُ، صيّرت الصباح وشاحا

 

تحكي بخفقٍ قلب من عاديته

مهما تصافح صفحُها الأرواحا

 

ضمنت لك النعمى برأي ظافرٍ

فترقّب الفألَ المُشيرَ نجاحا

 

 

 

2-

فتى الخيل يقتادُها ذبّلا

خِفاقاً تُباري القنا الدابلا

 

ترى كلّ أجرد سامي التليل

وتحسبه غُصُناً مائلا

 

 

 

3-

مبسم البهرمان

 

في المحيّا الدري

 

صاد قلبي وبان

 

وأنا لم أدر

 

ابن شرف 

1-

مطل الليلُ بوعدِ الفلق

وتشكّى النجمُ طولَ الأرق

 

ضربت ريحُ الصبا مسك الدجى

فاستفاد الروضُ طيبَ العبق

 

وألاح الفجرُ خداً خجلاً

جال رشح الندى في عرق

 

جاوز الليل إلى أنجمه

فتساقطن سقوط الورق

 

يا بني معنٍ لقد ظلّت بكم

شجرٌ لولاكم لم تُورق

 

لو سقى حسّان إحسانُكم

ما بكى ندامه في جِلق

 

أو دنا الطائي من حيّكمُ

ما حدا البرقَ لربع الأبرق

 

أبدعوا في الفضل حتى كلّفوا

كاهلَ الأيام ما لم يُطق

 

 

 

2-

رأى الحسنُ ما في خده من بدائعٍ

فأعجبه ما ضمّ منه وحرفا

 

وقال: لقد ألفيتُ فيه نوادراً،

فقلتُ له: لا، بل غريباً مصنفا

 

 

 

3-

إذا ما عدوّك يوماً سما

إلى رتبةٍ لم تطق نقضها

 

فقبّل، ولا تأنفن، كفّه

إذا أنت لم تستطع عضّها

 

 

 

4-

قامت تجرّ ذيولَ العصبِ والحِبَر

ضعيفةُ الخصرِ والميثاق والنظر

 

لم يبقَ للجور في أيامكم أثرٌ

إلا الذي في عيون الغيد من حور

 

من كلّ ماذيّة أنثى فيا عجبا

كيف استهانت بوقع الصارم الذكر

 

 

 

5-

لعمركَ ما حصلتُ على خطير

من الدنيا ولا أدركتُ شيئاً

 

وها أنا خارجٌ منها سليباً

أقلّب نادماً كلتا يديّا

 

وأبكي ثم أعلمُ أن مبكا

ي لا يجدي فأمسحُ مقلتيّا

 

ولم أجزع لهول الموت لكن

بكيت لقلّة الباكي عليّا

 

وأن الدهر لم يعلم مكاني

ولا عرفت بنوهُ ما لديّا؛

 

زمان سوف أنشر فيه نشراً

إذا أنا بالحمام طُويت طيّا

 

أسرُّ بأنني سأعيشُ ميتاً

به، ويسوءُني أن متّ حيا

 

محمد بن معمر (ابن أخت غانم المخزومي) 

قولوا لشاعرِ برجةٍ، هل جاء من

أرض العراق فحاز طبع البحتري

وافى بأشعارٍ تضج بكفه

وتقول: هل أعزى لمن لم يشعر؟

يا جعفراً رُدّ القريض لأهله،

واترك مباراةً لتلك الأبحر

لا تزعمن ما لم تكن أهلاً له

هذا الرّضاب لغير فيك الأبخر

 

غانم المخزومي 

1-

صيّر فؤادك للمحبوب منزلةً

سمّ الخياط مجال للمحبين

 

ولا تسامح بغيضاً في معاشرةٍ

فقلما تسمع الدنيا بغيضين

 

 

 

2-

الصبر أولى بوقار الفتى

من ملكٍ يهتك ستر الوقار

 

من لزم الصبرَ على حالةٍ

كان على أيامه بالخيار

 

أبو الوليد النحلي البطلبوسي 

1-

أباد ابن عبادٍ البربرا

وأفنى ابن معنٍ دجاج القرى

 

 

 

2-

رضى ابنُ صُمادحَ فارقته

فلم يُرضني بعده العالم

 

وكانت مريّته جنةً

فجئتُ بما جاءهُ آدم

 

 

 

3-

أيا من لا يُضاف إليه ثان

ومن ورث العلى باباً فبايا

 

أيجملُ أن تكون سواد عيني

وأبصرَ دون أن أبغي حجابا؛

 

ويمشي الناس كلهم حماماً

وأمشي بينهم وحدي غرابا؟

 

 

 

4-

وودتّ ولليل البهيم مطارفٌ

عليك، وهذي للصباح بُرودُ

 

وأنت لدينا ما بقيتَ مقرّبٌ

وعيشك سلسالُ الجمام بَرود

 

أبو القاسم خلف ابن فرج السُميسر 

1-

إذا شئت إبقاءَ أحوالكما

فلا تجرِ جاهاً على بالكا،

 

وكن كطريقٍ لمجتازها

يمرّ وأنت على حالكا

 

 

 

2-

هُن إذا ما بلتَ حظاً

فأخو العقل يهونُ

 

فمتى حطّك دهرٌ

فكما كنت تكون

 

 

 

3-

يا آكلا كلّ ما اشتهاه

وشاتمَ الطبّ والطبيب

 

ثمار ما قد غرستَ تجني

فانتظر السّقم عن قريب

 

يجتمع الداءُ كل يوم؛

أغذيةُ السوء كالذنوب

 

 

 

4-

خنتم فهنتم وكم أهنتم

زمانَ كنتم بلا عيون

 

فأنتم تحت كلّ تحتٍ

وأنتم دون كلّ دون

 

سكنتم يا رياح عادٍ،

وكل ريح إلى سكون

 

 

 

5-

يا مشفقاً من خمول قومٍ

ليس لهم عندنا خلاق

 

ذلوا، وكم طالما أذلوا؛

دعهم يذوقوا الذي أذاقوا!

 

 

 

6-

وليتمُم فما أحسنتم مذ وليتم

ولا صنتم عمّن يصونكم عرضا

 

وكنتم سماءً لا يُنالُ منالها

فصرتهم إلى من رام يسالُكم أرضا

 

ستسترجع الأيامُ ما أقرضتكم

إلا إنها تسترجع الدينَ والقرضا

 

 

 

7-

قرابة السوء شرّ داءٍ

فاحمل أذاهم تعش حميداً

 

ومن تكن قرحةٌ بفيه

يصبر على مصّه الصديدا

 

 

 

8-

رأيت آدم في نومي فقلت له:

"أبا البريّة، إنّ الناس قد حكموا

 

أن البرابر نسلٌ منك". قال: "إذاً

حوّاء طالقةً إن كان ما زعموا"

 

 

 

9-

وقفتُ بالزهراءِ مستعبراً

معتبراً أندبُ أشتاتاً

 

فقلت: "يا زهرا، ألا فارجعي"

قالت: "وهل يرجع من ماتا"؟

 

فلم أزل أبكي وأبكي بها،

هيهات يغني الدمعُ هيهاتا!

 

كأنما آثار من قد مضى

نوادبٌ يندُبن أمواتا

 

 

 

10-

تحفّظ من ثيابك ثم صُنها

وإلا سوف تلبسها حدادا

 

وميّز عن زمانك كلّ حبرٍ

وأنظر أهله تسُدِ العبادا

 

وظنّ في سائر الأجناس خيراً،

وأما جنس آدمَ فالبُعادا

 

أرادوني بجمعهم فردوا

على الأعقاب قد نكصوا فُرادى

 

وعادوا بعد ذا إخوان صدق

كبعض عقاربٍ رجعت جرادا

 

 

 

11-

بئس دارُ المريّة اليوم دارا

ليس فيها لساكنٍ ما يحب

 

بلدةٌ لا ثمار إلا بريحٍ

ربما قد تهبّ أو لا تهُبّ

 

 

 

12-

قالوا: المريةُ فيها

نظافةٌ، قلت: إيه،

 

كأنها تستُ تبرِ

ويُبصَقُ الدمُ فيه

 

 

 

13-

بعوضُ شربنَ دمي قهوةً

وغنّينني بضروب الأغاني

 

كأنّ عروقيَ أوتارُهنّ

وجسمي الرّباب وهنّ القيان

 

 

 

14-

يا أيها الملك الميمونُ طائره

ومن لذي مأتمٍ في وجهه عرس

 

لا تفرسنّ طعاماً عند غيركم،

أن الأسود على المأكول تفترس

 

 

 

15-

الناس مثل حبابٍ

والدهر لُجّةُ ماء

 

فعالمٌ في طُفُوٍ

وعالم في انطفاء

 

أبو عبد الله محمد به عُبادة القزاز 

قال يمدح ابن صُمادح، وخلط النسيب بالمديح: 

نفى الحبّ عن مقلتيّ الكرى

كما قد نفى عن يديّ العدم

فقد قرّ حبّك في خاطري

كما قرّ في راحتيك الكرم

وفرّ سلوّك عن فكرتي

كما فرّ عن عرضه كلّ ذم

فحبي ومفخرهُ باقيا

ن لا يذهبان بطول القدم

فأبقى لي الحبّ خالٌ وخدٌ،

وأبقى له الفخرَ خالٌ وعم

 

أبو عبد الله ابن الحداد 

1-

عُج بالحمى حيث الغياضُ العينُ

فعسى تَعُنّ لنا مهاهُ العينُ

 

واستقبِلنَ أرَجَ النسيمِ فدارهم

نديّة الأرجاء لا دارينُ

 

أفقٌ إذا ما رمتُ لحظَ شموسه

صدّتك للنقع المُثار دُجون

 

إني أُراعُ لهم وبين جوانحي

شوق يُهوّن خطبّهم فيهون

 

أني نِصاب ضرابهم وطعانهم

صبٌّ بألحاظ العيون طعين

 

فكأنما بيضُ الصفاح جداولٌ

وكأنما سُمر الرماح غصون

 

ذرني أسر بين الأسنّة والظّبى

فالقلب في تلك القباب رهين

 

يا ربّة القرط المعير خفوقه

قلبي، أما لحراكه تسكين؟

 

توريد خدّك للصبابة موردٌ

وفتور طرفك للنفوس فتون

 

فماذا رمقت فوحي حبّك منزلٌ

وإذا نطقتِ فإنه تلقين

 

 

 

2-

إن المدامع والزفير

قد أعلنا ما في الضمير

 

فعلى مَ أخفي طاهراً

سقّمي عليّ له ظهير

 

هب لي الرضى من ساخطِ

قلي براحته أسير

 

 

 

3-

أيها الواصل هجري

أنا في هجران صبري

 

ليت شعري أيّ نفع

لك في إدمان ضري؟

 

 

 

4-

تُطالبني نفسي بما فيه صونُها

فأعصي، ويسطو شوقُها فأطيعها

 

والله ما يخفى عليّ ضلالها

ولكنها تأبى فلا أستطيعها

 

 

 

5-

بخافقة القرطين قلبك خافق

وعن خرس القلبين دمعك ناطق

 

وفي مشرق الصُدغين للصدر مغرب

وللفكر إظلام وللعين شارق

 

وبين حصى الياقوت ماءُ وسامةٍ

محلاةٌ عنها الظباء السوابق

 

وحشو قباب الرقم أحوى مقرطقٌ

كما آسُ روضٍ عطفه والقراطق

 

 

 

6-

يا غائباً خطراتُ القلب مُحضرُه

الصبر بعدك شيءٌ لستُ أقدره

 

تركتُ قلبي وأشواقي تُفطره

ودمعُ عيني وأحداقي تُحدّره

 

لو كنت تُبصرُ في تدمير حالتنا

إذاً لأشفعت مما كنت تبصره

 

فالعين دونك لا تحلو بلذاتها

والدهر بعدك لا يصفو تكدره

 

أخفي اشتياقي وما أطويه من أسف

على المريّة والأنفاس تظهره

 

 

 

7-

إلى الموت رجعي بعد حين، فإن أمت

فقد خُلّدت خلدّ الزمان مناقبي

 

وذكريَ في الآفاق طار كأنه

بكلّ لسانٍ طيبُ عذراءَ كاعب

 

ففي أيّ علم لم تبرز سوابقي

وفي أي فنّ لم تبارز كتائبي؟

 

 

 

8-

حاشا لعدلك يا بان معنٍ أن يُرى

في سلك غيري درّيَ المكنون

 

وإليكما تشكو استلاب مطيّها،

عُج بالحمى حيث الظباءُ البينُ

 

فاحكم لها: فاقطع لساناً لا يداً؛

فلسانُ من سرق القريضَ يمين

 

أبو عبيد البكري 

خليليّ، إني قد طربتُ إلى الكاس

وتُقتُ إلى شمّ البنفسج والآسِ

فقوموا بنا نلهو ونستمعُ الغـنـا

ونسرق هذا اليومّ سراً من الناس

فليس علينا في التعلل ساعة،

وإن وقفت في عقّب شعبان، من باس

 

أبو اسحق الالبيري 

1-

ألا حيّ العُقابَ وقاطنيه

وقل أهلا به وبساكنيه

 

حللتُ به فنفّس ما بنفسي

وآنسني فما استوحشتُ فيه

 

وكم ذيبٍ يجاوره ولكن

وجدتُ الذيب أسلمَ من فقيه

 

ولم أجزع لفقد أخٍ لأني

رأيتُ المرءَ يوبَقُ من أخيه

 

وأيأسني من الأيام أني

رأيتُ الوجهَ يزهدُ في الوجيه،

 

فآثرتُ البُعاد على التداني

لأني لم أجد من أدنيه

 

 

 

2-

لا قوةٌ ليَ يا ربي فانتصر

ولا براءة من ذنبي فاعتذر

 

فان تُعاقب فأهلاً للعقاب، وإن

تغفر فعفوك مأمول ومنتظرُ

 

إن العظيم إذا لم يعفُ مقتدراً

عن العظيم، فمن يعفو ويقتدر؟

 

 

 

3-

كلّ امرئٍ فيما يدين يُدان

سبحان من لم يخلُ منه مكانُ

 

يا عامرَ الدنيا ليسكنها وما

هي بالتي يبقى بها سُكان

 

تفنى وتبقى الأرض بعدك مثلما

يبقى المناخ وترحل الركبان

 

السرّ في الدنيا بكلّ زيادةٍ

وزيادتي فيها هي النقصان

 

 

 

4-

لله أكياسٌ جفوا أوطانهم

فالأرض أجمعها لهم أوطان

 

جالت عقولهم مجال تفكر

وجلالة، فبدا لها الكتمان

 

ركبت بحارَ الفهم في فلك النهى

وجرى بها الإخلاص والإيمان

 

فرسّت به لما انتهوا بجفونهم

مرسىً لهم فيه غنىً وأمان

 

 

 

5-

لا شيءَ أخسرُ صفقةً من عالم

لعبَت به الدنيا من الجهّال

 

فغدا يفرق في دينه أيدي سبا،

ويذيلُه حِرصٌ بجمع المال

 

لا خيرَ في كسب الحرام، وقلما

يُرجى الخلاص لكاسبٍ لحلال

 

فخذ الكفاف ولا تكن ذا فضلةٍ،

فالفضل تُسألُ عنه أيّ سؤال

 

 

 

6-

تمرّ لداتي واحداً بعد واحدٍ

وأعلمُ أني بعدهم غير خالدٍ

 

وأحمل موتاهم وأشهدُ دفنهم

كأني بعيدٌ عنهم غير شاهد

 

فها أنا في عامي بهم وجهالتي

كمستيقظ يرنو بمقلة راقد

 

 

 

7-

وذي غنىً أوهته همّته

أن الغنى عنه غيرُ منفصل

 

يجرّ أذيال عجبه بطراً

واختال للكبرياء في الحلل

 

بزّته أيدي الخطوب بِزّته

فاعتاض بعد الجديد بالسّمل

 

فلا تثق بالغنى فآفته الفقر

وصرف الزمان ذو دُول

 

كفى بنيل الكفاف عنه غنىً

فكن به الدهرَ غير محتفل

 

 

 

8-

والشيبُ نبّه ذا النهى فتنبها

ونهى الجهولَ فما استفاق ولا انتهى

 

فإلى متى ألهو وأخدع بالمنى؟

والشيخُ أقبحُ ما يكون إذا لها

 

ما حسنه إلا التقى لا أن يُرى

صباً بألحاظ الجآذر والمها

 

أنى يُقاتل وهو مغلول الشبا

كابي الجواد إذا استقلّ تأوّها

 

محقَ الزمانُ هلاله فكأنما

أبقى له منه على قدر السّهى

 

فغدا حسيراً يشتهي أن يُشتهى،

ولكم جرى طلقَ الجموحِ كما اشتهى

 

إن أنّ أوّاء وأجهش بالبكا

لذنوبه ضحكَ الجهولُ وقهقها

 

ليست تُنبّهه العظات، ومثله

في سنّه قد آن أن يتنهنا

 

فقد اللِدات وزاد غيّاً بعدهم

هلاً تيقّظ بعدهم وتنبّها!

 

 

 

9-

ألا قُل لصنهاجةٍ أجمعين

بُدورِ الزمان وأسدِ  العرين

 

مقالة ذي مِقّة مُشفق

يَعدّ النصيحة زلفى ودين:

 

لقد زلّ سيّدكم زلّة

تقرّ بها أعين الشامتين

 

تخيّر كاتبه كافراً

ولو شاء كان من المؤمنين

 

فعزّ اليهود به وانتخوا

وتاهوا، وكانوا من الأرذلين

 

ونالوا مناهم وحازوا المدى

وقد كان ذاك وما يشعرون

 

فكم مُسلم راغبٍ راهب

لأرذل قِردٍ من المشركين

 

وما كان ذلك من سعيهم

ولكنّ مناّ يقوم المعين

 

فهلاً اقتدى فيهم بالأولى

من القادة الخيرةِ المتقين

 

وأنزلهم حيث يستأهلون

وردّهم أسفلَ السافلين؛

 

فطافوا لدينا بأفواجهم

عليهم صغارٌ وذلٌ وهون

 

ولم يستخفوا بأعلامنا

ولم يستطيلوا على الصالحين

 

ولا جالسوهم وهم هجنةٌ

ولا راكبوهم مع الأقربين

 

أباديسُ، أنت امرؤٌ حاذق

تُصيب بظنك نفس اليقين

 

فكيف خفي عنك ما يعبثون

وفي الأرض تُضرب منها القرون؟

 

وكيف تحبّ فراخ الزنا

وقد بغّضوك إلى العالمين؟

 

وكيف يتمّ لك المرتقى

إذا كنت تبني وهم يهدمون؟

 

وكيف استنمتَ إلى فاسق

وقارنته وهو بئس القرين؟

 

وقد أنزل الله في وحيه

يحذر عن صُحبة الفاسقين

 

فلا تتخذ منهم خادماً

وذرهم إلى لعنة اللاعنين

 

فقد ضجّت الأرض من فسقهم

وكادت تميد بنا أجمعين

 

تأمل بعينك أقطارها

تجدهم كلاباً بها خاسئين

 

وكيف انفردتّ بتقريبهم

وهم في البلاد من المبعدين؟

 

على أنك الملك المُرتضي

سليلُ الملوك من الماجدين

 

وأن لك السبقَ بين الورى

كما أنت من جلة السابقين

 

وإني حللتُ بغرناطة

فكنتُ أراهم بها عابثين

 

وقد قسموها وأعمالها

فمنهم بكل مكان لعين

 

وهم يقبضون جباياتها

وهم يخضمون وهم يقضمون

 

وهم يلبسون رفيع الكسا

وأنتم لأوضعها لابسون

 

وهم أمناكم على سرّكم،

وكيف يكون أميناً خؤون؟

 

ويأكل غيرهم درهماً

فيُقصّى ويُدنون إذ يأكلون

 

وقد ناهضوكم إلى ربكم

فما يُمنعون وما يُنكرون

 

وقد لابسوكم بأسحارهم

فما تسمعون ولا تبصرون

 

وهم يذبحون بأسواقنا

وأنتم لإطريفهم آكلون

 

ورخّمَ قردهم داره

وأجرى إليها نمير العيون

 

وصارت حوائجنا عنده

ونحن على بابه قائمون

 

ويضحك منا ومن ديننا

فإنا إلى ربنا راجعون

 

ولو قلتُ في ماله إنه

كمالكَ كنتُ من الصادقين

 

فبادر إلى ذبحه قربةً

وضحّ به فهو كبش سمين

 

ولا ترفع الضغط عن رهطه

فقد كنزوا كلّ علقٍ ثمين

 

وفرق عُراهم وخذ مالهم

فأنت أحقّ بما يجمعون

 

ولا تحسبنّ قتلهم غدرةً

بل الغدرُ في تركهم يعبثون

 

فقد نكثوا عهدنا عندهم،

فكيف نُلامُ على الناكثين؟

 

وكيف تكون لنا هيّة

ونحن خُمول وهم ظاهرون؟

 

ونحن الأذلة من بينهم

كأنا أسأنا وهم مُحسنون

 

فلا ترض فينا بأفعالهم

فأنت رهينٌ بما يفعلون

 

وراقب إلاهك في حِزبه

فحزبُ الإله هم المفلحون!

 

 

 

10-

قالوا: ألا تستجيد بيتاً

تعجبُ من حسنه البيوت؟

 

فقلتُ: ما ذلك صواباً،

عشٌَ كثيرٌ لمن يموت

 

لولا شتاءٌ ولفحُ قيظٍ

وخوفُ لصٍ وحفظُ قوت

 

ونسوةٌ يبتغين ستراً

بنيتُ بنيانَ عنكبوت

 

 

 

11-

خليليّ عوجا بي على مسقّط اللوا

لعلّ رسومَ الدار لم تتغيرا

 

فأسألَ عن ليلٍ تولى بأنسنا

واندُبَ أياماً تقضّت وأعصرا

 

لياليَ إذ كان الزمانُ مسالماً

وإذ كان غصن العيش فينانَ أخضرا

 

وإذ كنتُ أُسقى الراحَ من كفٍ أغيدٍ

يناولُنيها رائحاً ومبكّرا

 

أعانق منه الغصنَ يهتزّ ناعماً

وألثم منه البدرَ يطلعُ مقمرا

 

وقد ضربَت أيدي الأمان قبابها

علينا، وكفّ الدهرِ عنا وأقصرا

 

فما شئتَ من لهوٍ وما شتِ من دد

ومن مبسم يُجنيك عذباً مؤشرا

 

وما شئت من عودٍ يغنيك مفصحاً

(سما لك شوقٌ بعد ما كان أقصرا)

 

ولكنها الدنيا تُخادعُ أهلها

تغرّ بصفوٍ وهي تطوي تكدّرا

 

لقد أوردتني بعد ذلك كله

مواردَ ما ألفيتُ عنهنّ مصدرا

 

وكم كابدت نفسي لها من مُلمّة

وكم بات طرفي من أساها مسهّرا؟

 

خليليّ ما بالي على صدق عزمتي

أرى من زماني ونيةً وتعذّرا؟

 

ووالله ما أدري لأيّ جريمةٍ

تجنّى ولا عن أي ذنب تغيّرا؟

 

ولم أك عن كسبِ المكارم عاجزاً

ولا كنت في نيلٍ أنيل مقصّرا

 

لئن ساء تمزيقُ الزمان لدولتي

لقد ردّ عن جهلٍ كثير وبصّرا

 

وأيقظ من نوم الغرارة نائما

وكسّب علماً بالزمان وبالورى

 

 

 

13-

ذروني أجب شرق البلاد وغربها

لأشفيَ نفسي أو أموتَ بدائي

 

فلستُ ككلب السوء يُرضيه مربضٌ

وعظمٌ، ولكني عُقاب سماء

 

تحوم لكيما يُدرك الخصبَ حومُها

أمام أمامٍ أو وراء وراء

 

وكنتُ إذا ما بلدةٌ لي تنكرت

شددتُ إلى أخرى مطيّ إبائي

 

وسرتُ ولا ألوي على متعذر

وصممت لا أصغي إلى النصحاء

 

كشمسٍٍ تبدّت للعيون بمشرق

صباحاً، وفي غربٍ أصيل مساء

 

أبو الحسن علي بن أحمد بن سِيره الأعمى 

ألا هـل إلى تقبيل راحتك اليُمنى

سبيل؟ فإن الأمنَ في ذاك واليُمنا

ضحيتُ فهل في برد ظلّك نومةٌ

لذي كبدٍ حرّى وذي مقلة وسنى؟

 

أبو عمر يوسف ابن عبد الله بن عبد البر 

1-

تنكّر من كنّا نُسرُّ بقربه

وصار زُعافاً بعدما كان سلسلا

 

وحُقّ لجارٍ لم يوافقه جارُه

ولا لائمته الدار أن يتحوّلا

 

بُليتُ بحمصٍ، والمُقام ببلدة

طويلاً- لعمري- مُخلقٌ يُورثُ البِلا

 

إذا هان حرّ عند قوم أتاهم،

ولم يَنِ عنهم كان أعمى وأجهلا

 

ولم تُضرب الأمثالُ إلا بعالم

وما عُوقب الانسان إلا ليعتلا

 

 

 

2-

تجافَ عن الدنيا وهوّن لقدرها

وخذ في سبيل الدين بالعروة الوثقى

 

أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد البر 

1-

مات من كنّا نراهُ أبداً

سالمَ العقلِ سقيمَ الجسد

 

بحرُ سُقمٍ ماج في أعضائه

فرمى في جلده بالزبد

 

كان مثل السيف إلا أنه

حُسد الدهرُ عليه فصَدي

 

 

 

2-

لا تُكثرنّ تأمّلاً

واحبس عليك عنان طرفك

 

فلربّما أرسلته

فرماك في ميدان حتفك

 

أبو عبد الله بن نصر الحُميدي  

1-

طريق الزهد أفضلُ ما طريق

وتقوى الله تالية الحقوق

 

فثق بالله يكفك، واستغنه

يعنك ودع بُنيّات الطريق

 

 

 

2-

كلام الله عزّ وجلّ قولي

وما صحّت به الآثار ديني

 

وما اتفق الجميع عليه بدءاً

وعوداً، فهو من حق مبين

 

 

 

3-

لقاءُ الناس ليس يُفيد شيئاً

سوى الهذيان من قيل وقال

 

فأقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ العلم أو إصلاح حال

 

 

 

4-

ألِفتُ النوى حتى أنستُ بوحشها

وصرتُ بها لا في الصبابة مولعا

 

فلم أحصِ كم رافقته من مُرافق

ولم أُحص كم خيّمتُ في الأرض موضعا

 

ومن بعد جوبِ الأرض شرقاً ومغرباً

فلا بدّ لي من أن أوافيَ مصرعا

 

أبو وهب العباسي القرطبي 

أنا في حالتي التي قد تراني،

إن تأملت، أحسنُ الناس حالا

منزلي حيث شئتُ من مستقرّ

الأرض أسقى من المياه زلالا

ليس لي كسوةٌ أخاف عليها

من مُغيرٍ، ولا ترى ليَ مالا

أجعلُ الساعدَ اليمينَ وسادي،

ثم أثني إذا انقلبتُ الشمالا

ليس لي والدٌ ولا لي مولو

دٌ ولا حُزتُ مُذ عقلت عيالا

قد تلذذتُ حقبةً من أمور

فتأمّلتها فكانت خيالا

 

أبو العسال الطليطلي 

أنظر الدنيا فإن أبـ

صـرتها شيئاً يدوم،

فاغدُ منها في أمانٍ

إن يساعدكَ النعيمُ

وإذا أبصرتها منـ

ك على كُرهٍ تهيم

فاسلُ عنها واطّرحها

وارتحل حيث تُقيم