زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ
|
والصُّبْحُ يُنشر منه بَنْدٌ مُذْهَبُ
|
والزَّهْرُ في نَهْر المجرَّة ِ بعضها
|
يطْفو بِصِفْحَتِها وبعضٌ يَرْسُبُ
|
وكأنما الفَلَكُ المُكَوْكَبُ غادة ٌ
|
زُفَّت وحَلَّ لها الحُلِيّ المَغْرِبُ
|
والدَّوْحُ صلَّى بالتَّحيات التي
|
ألْقَى بمَسْمَعِهِ النَّسيمُ الطَّيب
|
والطَّيرُ قد نَفَضَ الجناحَ مُؤذّنا
|
والوُرْقُ تَتْلُو والبلابِلُ تَخْطُب
|
بِكْرٌ من الحيّ الحلال ببابل
|
تُنْمَى إلى هارُوتِهِ إذْ تُنْسَب
|
محْجوبَة ٌ في خَدْرِ طِرْسٍ دُونها
|
للحُسْنِ من غُرِّ المعاني مَرْكَبُ
|
ممْنوعَة ُ الأبياتِ بالبيضِ الظّبا
|
فالنّجْمُ للطُّرَّاقِ منها أقْرَب
|
ألباب ربّاتُ الحِجالِ بلِ الحِجا
|
كيف اهْتَدَيْتَ وما اسْتبانَ المذْهبُ
|
قد كُنْتُ أقْنَعُ منك في سِنة ِ الكَرى
|
بالطَّيفِ فضلا عن مزارِ يَقْرُب
|
ويئسْتُ إذ عاقَتْكَ أحراسُ العِدا
|
عن زَوْرتي وتألَّفوا وتألَّبوا
|
تالله لو أرسلتَ طيفَكَ لانْثَنى
|
خَوْفَ القواطِعِ خائفا يترقَّبُ
|
فأبيْتَ إلا أن تُبَرِّدَ غُلّة ً
|
لو عُلِّلَتْ بالبحْرِ كانت تَلْهَبُ
|
فَرَغَ الإلاهُ عن الحُظوظِ فَعَدِّ عن
|
حظٍ تَكِدُّ له فحظُّك يطلبُ
|
قسماً بِمُهْديك الذي أنوارُه
|
كالشمسِ إلا أنها لا تَغْربُ
|
لنَعَشت مني مُهْجة ً مَطْلُولة ً
|
وأنلْتني فوقَ الذي أنا أطلبُ
|
إيهٍ أبا حسَنٍ بأي عبارة
|
أثْنِي على عُلْياكَ عَزَّ المطلبُ
|
طَوَّقتني منها قِلادَة مَفْخرٍ
|
في مثلها باغي المكارِمِ يَرْغَبُ
|
هذا وكم لك منْ يدٍ مَشفُوعة ٍ
|
لا يسْتَقلُّ بحمْلِها لي مَنْكِبُ
|
وإليكَها كالبَحْر قِيسَ بمذْنَبٍ
|
والشمسُ نازَعَها الضِّياءَ الكَوْكَبُ
|
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي
|
كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ
|
أمَّا دُعاؤكَ لي فعِلْمي أنَّه
|
ما إنْ له إلا العِنايَة َ مُوجِب
|
والوقْتُ فيه للقَبُولِ مَظِنَّة ٌ
|
وبِساطُ حالِ الوقتِ عنه يُعْربُ
|
هذا جنًى غَرَسَتْه كفُّ رِضاكَ لي
|
فهَصَرْتُه وهو الكثيرُ الأطْيَبُ
|
ونَتِجَة ٌ قَدَّمْتُ عند قِياسها
|
ما يوجب الإحسانَ لا ما يَسْلُبُ
|
لكنْ غَدَوْت برغم أنفي قاعِدا
|
والدّمعُ من عيني يفيضُ ويَسْكُبُ
|
وتنازعَ القَصْدانِ عَزْمي عندها
|
فالضّعفُ يُمْسك والتَّشوُّقَ يَجْذبُ
|
والعزْمُ بين المقصِدَين مُرَدَّدٌ
|
والقلبُ بين الحالتينِ مُذَبْذَبُ
|
ولو أنني ألْفيَتُ طِرْفاً يُرْتَضى
|
للفَرِّ والتأويلُ فيه يُجَنَّبُ
|
وإذا تَبَيَّنَتِ المقاصِدُ لم يكن
|
فيها أخو جِدٍّ كمن هو يلْعبُ
|
لبذلتُ فيه كلّ ما مَلكَتْ يدي
|
وحثَثْتُه للحرْبِ فيما أحْسِبُ
|
وهزَزْتُ فيه كلّ أسمَرَ ذابلٍ
|
يشْقَى بطَعْنتِه العدُوُّ الأصهَبُ
|
ما بِنْتُ عنه لفَرْطِ جبنٍ فاضِحٍ
|
كلا فما قلبي لذُعْرٍ يَنْحَبُ
|
والحتْفُ غاية ُ من يرُوحُ ويغتدي
|
فإذا فررْتَ إليه منه المهْرَبُ
|
وحَذَرْتَ لي عُقْبى القطيعة جاهداً
|
وهي الطَّريقة ُ والسَّبيلُ الأصْوبُ
|
لكن لديَّ فراسة ٌ معضْودَة ٌ
|
فإذا ظَننْتُ فإنها لا تكْذِبُ
|
والشّرْعُ يعتبرُ الظُّنونَ وسيما
|
ظنٌّ يكادٌ الحقُّ فيه يَغْلبُ
|
كِلْني لعلمي في صحابي إنني
|
بهِمُ خبيرٌ ماهرٌ ومُجَرِّبُ
|
لك ظاهِرٌ منهم حَكَمْتَ به ولي
|
منهُم بواطِنٌ عن عِيانِك غُيَّبُ
|
سِيانِ منهم واصلٌ أو هاجِرٌ
|
أو عاذِرٌ أو عاذِلٌ ومُؤنِّبُ
|
مهما جفاني صاحِبٌ في الناس لي
|
سَعة ٌ وفي عرْضِ البسيطة ِ مَذْهبُ
|
لا تسْتَقِرُّ على التّنافُس صُحْبَة ٌ
|
وموَدّة ُ الأكفاءِ أمرٌ يَصْعُب
|
والماءُ إن ألف الثَّواء تغيَّرتْ
|
أوصافُه وعلا عليه الطُّحْلُبُ
|
إنّ الصّداقة َ لفْظة ٌ مدْلُولها
|
في الدّهْرِ كالعنْقاءِ بل هو أغْربُ
|
كم فضّة ٍ فُضَّتْ وكم من ضَيْعة ٍ
|
ضاعت وكم ذهبٍ رأينا يَذْهبُ
|
إلا الصداقَة َ فهي ذُخْرٌ خالدٌ
|
أسْمى وأسْنى ما اكْتَسَبْتَ وتَكْسِبُ
|
وإذا رَضِيَت وقد رَضِيتَ فليس لي
|
عِلْمٌ بمن يرضى ومن يغْضَب
|
وإذا بَقيتَ فلستُ أبكي مَنْ مَضَى
|
لم لا وأنت الأهلُ عِنْدي والأبُ
|
أمحلَ والدي الذي لجَنابِه
|
آوي وفي مَرْضاتِهِ أتَقَلَّبُ
|
خيَّرتَني بين المُقام أو السُّرى
|
والأمرُ يُفْصِحُ بالمسير ويُعْرِب
|
فترجَّحَ العزْمُ الحثيثُ وساقِطٌ
|
حُكْمُ الإباحة ِ ما اسْتبانَ الأوجب
|
ووعَدَت بالعذْرِ الجميلِ وإنني
|
لأخافُ من يَبْغي عليَّ ويَعْتِبُ
|
نَبهَت لمَّا نِمْتُ عنك مُؤمَّلا
|
يُرْدِي الأعادي منك ماضٍ مُقْضِب
|
فامدُدْ لها كُفّا بُنَيَّة ساعة ٍ
|
لكن أبوها دونَ فَخْرٍ مُنْجِب
|
وإذا أتَتْكَ عشية ً فامْدُدْ لها
|
عَرَضْتَ لنا أصلا فقلنا الرَّبرب
|