على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم |
ولم يبق فينا منه روح ولا جسم |
ولكن بقي رسم من العلم دارس |
وعما قليل سوف ينطمس الرسم |
فآن لعين أن تسيل دموعها |
وآن لقلب أن يصدعه الهم |
فإن يفقد العلم شرا وفتنة |
وتضيع دين أمره واجب حتم |
وما سائر الأعمال إلا ضلالة |
إذا لم يكن للعالمين بها علم |
وما الناس دون العلم إلا بظلمة |
من الجهل لا مصباح فيها ولا نجم |
فهل يهتدي إلا بنجم سمائه |
إذا ما بدا من أفقه ذلك النجم |
فهذا أوان القبض للعلم فلينح |
عليه الذي في الحب كان له سهم |
فليس بمبقى العلم كثرة كتبه |
فماذا تفيد الكتب إن فقد الفهم |
وما قبضة إلا بموت وعاته |
فقبضهم قبض له وبهم ينمو |
فجد وأد الجهد فيه فإنه |
لصاحبه فخر وذخر به الغنم |
فعار على المرء الذي تم عقله |
وقد املت فيه المروءة والحزم |
إذا قيل ماذا أوجب الله يا فتى |
أجاب بلا أدري وإني لي العلم |
وأقبح من ذا لو أجاب سؤاله |
بجهل فإن الجهل مورده وخم |
أيرضى بأن الجهل من بعض وصفه |
ولو قيل ياذا الجهل فارقه الحلم |
فكيف إذا ما البحث من بين أهله |
جرى وهو بين القوم ليس له سهم |
تدور بهم عيناه ليس بناطق |
فغير حرى أن يرى فاضلا قدم |
ما العلم إلا كالحياة إذا سرت |
بجسم حي والميت من فاته العلم |
وكم في كتاب الله من مدحة له |
يكاد بها ذو العلم فوق السهى يسمو |
وكم خبر في فضله صح مسندا |
عن المصطفى فاسأل به من له علم |
كفى شرفا للعم دعوى الورى له |
جميعا وينفى الجهل من قبحه الفدم |
فلست بمحص فضله أن ذكرته |
فقد كل عن احصائه النثر والنظم |
فيا رافع الدنيا على العلم غفلة |
حكمت فلم تنصف ولم يصب الحكم |
أترفع دنيا لا تساوي بأسرها |
جناح بعوض عند ذي العرش يا فدم |
وتؤثر أصناف الحطام على الذي |
به العز في الدارين والملك والحكم |
وترغب عن إرث النبيين كلهم |
وترغب في ميراث من شأنه الظلم |
وتزعم جهلا ان بيعك رابح |
فهيهات لم تربح ولم يصدق الزعم |
ألم تعتبر بالسابقين فحالهم |
دليل على أن الأجل هو العلم |
فكم قد مضى من مترف متكبر |
ومن ملك دانت له العرب والعجم |
فبادوا فلم تسمع لهم قط ذاكرا |
وإن ذكروا يوما فدكرهم الذم |
وكم عالم ذي فاقه ورثاثة |
ولكنه قد زانه الزهد والعلم |
حيا ما حيا في طيب عيش ومذ قضى |
بقى ذكره في الناس إذ فقد الجسم |
فكن طالبا للعلم حق طلابه |
مدى العمر لا يوهنك عن ذلك السأم |
وهاجر له في أرض ولو نأت |
عليك فأعمال المطى له حتم |
وأنفق جميع العمر فيه فمن يمت |
له طالبا نال الشهادة لا هضم |
فإن نلته فليهنك العلم أنه |
هو الغاية العلياء واللذة الجسم |
فلله كم تفتض من بكر حكمة |
وكم درة تحظو بها وصفها اليتم |
وكم كاعب حسناء تكشف خدرها |
فيسفر عن وجه به يبرأ السقم |
فتلك التي تهوى ظفرت بوصلها |
لقد طال ما في حبها نحت الجسم |
فعانق وقبل وارتشف من رضابها |
فعدلك عن وصل الحبيب هو الظلم |
فجالس رواة العلم واسمع كلامهم |
فكم كلم منهم به يبرأ الكلم |
وإن أمروا فاسمع لهم وأطع فهم |
أولوا الأمر من شأنه الفبك والظلم |
مجالسهم مثل الرياض أنيقة |
لقد طاب منها اللون والريح والطعم |
أتعتاض عن تلك الرياض وطيبها |
مجالس دنيا حشوها الزور والإثم |
فما هي إلا كالمزابل موضعا |
لكل أذى لا يستطاع له شم |
فدر حول قال الله قال رسوله |
وأصحابه أيضا فهذا هو العلم |
وما العلم آراء الرجال وظنهم |
ألم تدر أن الظن من بعضه الإثم |
وكن تابعا خير القرن ممسكا |
بآثارهم في الدين هذا هو الحزم |
وأفضلهم صحب النبي محمد |
فلولاهم لم يحفظ الدين والعلم |
ولولاهم كان الورى في ضلالة |
ولكن كلا منهم للهدى نجم |
فآمن كإيمان الصحابة وارضه |
فمنها جهم فيه السلامة والغنم |
وإياك أن تزور عنه إلى الهوى |
ومحدث أمر ماله في الهدى سهم |
فإيماننا قول وفعل ونية |
فيزداد بالتقوى وينقصه الإثم |
فنؤمن أن الله لا رب غيره |
له الملك في الدارين والأمر والحكم |
فليس له ولد ولا والد ولا |
شريك ولا يعروه نقص ولا وصم |
إله قديم أول لا بداية |
له آخر يبقى فليس له حسم |
سميع بصير قادر متكلم |
مريد وحي لا يموت له العلم |
وإيماننا بالاستواء استوائه |
تعالى على عرش السما واجب حتم |
فأثبته للرحمن غير مكيف |
له وتعالى أن يحيط به العلم |
ومن حرف النص الصريح مؤولا |
فقد زاغ بل قد فاته الحق والحزم |
وما الحزم إلا أن تمر صفاته |
كما ثبتت لا يعتريك بها وهم |
قراءتها تفسيرها عند من نجا |
فذر عنك ما قد قاله الجعد والجهم |
وإن جنان الخلد تبقى ومن بها |
وليس لما فيها انقطاع ولا حسم |
ورؤية سكان الجنان لربهم |
تبارك حق ليس فيها لهم وهم |
كرؤيتهم للبدر ليل تمامه |
أو الشمس صحوا لا سحاب ولا قتم |
فيا رب فاجعلني لوجهك ناظرا |
غدا ناظرا فيما به ينعم الجسم |
وإن ورود الحوض حوض محمد |
لامته حق به يجب الجزم |
فما اللبن الزاكي يضاهي بياضه |
وما العسل الصافي مع اللبن الطعم |
ولكنه انقى بياضا وطعمه |
من الكل أحلى والعبير له ختم |
وكيزانه مثل النجوم لنورها |
وكثرتها جدا فهل يحسب النجم |
عليه نبي الله يدرأ كل من |
أتى من سوى اتباعه ولهم وسم |
فأمته تأتيه كل محجل |
أغر وأما من سواهم فهم دهم |
وعنه رجال مسلمون تذودهم |
ملائك لما بدلوا فبدا الجرم |
فيا رب هب لي شربة من زلاله |
فمن يشربن من ذلك الحوض لا يظمو |
وإن عذاب النار حق أعاذنا |
إله الورى منها فتعذيبها غرم |
أعدت لأهل الكفر دار إقامة |
إذا نضجت أجسامهم بدل الجسم |
ولم يبق فيها من توفي موحدا |
بإجرامه حتى ولو عظم الجرم |
وإن لخير المرسلين شفاعة |
بها المصطفى من بين أقرانه يسمو |
وذلك أن الخلق يشتد كربهم |
ليوم به المولود تذهله الأم |
فيأتون كل المرسلين ليشفعوا |
إلى الله في فصل القضا والقضا الحكم |
فيحجم كل عن شفاعته لهم |
سوى من به للمرسلين جرى الختم |
فيأتونه والدمع منهم جرى دما |
وكم زفرات منهمو هاجها الهم |
ينادونه يا خاتم الرسل هل ترى |
إلى خطبنا بل عندك الخبر العلم |
لقد طال هذا الموقف الصعب أمره |
علينا فأوهى الجسم بل وهن العظم |
وقد طال يا خير العباد انتظارنا |
ومن شأن مولانا الأناءة والحلم |
فكم ألف عام قد وقفنا بضعفنا |
جياعا ظماء ضرنا الضنك والسأم |
فيا ليتنا متنا ففي الموت راحة |
ويا ليتها لم تبعث الروح والجسم |
سل الله يفصل بيننا بقضائه |
وإن لم تجب فالويل للخلق والغم |
فمن رد خير المرسلين أنا لها |
فطيبوا نفوسا وليزل عنكم الهم |
فيشفع فيهم وهو خير مشفع |
فينزل من رب الورى لهم الحكم |
فما ظالم إلا ويجزى بظلمه |
وما محسن إلا يوفى ولا هضم |
فشفعه اللهم فينا بموتنا |
على ملة الإسلام يا من له الحكم |
وصل إله العالمين مسلما |
على من به للأنبياء جرى الختم |
كذا الآل والأصحاب ما قال قائل |
على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم |