أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّاباً
|
فأهوي على الجذوعِ بفأسي!
|
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ
|
تهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
|
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي
|
ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
|
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي
|
كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
|
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي
|
فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
|
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّتْ
|
فأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
|
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْ
|
أنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!
|
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور،
|
وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
|
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ
|
حواليكَ دون مسّ وجسِ...
|
في صباح الحياة ِ صَمَّخْتُ أكوابي
|
وأترعتُها بخمرة ِ نفسي...
|
ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ
|
رحيقي، ودُستَ يا شعبُ كأسي!
|
فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامي،
|
وكفكفتُ من شعوري وحسّي
|
ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبي
|
باقة ً، لمْ يَمَسَّها أيُّ إِنْسِي...
|
ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ
|
ورودي، ودُستَها أيَّ دوسِ
|
ثم ألبَسْتَني مِنَ الحُزْنِ ثوباً
|
وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسي
|
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، ياشَعْبي
|
لأقضي الحياة َ، وحدي، بيأسي
|
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّي
|
في صميم الغابات أدفنُ بؤسي
|
ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت
|
بأهْلِ لخمرتي ولكَأسي
|
سوف أتلو على الطُّيور أناشيدي،
|
وأُفضي لها بأشواق نَفْسي
|
فَهْي تدري معنى الحياة ، وتدري
|
أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَة ُ حِسِّ
|
ثم أقْضي هناك، في ظلمة الليل،
|
وأُلقي إلى الوجود بيأسي
|
ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو،
|
تَخُطُّ السُّيولُ حُفرة َ رمسي
|
وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِي
|
ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمس
|
وتظَلُّ الفصولُ تمْشي حواليَّ،
|
كما كُنَّ في غَضارَة أمْسي
|
أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ،
|
لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ..!
|
أنتَ في الكَوْنِ قوَّة ٌ، لم تَنسْسها
|
فكرة ٌ، عبقريَّة ٌ، ذاتُ بأسِ
|
أنتَ في الكَوْنِ قوة ٌ،كبَّلتْها
|
ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ..
|
والشقيُّ الشقيُّ من كان مثلي
|
في حَسَاسِيَّتي، ورقَّة ِ نفسي
|
هكذا قال شاعرٌ، ناولَ النَّاسَ
|
رحيقَ الحياة ِ في خير كأسِ
|
فأشاحُوا عنْها، ومرُّوا غِضابا
|
واستخفُّوا به، وقالوا بيأس:
|
"قد أضاعَ الرشّادُ في ملعب الجِنّ
|
فيا بؤسهُ، أصيب بمسّ
|
طالما خاطبَ العواصفَ في الليلِ
|
ويَمْشي في نشوة ِ المُتَحَسِّي
|
طالما رافقَ الظلامَ إلى الغابِ
|
ونادى الأرواحَ مِن كلِّ جِنْس»
|
طالما حدَّثَ الشياطينَ في الوادي،
|
وغنّى مع الرِّياح بجَرسِ»
|
إنه ساحرٌ، تعلِّمُه السحرَ
|
الشياطينُ، كلَّ مطلع شمسْ
|
فکبعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ
|
إنّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ»
|
«أطردوه، ولا تُصيخوا إليه
|
فهو روحٌ شريِّرة ٌ، ذات نحْسِ
|
هَكَذا قَال شاعرٌ، فيلسوفٌ،
|
عاشَ في شعبه الغبيِّ بتَعْسِ
|
جَهِلَ الناسُ روحَه، وأغانيها
|
فساموُا شعورَه سومَ بخْسِ
|
فَهْوَ في مَذهبِ الحياة ِ نبيٌّ
|
وَهْوَ في شعبهِ مُصَابٌ بمسِّ
|
هكذا قال، ثمّ سَار إلى الغابِ،
|
ليَحْيا حياة شعرٍ وقُدْسِ
|
وبعيداً، هناك..، في معبد الغاب
|
الذي لا يُظِلُّه أيُّ بُؤْسِ
|
في ظلال الصَّنوبرِ الحلوِ، والزّيتونِ
|
يقْضي الحياة َ: حرْساً بحرْسِ
|
في الصَّباح الجميل، يشدو مع الطّير،
|
ويمْشي في نشوة ِ المنحسِّي
|
نافخاً نايَه، حوالْيه تهتزُّ
|
ورودُ الرّبيع منْ كلِّ فنسِ
|
شَعْرُه مُرْسَلٌ- تداعُبه الرّيحُ
|
على منكبْيه مثلَ الدُّمُقْسِ
|
والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه
|
وتلغو في الدَّوحِ، مِنْ كُلِّ جنسِ
|
وترا عند الأصيل، لدى الجدول،
|
يرنو للطَّائرِ المتحسِّي
|
أو يغنِّي بين الصَّنوبرِ، أو يرنو
|
إلى سُدْفَة الظَّلامِ الممسّي
|
فإذا أقْبَلَ الظلامُ، وأمستْ
|
ظلماتُ الوجودِ في الأرض تُغسي
|
كان في كوخه الجميل، مقيماً
|
يَسْألُ الكونَ في خشوعٍ وَهَمْسِ
|
عن مصبِّ الحياة ِ، أينَ مَدَاهُ؟
|
وصميمِ الوجودِ، أيَّان يُرسي؟
|
وأريجِ الوُرودِ في كلِّ وادٍ
|
ونَشيدِ الطُّيورِ، حين تمسِّي
|
وهزيمِ الرِّياح، في كلِّ فَجٍّ
|
وَرُسُومِ الحياة ِ من أمس أمسِ
|
وأغاني الرعاة ِ أين يُواريها
|
سُكونُ الفَضا، وأيَّان تُمْسي؟؟
|
هكذا يَصْرِفُ الحياة َ، ويُفْني
|
حَلَقات السنين: حَرسْاً بحرْسِ
|
يا لها من معيشة ٍ في صميم الغابِ
|
تُضْحي بين الطيور وُتْمْسي!
|
يا لها مِنْ معيشة ٍ، لم تُدَنّسْهَا
|
نفوسُ الورى بخُبْثٍ ورِجْسِ!
|
يا لها من معيشة ٍ، هيَ في الكون
|
حياة ٌ غريبة ٌ، ذاتُ قُدسِ
|