في السفح الغربي من جبل
|
(جرزيم) حيث تملأ مغارس الزيتون
|
القلوب و العيون ، هناك ، ألفت
|
القعود في أصل كل يوم عند زيتونة
|
مباركة تحنو على نفسي ظلالها،و تمسح
|
على رأسي غذ بات أغصانها : و طالما
|
خيل الي أنها تبادلني الألفة و المحبة،
|
فتحس أحساسي و تشعر بشعوري.
|
و في ظلال هذه الزيتونة الشاعرة،
|
كم حلمت أحلاماً ، و وهمت أوهاماً !.
|
هنا،هنا، في ظل زيتونتي
|
تحطّم الروح قيود الثرى
|
و تخلد النفس الى عزلة
|
يخنق فيها الصمت لَغوَ الورى
|
هنا، هنا، في ظل زيتونتي
|
في ضفة الوادي . يسفح الجبل
|
أصغي الى الكون و لمّا تزل
|
آياته تروي حديث الأزل
|
هنا يهتم القلب في عالم
|
تخلقه أحلامي المبهمه
|
لأفقه في ناظري روعة
|
و للرؤى في مسمعي هيمنه
|
عالم أشواق سماويةٍ
|
تطلق روحي في الرحاب الفساح
|
خفيفةً لا الأرض تثنى لها
|
خطوا و لا الجسم يهيض الجناح
|
واهاً : هنا يهفو على مجلسي
|
في عالم الأشواق روحٌ حبيب
|
لم تره عيناي لكنني
|
أحسه مني قريباً قريب !
|
أكاد بالوهم أراه معي
|
يغمر قلبي بالحنان الدّ فيق
|
يمضي به نحو سماء الهوى
|
على جناح من شعاع طليق
|
زيتونتي ،الله كم هاجسٍ
|
أوحت به أشواقي الحائره.
|
وكم خيالات وعى خاطري
|
تدري بها أغصانك الشاعرة
|
نجيّتي أنت و قد عزّني
|
نجيُ روحي يا عروس الجبل
|
دعي فؤادي يشتكي بثّه
|
لعل في النجوى شفاءً ، لعلّ !
|
يا ليت شعري أن مضت بي غداً
|
عنك يد الموت الى حفرتي
|
تراك تنسين مقامي هنا
|
و أنت تحنين على مهجتي ؟!
|
تراك تنسين فؤداً وعت
|
اسراره أغصانك الراحمات
|
باركها الله ! فكم ناغمت
|
وهدهدت أشواقه الصارخات
|
زيتونتي ، بالله إما هفت
|
نحوك بعدي النسمة الهائمة
|
فاذ ّكري كم نفحتنا معاً
|
عطورها الغامرة الفاغمة
|
و حين يستهويك طير الربى
|
بنغمةٍ ترعش منك الغصون
|
فاذّ كري كم طائرٍ شاعرٍ
|
ألهمه شدودي شجّي اللحون!
|
تذكّرني كلما شعشعت
|
أوراقك الخضراء شمس الأصيل
|
فكم أصيل فيه شيعتها
|
بمهجة حرّى و طرف كليل
|
إن يزوها المغرب عن عرشها
|
فالمشرق الزاهي بها يرجعُ
|
لكنني ،آها !غداً تنزوي
|
شمس حياتي ثم لا تطلع !
|
ويحي؟ أتطويني الليالي غداً
|
وتحتويني داجيات القبور
|
فأين تمضي خفقات الهوى
|
وأين تمضي خلجات الشعور
|
ونور قلبي ،والرؤى والمنى
|
وهذه النار بأعماقيه
|
هل تتلاشى بدداً كلها
|
كأنها ما ألهبت ذاتيه؟!
|
أما لهذا القلب من رجعة
|
للوجد ،للشعر ، لوحي الخيال؟
|
ايخمد المشبوب من ناره؟
|
واشقوة القلب بهذا المآل !
|
يا ربّ ، إما حان حين الردى
|
و انعتقت روحي من هيكلي
|
و أعنقت نحوك مشتاقةً
|
تهفو الى ينبوعها الأول
|
و بات هذا الجسم رهن الثرى
|
لقىًعلى أيدي البلى الجائرة
|
فلتبعث القدرة من تربتي
|
زيتونة ملهمةً... شاعره !.
|
جذورها تمتصّ من هيكلي
|
ولم يزل بعدُ طرياً رطيب
|
تعبّ من قلبي أنواره
|
ومنه تستلهم سرّ اللهيب !.
|
حتى إذا يا خالقي أفعمت
|
عناصري أعصابها و الجذور
|
انتفضت تهتز أوراقها
|
من وقدة الحسّ و وهج الشعور
|
و أفرعت غيناء فينانة
|
مما تروّت من رحيق الحياة
|
نشوى بهذا البعث ما تأتلي
|
تذكر حلماً قد تلاشت روءاه
|
حلم حياة سربت و انطوت
|
طفّاحة بالوهم .. بالنشوة
|
لم تك إلاّ نغماً شاجياً
|
على رباب الشوق و الصبوة!
|