هو الليل يا قلب ، فانتشر شراعك ، و اعبر خضّم الظلام العميق |
|
وجذف بأوهامك الراعشات في زورق ما به من رفيق |
|
وأنك كالليل شيء كبير .. |
بعيد القرار سحيق سحيق |
وفيك كألغازة المبهمات |
أفانين من كل لغز دقيق |
هواجس مختلفات رؤاها |
تهوّم طوراً و طوراً تفيق |
ولليل يا قلب أي امتدادٍ |
يحيط بهذا الوجود العظيم |
سرى و احتوى الكون في عمقه |
فلف ّالبحار ولفّ الأديم |
وكالليل أنت ، حويت وجوداً |
من العاطفات كبيراً جسم |
ففيك السماء ، وفيك الخضمّ، وفيك الجديد ، وفيك القديم ! |
|
وتنتظم الكون في خفقةٍ |
وأنت بجنبي هنا لا تريم ! |
و دونك يا قلب هذا الفضاء |
تجوز به السحب العابرة |
مراكب تمخر إثر مراكب |
تدفها قوّة قاهرة |
كأني أرى في شكول السحاب |
نواتيّ أبصارهم حائره |
أضلّوا المنار فهم تائهون |
يغذون في اللجج الكافره |
كذلك أنت ببحر الحياة |
توهان في ظلم سادره |
ورجرجة النجم كم ساجلتك |
بصدر السماء خفوق الحنين |
أبا النجم ما بك من لهفة |
أبا النجم مثلك شوق دفين؟ |
أتجهش في قلبه الذكريات |
وتأخذ منه بحبل الوتين؟ |
فما باله قلقاً خافقاً يراعي الدجى في سهوم حزين |
|
لعلّ أليفاً له قد هوى |
وبات كخذنك في الآفلين! |
وأصغ معي في السكون الرياض |
وقد لفّها غسق الغيهب |
طيور توشوش جنح الدجى |
وتكشف عن همّها المختبي |
فهذا الخريف تدبّ خطاه |
ليعصف بالزهر المعجب |
ويخنق ألحان أشواقها |
ويلوي بترجيعها المطرب |
و كيف تغنّي لزهر ذوى |
بروضٍ سليب الحلى مجذب |
وأنت ... وأنت تخاف الخريف |
و تشفق من ريحه العاتيه |
تخاف على زهرات الصبّى |
تبدّدها كفّه القاسيه |
فلا نور يشتاق طل الصباح |
و يوحي بأنغامك الظاميه |
تخاف تزايلك الملهبات |
و تخمد أشواقك الطاغيه ... |
ويفرغ نايك من لحنه |
ويثوى حطاماً بأضلاعه |
وسعت عوالم يا قلب ماجت |
يحم الطيوف وشتّى الصور |
أحاسيس حيرى تهيج وتطغى |
هياج العباب اذا ما غمر |
وأخرى تهبّ ، هبوب النسيم |
تنفّس في جانحيه الزهر |
وتظلم يا قلب حتى كأنك |
ليل بصدري الكظيم اعتكر |
وتشرق حتى إخال الضياء |
بأقطار نفسي منك انتشر |
وتخصب طوراً فكلك حبّ |
يعانق قلب الوجود الرحيب |
تفيض سلاما كأن يد الله مرّت عليك بنفخ رطيب |
|
تحبّ العدوّ وتحنو عليه |
وخنجره منك دام خضيب |
وطوراً تغيض سوى من رواسب كرهٍ عصيٍ وبغض رهيب |
|
كأنّ أكفّ الشياطين غلغلن فيك فأنت مخوف جديب . . |
|
فيا قلب ، يا أحد الأصغرين ، كيف اتسّعت لهذا الوجود |
|
وكيف احتمالك هذا الزحام ومن خلجاتٍ كثار العديد . . |
|
تحبّ وتبغض حراً طليقاً |
فلا من سدود ولا من قيود |
تصدّ نداء المحب القريب |
وتهوى نداء العدو البعيد ! |
فيا لك أعمى يقود زمامي |
كما شاء فعل اللجوج العنيد ! |
هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك واعبر خضمّ الظلام العميق |
|
وجذف بأوهامك الراعشات في زورقٍ ما به من رفيق |