من صور النكبة
|
تدلــّت عن الأفق أمّ الضياء
|
ملفّعة باصفرارٍ كئيب
|
وقد لملمت عن صدور الهضاب
|
وهام التلال ذيول الغروب
|
وجرّت خطاها رويداً رويداً
|
وأومت إلى شرفات المغيب
|
فأطبقن دون رحاب الوجود
|
وأغرقنه في الظلام الرهيب
|
وغشّى الدجى مهجاتٍ نبضن
|
بشوق الحياة ، بوهج اللهيب
|
وأخرى تلاعب ثلج السنين
|
بها فخبت في حنايا الجنوب
|
وأوغل في حاليات القصور
|
وأوغل في كل كوخ سليب
|
فمدّ الجناح على بسمات الشفاه ، وفوق جراح القلوب
|
وضمّ السعيد بأحلامه ، وضمّ أخا البؤس نضو الكروب
|
وفي وحشة الليل ، ليل المواجع ،ليل المواجد ، ليل الهموم
|
وللريح ولولة في الشعاب
|
وللرعد جلجلة في الغيوم
|
وللبرق خفق توالى دراكاً
|
يشق حجاب الظلام البهيم
|
بدا ( جبل النار ) ترب الخلود
|
له روعة الأزليّ القديم
|
تعالى أشمّ أمام السماء
|
تجاذب منها حواشي الأديم
|
كأنّ ذراه رفعن هناك ،
|
على الأفق ، متكأ للنجوم
|
وكان وراء غواشي الدجى
|
رهيب السكون عميق الوجوم
|
تحسّ به رجفة الكبرياء الجريحة والعنفوان الكليم
|
وفي قلبه النار مكبوتة الزفير ، فيا للــّهيب الكظيم !!
|
هنالك ، في سفح البطولات ، والمجد ، والوثبات الكبر. !
|
هنالك ؛ تحت الضباب المسفّ ، والأرض غرقى بدفق المطر
|
كأن الرحاب العلى بعيون السحائب تبكي شقاء البشر. .
|
هنالك ضمّ (رقيّة) كهف
|
رغيب عميق كجرح القدر
|
تدور به لفحات الصقيع
|
فيوشك يصطكّ حتى الصخر
|
وتجمد حتى عروق الحياة
|
ويطفأ فيها الدم المستعر
|
(رقية) يا قصة من مآسي الحمى سطّرتها أكفّ الغير
|
ويا صورةً من رسوم التشرد ، الذل ، والصدعات الأخر
|
طغى القرّ ، فانطرحت هيكلاً
|
شقيً الظلال ، شقي الصور !!
|
تعلّق شيء كفرخٍ مهيضٍ
|
على صدرها الواهن المرتعد
|
وقد وسّدت رأسه ساعداً
|
وشدّت بآخر حول الجسد
|
ولو قدرت أودعته حنايا الضلوع ، وضمّت عليه الكبد !
|
عساها تقيه بدفء الحنان
|
ضراوة ذاك المساء الصّرد
|
وعانقها هو يصغي الى
|
تلاحق أنفاسها المطّرد
|
وكانت خلال الدجى مقلتاه
|
كنجمتين ضاءا بصدر الجلد
|
تشعان في قلبها المدلهم
|
فيوشك في جنبها يتّقد
|
وغمغم : أمّ؛ وراحت يداه
|
تعثيان ما بين نحرٍ وخد
|
فأهوت على الطفل تشتمّ فيه
|
روائح فردوسها المفتقد
|
وفي مثل تهوية الحالمين
|
وغيبوبة الانفس الصافية
|
أطّلت على أفق الذكريات
|
وفي عمقها لهفة ظاميه
|
تعانق بالروح طيف الديار
|
وتلثم تربتها الزاكية . .
|
وأفياءها الدافئات وتلك الدهاليز في الروضة الحالية
|
وإلف الحياة يشيع الحياة
|
بأجواء جنّتها الهانيه
|
فيا دار ما فعلته الليالي
|
بأشيائك الحلوه الغالية
|
وربّك ، كيف تهاوت به
|
يد البغي والقوة الجانيه؟
|
ومرّ على قلبها طيف يومٍ
|
دجى الضحى ، عاصف مربد
|
وقد نفرت في جموع الإباء
|
نسور الحمى للحمى تفتدي
|
دعاها نفير العلى والجهاد
|
فهبّت خفاقاً الى الموعد
|
تذود عن الشرف المستباح
|
وتدفع عنه يد المعتدي
|
وتقتحم الهول مستحكماً
|
وتسخر باللهب الموقد
|
فتنقضّ مثل القضاء المتاح
|
وتهبط كالأجل المرصد
|
وليست تبالي وجوه الردى
|
كوالح في الموقف الأربد
|
فيا للحمى ، كم حميّ أبيّ
|
تجدّل فيه ، وكم أصيد
|
أباجوا له المهج الغايات
|
وأسقوا ثراه دم الأكبد
|
وطالعها في رؤى الذكريات
|
فتاها ، نجيّ العلى والطماح
|
إباء الرجولة في بردتيه
|
وزهو البطولة ملء الوشاح
|
يشدّ على الغاضب المستبد ويضرب دون الحمى المستباح
|
ويلقي عراك المنايا وجاهاً
|
ويكسح الهول أي اكتساح
|
وتعرف منه الوغى كاسراً
|
قوى الجناح ، عنيد الجماح
|
يخط على صفحات الجهاد
|
سطور الفدى بدماء الجراح
|
نبيل الكفاح اذا الخصم راغ
|
ومن شرف الحرب نبل الكفاح
|
فيا من رأى النسر تجتاحه
|
وتلوي به بفتات الرياح
|
تهاوى صريعاً وأرخى على
|
حطام أمانيه ريش الجناح !
|
وفاضت لواعجها ، لا أنيناً
|
جريحاً ، ولا عبرة زافره
|
ولكن زعافاً من الحقد والبغض والضغن والنقم الغامره ؟
|
متى يشتفي الثأر ؟ يا للضحايا
|
أ تهدر تلك الدماء الطاهره
|
ويا للحمى ! من يجيب النداء
|
نداء جراحاته النافره
|
وقد أغمد السيف ، لا ردّ حقاً
|
ولا أطفأ الغلة الساعره !.
|
تململ في حضنها فرخها
|
فضمّته محمومةً ثائره . .
|
ومالت عليه وفي صدرها
|
مشاعر وحشيةٌ هادرة . .
|
لترضعه من لظى حقدها
|
ونار ضغائنها الفائره . .
|
وتسكب من سمّ خلجاتها
|
بأعماقه دفقةً زاخره !.
|
هنا جبل (النار) كان يطوّف
|
حلم بأجفانه الساهره
|
تغاديه فيه طيوف نسورٍ
|
تغلّ بأفق العلى طائره
|
مخالبها راعفات . . وملء
|
جوانحها نشوة ظافره
|
وبرد التشفي بثاراتها
|
وراء مناسرها الكاسره!
|