أنا والسر الضائع فدوى طوقان

ما زلت والدرب بعيد طويل

أبحث في المجهول عبر الزمان

عن ضائع أبحث ، عن سرّ

ظننته أنأى من المستحيل

ما انفك يجري خلفه عمري

وهو وراء الغيب في لا مكان

كان دعاني صوته المفعم

والعمر فجرٌ والصّبا برعم

ولم يزل يعمر قلبي صداه

عذباً ، قوياً، فائراً كالحياة

مستغلقاً ، كأنه طلسم

ولم أزل أبحث عنه سدى

في ألف وجه من وجوه الحياة

في الليل ، في الإعصار ، في الانجم

وهو يناديني وينأى مداه

ولم أزل أبحث حتى رمى

بي اليأس في ظلامه المعتم

وسرت والايام أمشي إلى

لا غاية ، لا مأمل ، لا رجاء

وسرت شيئاً ميّت الروح لا

أبحث عن شيء،

وفي نفسي

ثلج وليل ، ووطأة اليأس

تخنق في نفسي بقايا النداء

وكان يوم ، كان صبح رطيب

فتحت عيني على ضوئه

وخلف أجفاني حلمٌ قريب :

وجه أليف ومكان غريب

تفتّحت روحي في فيئه

وثلج قلبي ذاب في دفئه

فتحت عينيّ وكان النهار

صافي المجالي ضاحك الشمس

وكان بي حسّ خفي الدبيب

توقّعٌ مستبهم ، وانتظار

مأتاهما من أين ؟

لم أدر . .

لم أدر إلا أن في صدري

يداً من الغيب مضت كفّها

تمسح عنه عتمة اليأس

ورحت ، في نفسي صفاء وفي

قلبي حنين وانجذاب خفي

وبغتة ، في لفتة عابرة

لقيته يملأ دربي سناه

لقيته ، لم أدر من ساقه

إليّ ، من وجّه نحوي خطاه

لقيته لا حلماً ، إنما

حقيقة ساطعة باهرة

عانقت فيها حين عانقتها

الله والحبّ وسرّ الحياة

يا جذل الروح ونعمى الوصول

لقيت سرّي الضائع المبهما

لقيت سرّي بغتةً بعدما

ظننته أنأى من المستحيل