حَطَمْتُ اليَراعَ فلا تَعْجَبِي
|
وعِفتُ البَيانَ فلا تَعتُبي
|
فما أنتِ يا مصرُ دارَ الأديبِ
|
ولا أنتِ بالبَلَدِ الطَّيِّبِ
|
وكمْ فيكِ يَا مصرُ مِنْ كاتبٍ
|
أقالَ اليَراعَ ولم يَكتُبِ
|
فلا تُعذُليني لهذا السكوت
|
فقد ضاقَ بي منكِ ما ضاقَ بي
|
أيُعجِبُني منكِ يومَ الوِفاق
|
سُكوتُ الجَمادِ ولِعْبُ الصَّبي
|
وكم غَضب الناسُ من قبلِنا
|
لسَلبِ الحُقوقِ ولمْ نغضَبِ
|
أنابتَةَ العصرِ إنّ الغريبَ
|
مُجِدٌّ بمصرَ فلا تلعبي
|
يقولون: في النَّشْءِ خيرٌ لنا
|
ولَلنَّشْءُ شرٌّ من الأجنبي
|
أفي (الأزبكيّة) مثوى البنينِ
|
وبين المساجد مثوى الأب؟
|
(وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ)
|
كما قال فيها (أبو الطيِّب)
|
أمورٌ تمرُّ وعيشٌ يُمِرُّ
|
ونحن من اللَّهو في ملعب
|
وشعب يفرُّ من الصالحاتِ
|
فرارَ السَّليم من الأجرب
|
وصُحْف تطنُّ طنينَ الذُّبابِ
|
وأخرى تشنُّ على الأقرب
|
وهذا يلوذ بقصر الأميرِ
|
ويدعو إلى ظِلِّه الأرحب
|
وهذا يلوذ بقصر السَّفيرِ
|
ويُطنِب في وِرده الأعذب
|
وهذا يصيحُ مع الصائحينَ
|
على غير قصدٍ ولا مأرب
|
وقالوا: دخيلٌ عليه العفاء
|
ونعم الدَّخيلُ على مذهبي!
|
رآنا نياماً ولما نُفِقْ
|
فشمَّرَ للسَّعي والمكسب
|
وماذا عليه إذا فاتنا
|
ونحن على العيش لم ندأب؟
|
ألفنا الخمولَ ويا ليتنا
|
ألفنا الخمولَ! ولم نكذب!
|
****
|
وقالوا: (المؤيَّدُ) في غمرةٍ
|
رماه بها الطَّمعُ الأشعبي
|
دعاه الغرامُ بسنّ الكهولِ
|
فجُنَّ جُنوناً ببنت النَّبي
|
ونادى رجالٌ بإسقاطهِ
|
وقالوا: تَلَوَّنَ في المَشْرَب
|
وعَدُّوا عليه من السَّيِّئاتِ
|
أُلوفاً تَدُورُ مع الأحقُب
|
وقالوا لصيقٌ ببيتِ الرَّسولِ
|
أغارَ على النَّسَبِ الأنجب
|
وزكَّى (أبو خَطوةٍ) قولَهم
|
بحكمٍ أحَدَّ من المضرب
|
فما للتهاني على دارِهِ
|
تَسَاقطُ كالمطر الصَّيِّبِ
|
وما للوُفُود على بابهِ
|
تزفُّ البشائرَ في موكب؟
|
وما للخليفة أسدى إليهِ
|
وساماً يليقُ بصدر الأبي؟
|
فيا أمّةً ضاقَ عن وصفها
|
جَنانُ المفوَّهِ والأَخْطَبِ
|
تضيعُ الحقيقةُ ما بيننا
|
ويَصلى البريءُ مع المذنب
|
ويُهضَمُ فينا الإمام الحكيمُ
|
ويُكْرَم فينا الجهولُ الغَبِي
|
على الشَّرق منِّي سلامُ الودود
|
وإنْ طأطأ الشَّرقُ للمغرب
|
لقد كان خِصباً بجدب الزّمانِ
|
فأجدبَ في الزَّمن المُخْصِب !
|