عودة فاطمة ناعوت

بعدما انكسرَ ساقُه
عادَ الحِصانُ إلى "إيتاكا"
بفيونكةٍ في عنقِه
وضمادةٍ في قدميه
وفي قلبِه :
والقلبُ
من هجرِ الحبيبِ معذَّبٌ.

انتهى زمانُ الحكي.
ونفضتِ السَّلةُ كلَّ الحواديتْ
فهجرَ الوردةَ التي
أتقنتْ فنَّ الاستماعِ
وعادَ
قبل أن ينسلَّ الخيطُ الأخير
من نول المرأة الواثقةِ التي :
نسجتْ شرانقَ الانتظارِ بقلبِها
واستوثقتْ أن الحبيبَ مقيمُ.

لابد أن نحكي لكي نعيشْ،
وإلا ما جدوى الليالي الألف !
وإلا ما انكسرَ الحصانُ
حين خَوَتْ سلتُه.
لكن الوردةَ لم تكن ذكيةً
حين لم توزِّعْ أنشوداتِه الأربعَ
على عدد أكبرَ من الليالي :
فالمُهْرُ يركضُ في المروجِ ويشتري
من كلِّ صَوبٍ رغبةً وحكاية.

ماذا يفعلُ الآن؟
ربما يرتّبُ الأوردةَ في عَظْمةِ الفخذْ
كي يستعدَّ لألمٍ جديدْ
تصنعه النشوة،
وربما يستدعي من خيوطِ الذاكرةِ
حَكايا بعدُ لم تمر للفضاء
عبر أُذنٍ تتدربُ منذ الليلةِ
على العمل،
ربما تجهزُ المطمئنةُ نولَها
تأهُبًا للرحلة الجديدة،
لكن الحتميَّ
أن الوردةَ تذبلُ
بعيدًا عن عيونِ المارة :
فالوردُ يقطرُ في المساءِ مرارَه.

كُفّي عن الألم !
وباركي الضمادةَ والغيابْ
مادام الرجلُ يحتاجُ فِراشًا
ومادام النولُ امرأة،
حتى لو امتلكتِ في نهاية معصمِكِ :
كفًّا مخضَبةً بحَبِّ البُنِّ في عينيه
يصعُبُ غسلُها.

المرأةُ العارفة
تركتْ أصابعَه تجوبُ أطرافَ الخريطةِ
بحثًا عن قصيدةٍ وأذنيْن،
لكنها احتفظتْ باسمِه فوق بابِ البيت
وضبطتْ درجةَ دفءِ الفِراشْ
على الثانية عشرة
فعادَ
قبل الدقة الأخيرة :
كيف السبيلُ إلى الفرارِ بوردةٍ
من دونِ أن نشقى بهجرِ فِراشِ.

طبيعيٌّ أن يقفَ الرجلُ فوق الجبل
يرشقُ الصبايا بحبّاتِ القرمز
وطبيعيٌّ أن تصيبَ واحدةٌ واحدةً
شريطةَ أن تكونَ عمياء،
وطبيعيٌّ أن ترفع المصابةُ رأسَها
وتحاولَ أن ترى،
وليس طبيعيًّا
ألا يعودَ
حين تفرغُ سلّتُه.

القاهرة / 15 ديسمبر 2004