مازن فاطمة ناعوت

لابد أن يبكيَ الأطفالُ
حين تفترقُ الأصابعُ المشبوكة،
يبكون
حين تتضاعفُ الأسِرَّة والأمكنةْ
وحين يتفرّعُ البيتُ إلى:
بيت ماما
بيت بابا.

الصبيُّ
الذي خرجَ مع أبيه إلى الغابةِ
كي يتعلّمَ كيف تنبتُ للفراشةِ أجنحةٌ
سوف ينظرُ إلى صفحةِ الجدولِ
فتسقطُ من عينه فقاعةٌ شفيفةٌ
تخطفه
ثلاثين عامًا
إلى الوراء :
الطفلةُ التي كنتُها
لم تبكِ حين طارَ أبوها من الشرفة
ظلّتْ شاخصةً في الفراغ
ترنو صوبَ الشرق
فيما فقّاعتُها مجمدةٌ في البؤبؤ
لعقديْن
حتى يتناثرَ صوتُه من المِئذنة
قصصًا
وتكبيراتٍ
وبالوناتِ أطفالٍ يتامى.

لابد أن يعلمَ الصِّبْيةُ
قبل أن تتدحرجَ القطراتُ فوق كراسات الرسم
أن الأمهاتِ اللواتي
قتلتهنَ الوحشةُ
ظللن يتخبطن في الزنازينِ الحريرية
ينفُضن الصقيعَ عن الأطراف
ويُشعلنَ المراجلَ
قرابينَ لآلهةِ سقّارةَ
الذين نسوا أن ينثروا الحروفَ
على عتبةِ الطفلِ الصامتِ.

الأمهاتُ المنذوراتُ للحَزَن
لهنَّ أن يرفعن رؤوسَهن للفتةِ فرحٍ واحدة
تباغتُهن في باحةِ المطار
حين تفتحُ أمامهنَّ الساحرةُ سلّتَها،
لهنَّ
أن يذُقن التينَ البريَّ
في عيون القادمين من قطبِ الجنوبْ،
ولهنَّ أن يتحممن بالنورْ
مرَّةً
قبل أن يدلفنَ وراءَ الستار.

لابد أن يبكيَ الأطفالُ
حين تفترقُ الأصابعُ،
وحين تنقسمُ البيوتْ.

الأمهاتُ المنذوراتُ للحَزَن
سوف يتعلّمن في نهايةِ الطريق
أن يُخرجنَ من منابتِ الكَتِف
براعمَ أجنحةٍ مخبوءة
كي يهاجرن إلى أقصى الأرض
مثلما تفعلُ الأفيالُ
حين توقنُ
من اقترابِ الأجل.

القاهرة / 21 يونيو 2005