أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشدِ
|
فردي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي
|
أينسى تلاقينا وأنت حزينةٌ
|
ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ
|
أقول وقد وسّدتُه راحتي كما
|
توسّد طفلٌ متعبٌ راحة المهدِ..
|
تعاليْ إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ
|
حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهدِ
|
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي
|
تهاوت على نحرٍ من العاجِ مُنقدِ
|
ترامتْ ما شاءتْ وشاء لها الهوى
|
تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِ
|
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ
|
بياض الأماني من عناقيدها الرّبْدِ
|
فيا لك عندي من ظلامٍ محببٍ
|
تألق فيه الفرقُ كالزمن الرغد
|
ألا كُلُّ حسنٍ في البرية خادمٌ
|
لسلطانة العينين والجيدِ والقدِّ
|
وكل جمالٍ في الوجود حياله
|
به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ
|
وما راع قلبي منك إلا فراشةٌ
|
من الدمعِ حامتْ فوق عرش من الوردِ
|
مجنحةٌ صيغتْ من النور والندى
|
ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى وردِ
|
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيِّدي
|
من الشجن القتال والظمأ المُردي
|
لقد أقفر المحرابُ من صلواته
|
فليس به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي
|
وقفنا وقد حان النوى أي موقفٍ
|
نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
|
كأن طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ
|
ومزدحمَ الآلامِ والوجدُ في حشدِ
|
ومضطرمَ الأنفاسِ والضيقُ جاثمٌ
|
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
|
مواكب حُرس في جحيم مؤبد
|
بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
|
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها
|
ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
|
تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيّرٍ
|
على درجٍ خابي الجوانب مسودِّ
|
تردَّدَ واستأنى لوعد وموثقٍ
|
وأدبرَ مخنوقاً وقد غص بالوعدِ
|
وأسلمني لليلٍ كالقبرِ بارداً
|
يهب على وجهي به نفسُ اللحدِ
|
وأسلمني للكون كالوحش راقداً
|
تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي
|
كأن على مصر ظلاماً معلقاً
|
بآخر من خابي المقادير مربدِ
|
ركودُ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ
|
وقد لفها الغيبُ المحجبُ في بُردِ
|
أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي
|
أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ
|
تصيرُ إذا جن الظلامُ ولفها
|
بجنحٍ من الأحلام والصمتِ ممتدِّ
|
مباءةَ خمّارٍ وحانوتَ بائعٍ
|
شقيِّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ
|
وقد وقف المصباحُ وقفة حارس
|
رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجدِّ
|
كأن تقياً غارقاً في عبادةٍ
|
يصوم الدجى أو يقطع الليلَ في الزهدِ
|
فيا حارس الأخلاق في الحيِّ نائمٌ
|
قضي يومَه في حومة البؤسِ يستجدي
|
وسادته الأحجارُ والمضجعُ الثرى
|
ويفترش الافريزَ في الحر والبردِ
|
وسيارةٌ تمضي لامر محجبٍ
|
محجبة الأستار خافية القصدِ
|
إلى الهدف المجهولِ تنتهبُ الدجى
|
وتومض ومض البرق يلمع عن بُعدِ
|
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالكٍ
|
مرنقة بالجوع والصبرِ والكدِّ
|
ينقبُ كلبٌ في الحطام وربما
|
رعى الليل هوٌّ وساهرٌ وغفا الجندي
|
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ
|
ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفردِ
|
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي
|
تركتِ بديدَ الشملِ منتثرَ العقدِ
|
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبَهُ
|
وعدتُ إلى الإعياء والسقم والوجدِ
|
وليس الذي ضيعتُ فيك بِهَيِّنٌ
|
ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقدِ
|
بعينيك استهدي فكيف تركتني بهذا
|
الظلام المطبق الجهم أستهدي
|
بورْدِكِ أستسقي فكيف تركتني
|
لهذي الفيافي الصم والكثب الجردِ
|
بحبكِ استشفي فكيف تركتني
|
ولم يبق غير العظم والروح والجلدِ
|
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي
|
وهذي المنايا البيض تختل في فودي
|
وكنت إذا شاكيت خففت محملي
|
فهان الذي ألقاه في العيش من جهدِ
|
وكنت إذا انهار البناءُ رفعتُهُ
|
فلم تكنِ الأيامُ تقوى على هَدِّي
|
وكنت إذا ناديتُ لبيْتِ صرختي
|
فوا أسفاً كم بيننا اليوم من سدِّ
|
سلامٌ على عينيك ماذا اجنتا
|
من اللطف والتحنان والعطف والودِّ
|
إذا كان في لحظيك سيفٌ ومصرعٌ
|
فمنكِ الذي يحي ومنكِ الذي يردي
|
إذا جُرِّد لم يفتكا عن تعمدٍ
|
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمدِ
|
هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحبا
|
وأهلا به إن كان فتكُكِ عن عمدِ
|
فإني إذا جن الظلامُ وعادني
|
هواك فأبديتُ الذي لم أكن أبدي
|
وملتُ برأسي باكياً أو مواسياً
|
وعندي من الأشجان والشوقِ ما عندي
|
أُقبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِه
|
وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ
|
ويا دار من أهوى عليكِ تحية
|
على أكرم الذكرى على أشرف العهدِ
|
على الأمسيات الساحرات ومجلسٍ
|
كريمِ الهوى عفِّ المآرب والقصدِ
|
تنادُمنا فيه تباريحُ معشرٍ
|
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلدِ
|
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا
|
فقد نقشوا الأسماءَ في الحجرِ الصلدِ
|
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا
|
فإن دموعَ البؤسِ من ثمنِ المجدِ ..
|