لعمرك ما حزني لمال فقدته
|
ولا خان عهدي في الحياة حبيب
|
ولكني أبكي وأندب زهرة
|
جناها ولوع بالزهور لعوب
|
رآها يحلّ الفجر جفونها
|
ويلقي عليها تبره فيذوب
|
وينقض عن أعطافها النور لؤلؤا
|
من الطلّ ما ضمت عليه جيوب
|
فعالجها حتى استوت في يمينه
|
وعاد إلى مغناه وهو طروب
|
وشاء فأمست في الإناء سجينة
|
لتشبع منها أعين وقلوب
|
ثوت بين جدران كقلب مضيمها
|
تلّمس فيها منفذا فتخيب
|
فليست تحيي الشمس عند شروقها
|
وليست تحيي الشمس حين تغيب
|
ومن عصيت عيناه فالوقت كلّه
|
لديه ، وإن لاح الصباح ، غروب
|
لها الحجرة الحسناء في القصر إنما
|
أحب إليها روضة وكثيب
|
وأجمل من نور المصابيح عندها
|
حباحب تمضي في الدجى وتؤوب
|
ومن فتيات القصر يرقص حولها
|
على نغمات كلهنّّ عجيب
|
تراقص أغصان الحديقة بكرة
|
وللريح فيها جيئة وذهوب
|
وأجمل منهنّ الفراشات في الضحى
|
لها كالأماني سكنة ووثوب
|
وأبهى من الديباج والخزّ عندها
|
فراشٌ من العشب الخضيل رطيب
|
وأحلى من السقف المزخرف بالدمى
|
فضاءٌ تشعّ الشهب فيه رحيب
|
تحنّ إلى مرأى الغدير وصوته
|
وتحرم منه ، والغدير قريب
|
وليس لها للبؤس في نسم الرّبى
|
نصيب ، ولم يسكن لهنّ هبوب
|
إذا سقيت زادت ذبولا كأنما
|
يرشّ عليها في المياه لهيب
|
وكانت قليل الطلّ ينعش روحها
|
وكانت بميسور الشّعاع تطيب
|
بها من أنوف الناشقين توعّك
|
ومن نظرات الفاسقين ندوب
|
تمشّى الضنى فيها وأيار في الحمى
|
وجفّت وسربال الربيع قشيب
|
ففيها كمقطوع الوريدين صفرة
|
وفيها كمصباح البخيل شحوب
|
أيا زهرة الوادي الكئيبة إنني
|
حزين لما صرت إليه كئيب
|
وأكثر خوفي أن تظني بني الورى
|
سواء، وهم مثل النبات ضروب
|
وأعظم حزني أنّ خطبّك بعده
|
مصائب شتّى لم تقع وخطوب
|
سيطرحك الإنسان خارج داره
|
إذا لم يكن فيك العشية طيب
|
فتمسين للأقذار فيك ملاعب
|
وفي صفحتك للنعال ضروب
|
إسارك، يا أخت الرياحين ، مفجع
|
وموتك، يا بنت الربيع ، رهيب
|
ولكنها الدنيا، ولكنه القضا
|
وهذا، لعمري ، مثل تلك غريب
|
فكم شقيت في ذي الحياة فضائل
|
وكم نعمت في ذي الحياة عيوب
|
وكم شيم حسناء عاشت كأنها
|
مساوىء يخشى شرّها وذنوب
|