رفّت عليه مورقات الغصون
|
و حفّه العشب بنوّاره
|
ذلك فبر لم تشهده المنون
|
بل شاده الشّعر بآثاره
|
أقامه من لبنات الفنون
|
و زانه المجد بأحجاره
|
ألقى الشّاعر عبء الشّجون
|
وأودع القلب بأسراره
|
***
|
و جاورته نخلة باسقة
|
تجثم في الوادي إلى جنبه
|
كأنّها الثّاكلة الوامقة
|
تقضي مدى العمر إلى قربه
|
و ترسل الأغنية الشّائقة
|
قمريّة ظلّت على حبّه
|
***
|
و يقبل الفجر الرّقيق الإهاب
|
يحنو على القبر بأضوائه
|
كأنّما ينشد تحت التّراب
|
لؤلؤة تزري بلألائه
|
إستلّ منها الموت ذاك الشّهاب
|
غير شعاع في الدّجى تائه
|
يظلّ يهفو فوق تلك الشّعاب
|
يطوف بالينبوع من مائه
|
***
|
و يذهب النّور و يأتي الظّلام
|
ز تبزع الأنجم في نسقه
|
حيرى تحوم اللّيل كالمستهام
|
أسهره الثّائر من شوقه
|
تبحث عن نجم بتلك الرّجام
|
هوت به الأقدار عن أفقه
|
أخ لها في الأرض ودّ المقام
|
و آثر الغرب على شرقه
|
و يطلق الطير نشيد الصّباح
|
بنغمة تصدر عن حزنه
|
يمدّ فوق القبر منه الجناح
|
و يرسل المنقار في ركنه
|
أفضى إلى الرّاقد فيه و باح
|
بأنّه الملهم من فنّه
|
فمن قوافيه استمدّ النّواح
|
و من أغانيه صدى لحنه
|
***
|
و حين تمضي نسمات الخريف
|
و تملأ الأرض رياح الشّتاء
|
و يقبل اللّيل الدّجى المخيف
|
فلا ترى نجما ينير السّماء
|
هناك لا غصن عليه وريف
|
يهفو ، و لا طير يثير الغناء
|
يظلّل الأرض الظّلام الكثيف
|
كأنّما تمسي بوادي الفناء
|
يا شاعرا ما جمعتني به
|
كوكب اللّيل و شمس النّهار
|
لكنّه الشّرق و في حبّه
|
ينأى بنا الشّوق و تدنو الدّيار
|
سكبت من شجونك في قلبه
|
و من مآقيك الدّموع الغزاز
|
فودّ لو أن نمت في تربه
|
ليشفي النّفس بهذا الجوار
|
***
|
صوّر لي القبر الذي تنزل
|
تخيّل الشّعر و وحي الشّعور
|
فجئت للقبر بما يجمل
|
من صور الدّنيا الفتون الغرور
|
قل لي بحقّ الموت ما يفعل
|
بالشّاعر الموت و هذي القبور؟
|
و هل وراء الموت ما نجهل
|
من عالم الرّحعى و يوم النّشور؟
|
***
|
قد راعني موتك يا شاعري
|
في ميعة العمر و فجر الشّباب
|
و هزّني ما فاض من خاطر
|
كان ينابيع البيان العذاب
|
و نفاثات القلم السّاحر
|
في جوبك ألافق و طيّ السّحاب
|
و وقفة بالكوكب الحائر
|
رأى بساط الرّيح يدنو فهاب
|
لكنّه شعرك لمّا يزل
|
يردّد الكون أناشيده
|
شعر كصوب الغيث أنّى نزل
|
أرقص في الرّوض أماليده
|
و علّم الطّير الهوى و الغزل
|
فأسمع الزّهر أغاريده
|
و غنّت الرّيح به في الجبل
|
فحرّكت منه جلاميده
|
***
|
يا قبر لم تبصرك عيني و لا
|
رأتك إلاّ في ثنايا الخيال
|
ملأت بالرّوع فؤاد خلا
|
إلاّ من الحبّ و نور الجمال
|
أوحيت لي السّر الرّدى فانجلى
|
عن عيني الشّكّ و ليل الضَلال
|
غدا ستطوي القلب ايدي البلى
|
و ينقص النّجم عقاب اللّيال
|
***
|
و هكذا تمضي ليالي الحياه
|
و القبر ما زال على حاله
|
دنيا من الوهم و دهر تراه
|
يغرّر القلب بآماله
|
يسخّر من مبتسمات الشّفاه
|
و جامد الدّمع و سيّاله
|
دهر على العالم دارت رحاه
|
فلم تدع رسما لأطلاله
|