سئمت نفسي الحياة مع الناس،
|
وملّت حتى من الأحباب
|
وتمشت فيها الملالة حتى
|
ضجرت من طعامهم والشراب
|
ومن الكذب لابسا بردة الصدق،
|
وهذا مسربلا بالكذاب
|
ومن القبح في نقاب جميل
|
ومن الحسن تحت ألف نقاب
|
ومن العابدين كلّ إله
|
ومن الكافرين بالأرباب
|
ومن الواقفين كالأنصاب
|
ومن الساجدين للأنصاب
|
ومن الراكبين خيل المعالي
|
ومن الراكبين خيل التصابي
|
والألى يصمتون صمت الأفاعي
|
والألى يهزجون هزج الذباب
|
صغرت حكمة الشيوخ لديها
|
واستخفّت بكلّ ما للشباب
|
قالت أخرج من المدينة للقفر
|
ففيه النجاة من أوصابي
|
وليك الليل راهي، وشموعي
|
الشهب، والأرض كلها محرابي
|
وكتابي الفضاء أقرأ فيه
|
سورا ما قرأتها في كتاب
|
-----------
|
وصلاتي الذي تقول السواقي
|
وغنائي صوت الصّبا في الغاب
|
وكؤوسي الأوراق ألقت عليها
|
الشمس ذوب النّضار عند الغياب
|
ورحيقي ما سال من مقلة الفجر
|
على العشب كاللّجين المذاب
|
ولتكحّل يد المساء جفوني
|
ولتعانق أحلامه أهدابي
|
وليقبّل فم الصباح جبيني
|
وليعطّر أريجه جلبابي
|
ولأكن كالغراب رزقي في الحقل ،
|
وفي السفح مجثمي واضطرابي
|
ساعة في الخلاء خير من الأعوام
|
تقضى في القصر والأحقاب
|
يا لنفسي فإنها فتنتي
|
بالحديث المنمّق الخلاّب
|
فإذا بي أقلى القصور ، وسكناها ،
|
وأهلى القصور ذات القباب
|
فجرت العمران تنفض كفّي
|
عن ردائي غباره وإهابي
|
وتركت الحنى وسرت وإياها
|
وقد ذهّب الأصيل الروابي
|
نهتدي بالضحى، فإن عسعس الليل
|
جعلنا الدليل ضوء الشهاب
|
وقضينا في الغاب وقتا جميلا
|
في جوار الغدران والأعشاب
|
تارة في ملاءة من شعاع
|
تارة في ملاءة من ضباب
|
تارة كالنسيم نمرح في الوادي،
|
وطورا كالجدول المنساب
|
في سفوح الهضاب والظلّ فيها،
|
ومع النور وهو فوق الهضاب
|
إنما نفسي التي ملت العمران
|
ملّت في الغاب صمت الغاب
|
فأنا فيه مستقل طليق
|
وكأني أدبّ في سرداب
|
علمتني الحياة في القفر أني ،
|
أينما كنت ، ساكن في التراب
|
وسأبقى ما دمت في قفص الصّلصال
|
عبد المنى أسير الرغاب
|
خلت أني في القفر أصبحت وحدي
|
فإذا الناس كلّهم في ثيابي!
|