حيّ الشآم مهندا و كتابا
|
و الغوطة الخضراء و المحرابا
|
ليست قبابا ما رأيت و إنّما
|
عزم تمرّد فاستطال قبابا
|
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا
|
للعلى سكنت حصى و ترابا
|
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا
|
يستعطف التلعات و الأعشابا
|
روح أطلّ من السماء عشية
|
فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا
|
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته
|
تنساب من وجد به منسابا
|
با أدمع حور الجنان ذرفنها
|
شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا
|
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا
|
و بنى النهى فترشّفوك رضابا
|
******
|
بأبي و أمّي في العراء موسّد
|
بعث الحياة مطامعا و رابا
|
لما ثوى في ميسلون ترنّحت
|
هضباتها و تنفّست أطيابا
|
و أتى النجوم حديثة فتهافتت
|
لتقوم حرّاسا له حجّابا
|
ما كان يوسف واحدا بل موكبا
|
للنور غلغل في الشموس فغابا
|
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
|
كي لا يرى في جلّق الأغرابا
|
و إذا نبا العيش الكريم بماجد
|
حرّ رأى الموت الكريم صوابا
|
إنّي لأزهى بالفتى و أحبذه
|
يهوى الحياة مشقّة و صعابا
|
و يصوغ عطرا كلما شدّ الأسى
|
بيديه يعرك قلبه الوثّابا
|
و يسيل ماء إن حواه فدفد
|
و إذا طواه الليل شعّ شهابا
|
و إذا العواصف حجّبت وجه السما
|
جدل العواصف للسما أسبابا
|
و إذا تقوّض صرح آمال بنى
|
أملا جديدا من رجاء خابا
|
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه
|
وابن الضراغم ليس يعدم غابا
|
******
|
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم
|
كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟
|
و تختذلت أسيافهم عن سحقه
|
في حين كان النصر منهم قابا
|
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا
|
يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
|
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة
|
حشدت عليك أراقما و ذئابا
|
فالبس لها ماء الحديد مطارفا
|
واجهل لسانك مخلبا أو نابا
|
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها
|
فدع الكلام شكاية و عتابا
|
هذي هي الدنيا التي أحببتها
|
و سقيت غيرك حبّها أكوابا
|
و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في
|
آلامها ، و جرعت معها الصّابا
|
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها
|
ما خلته ماء فكان سرابا
|
و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ،
|
فرأيت كلّ لذاذة أوصابا
|
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى
|
لا يبصرون سوى نهاه خرابا
|
دنياك تألّق أمسها في يومها
|
فاستجمع الأنساب و الأحسابا
|
و سرى سناء الوحي من آفاقها
|
يغشى العصور و يغمر الأحقابا
|
ألحقّ ما رفعت به جدرانها
|
و الخير ما زانت به الأبوابا
|
فاستنطق التاريخ هل في سفره
|
مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟
|
شابت حضارات ، و دالت و انطوت
|
أمم ، و مجد أميّة ما شابا
|
الأمس كان لها و إنّ لها غدا
|
تتلفّت الدنيا له إعجابا
|
غنّيت من قبل المحولة و العرا
|
أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟
|
عطفت لياليها عليك بشاشة
|
فانس الليالي غربة و عذابا
|
وانشر جناحك فالفضاء منوّر
|
و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا
|
فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها
|
خلق الإله البلبل المطرابا
|
******
|
ليت الرياض تعيرني ألوانها
|
لأصوغ منها للرئيس خطابا
|
و أقول إنّي عاجز عن شكره
|
عجز الأنامل أن تلم عبابا
|
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي
|
مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا
|
فلقد رأيت البحر حين رأيته
|
فوقعت مضطرب الرؤى هيّابا
|
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها
|
خلقت يداك من الشيوخ شبابا
|
و بلابل كانت تئنّ سجينة
|
أطلقتها و أطرتها أسرابا
|
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى
|
و لم تكن بشرا لكنت سحابا
|
أمل الشبيبة في يديك وديعة
|
فارفع لها الأخلاق و الآدابا
|
فالجهل أنّي كان فهو عقوية ،
|
و العلم أنّى كان كان ثوابا
|
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى
|
و تهدّ منّي القلب و الأعصابا
|
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة
|
و غدا أودّع ها هنا أحبابا
|