ماذا تركت بعالم الأحياء |
و أخذت من حبذ و من بغضاء |
لك بعد موتك ذكريات حيّة |
جوّابة الأشباح و الأصداء |
هتكت حجاب الصذمت عنك و ربما |
هتكت غشاء المقلة العمياء |
فرأت مخايل وادع متواضع |
في صورة من رقذة و حياء |
متطامن النّظرات إلا أنّها |
نفّاذة لمكامن الأهواء |
متفرّسات في سكينة قانص |
لم يخل من حذر و فرط دهاء |
شيخ أطلّ على الشّتاء ة قلبه |
متوقّد كالجمرة الحمراء |
مرّ الرّفاق به ، فشيّع ركبهم |
و أقام فردا في المكان النّائي |
و طوى الحياة كدوحة شرقية |
أمست غريبة تربة و سماء |
لبست جلال و حادها و ترفّعت |
بالصّمت عن لغو و عن ضوضاء |
لم تنزل الأطيار فئ ظلالها، |
أو تبن عشّا، أو تحم بالغناء |
حتّى إذا عرّى الخريف غصونها |
من وشي تلك الحلّة الخضراء |
عبرت بها صدّاحة في سجعها |
لغة الهوى و رطانة الغرباء |
وا رحمتاه للنسر يخفق قلبه |
بصبابة القمريّة البيضاء |
هي لمعة القبس الأخير و قد خبا |
نجم المساء و رعشة الأضواء |
و توثّب الرّوح الحبيس و قد شدا |
ثملا بسحر اللّيلة القمراء |
و حناية الحسن الغرير إذا رمى |
فشريق دمع ، أو غريق دماء |
*** |
|
و مهاجر ضاقت أوطانه |
و تأثّرته مخاوف الطّرداء |
لم تثنه شيخوخة مكدودة |
دون السذفار و لا صقيع شتاء |
متطلّب حقّ الحياة لخافق |
أمسى مهيض كرامة و إباء |
من كان في أمس يسوس أمورهم |
ضنّوا عليه بفرحة الطّلقاء |
يقضون باسم المال فيه كأنّما |
ضمنوا لمصر مصادر الإثراء |
هلاّ قضوا لمقاصف و مصارف |
مغفورة ، منهومة الأحشاء |
أكلت دم الفلاح ثم تكفّلت |
بحصاد حنطته و جلد الشّاء |
حبّ بلوت به العذاب و مثله |
مقة السياسة و هي شرّ بلاء |
عصفت بأحلام الرّجال و سفّهت |
رأي اللّبيب ، و منطق الحكماء |
كم فوق ساحلها خطى مطموسة |
كانت سبيل هداية و رجاء |
و سفينة مهجورة ، محطومة |
حملت لها البشرى طيور الماء |
أين اللّواء ؟ و ربّه ؟ و جماعة |
كانوا طليعة موكب الشّهداء |
و أخو يراع في الصّفوف مدافع |
بيدي حواريّ و صدر فدائي ؟ |
لم ينصفوا حتّى ببعض حجارة |
خرساء ماثلة لعين الرائي ! |
و مضوا فما وجدوا كفاء صنيعهم |
تمثال حبّ ، أو مثال وفاء |
تأبى السّياسة غير لون طباعها |
و تريد غير طبائع الأ شياء !! |
قالوا : أحبّ الإنجليز و زادهم |
ود الحميم و موثق القرناء |
ها قد أتى اليوم الذي صاروا به |
أوفى الدّعاة و أكرم الحلفاء |
بتنا نغاضب من يغاضبهم و لا |
نأبى رعايتهم على الضّراء |
رأي أخذت به و ليس بعائب |
ذمم الرّجال مآخذ الآراء |
لكن سكتّ ، فقيل إنّك عاجز |
عن ردّ عادية و دفع بلاء |
صمت تحيّر فيه كلّ محدّث |
ة الصّمت بعض خلائق الكرماء |
في عالم ينسي الحليم وقاره |
و يرى البنين عداوة الآباء |
و ترى التّوائم فيه بين عشّية |
متنافرات طبيعة ورواء |
جهد الكرام به افترار مباسم |
و تكلّف في القول و الإصغاء |
صور عرفت لبابها و لحاءها |
فكأنّما خلقت بغير لحاء |
قد كنت تخلص لي الوداد فهاكه |
شعرا يصون مودّة الخلصاء |
يجد الرّجال به على حسناتهم |
مدحي ، و عن هنواتهم إغضائي |
فاصعد لربّك فهو أعدل حاكم |
و هو الكفيل برحمة و جزاء |
و تلقّ من حكم الزّمان و عدله |
ما شاء من نقد و من إطراء |