هبط الأرض كالشعاع السنيّ |
بعصا ساحر و قلب نبيّ |
لمحة من أشعّة الرّوح حلت |
في تجاليد هيكل بشريّ |
ألهمت أصغريه من عالم الحكـ |
ـمه و النّور كلّ معنى سريّ |
و حبته البيان ريّا من السحـ |
ـر به للعقول أعذب ريّ |
حينما شارفت به أفق الأر |
ض زها الكون بالوليد الصّبيّ |
و سبى الكائنات نور محيّا |
ضاحك البشر عن فؤاد رضيّ |
صور الحسن حوّم حول مهد |
حفّ بالورد و العمار الزّكيّ |
و على ثغره يضيء ابتسام |
رفّ نورا بأرجوان ندي ّ |
و على راحتيه ريحانة تنـ |
ـدى و قيثارة بلحن شجيّ |
فحنت فوق مهده تتملّى |
فجر ميلاد ذلك العبقريّ |
و تساءلن حيرة : ملك جا |
ء إلينا في صورة الإنسيّ؟ |
من ترى ذلك الوليد هـ |
ـشّ له الكون من جماد و حيّ؟ |
من تراه؟ فرّن صوت هتوف |
من وراء الحياة شاجي الدّويّ |
إنّ ما تشهدون ميلاد شاعر |
|
*** |
|
كان وجه الثّرى كوجه الماء را |
ئق الحسن مستفيض الضّياء |
حين ولّى الدّجى و أقبل فجر |
واضح النّور مشرق اللألاء |
بهج في السّماء و الأرض يهدى |
من غريب الخيال و الإيحاء |
صفّقت عنده الخمائل نشوى |
و شدا الطّير بين عود و ناء |
مظهر يبهر العيون و سحر |
هزّ قلب الطّبيعة العذراء |
و جلا من بدائع الفنّ روضا |
نمّقته أنامل الإغراء |
ما الرّبيع الصّناع أوفى بنانا |
منه في دقّة و حسن أداء |
نسق الأرض زينة و جلاها |
قسمات من وجهه الوضّاء |
ربوة عند جدول عند روض |
عند غيض و صخرة عند ماء |
فزها الفجر ما بدى و تجلّى |
و ازدهى بالوجود أيّ ازدهاء |
قال:لم تبد لي الطّبيعة يوما |
حين أقبلت مثل هذا الرّواء |
لا و لم يسر ملء عيني و أذني |
مثل هذا السّني و هذا الغناء |
أيّ بشر لها تجمّلت الأر |
ض و زافت في فاتنات المرائي؟ |
علّها نبّئت من الغيب أمرا |
حملته لها نجوم المساء |
قال ماذا أرى ؟ فردّد صوت |
كصدى الوحي في ضمير السّماء |
إنّ هذا يا فجر ميلاد شاعر |
|
كان فجر و كان ثمّ صباح |
فيه للحسن غدوة و رواح |
بكرت للرّياض فيها عذارى |
تزدهيهنّ صبوة و مراح |
حين لاحت لهنّ رنّ هتاف |
و علت بالدّعاء منهنّ راح |
قلن : ما لأجمل الصّباح فما حـ |
ـلّ على الأرض مثل هذا صباح |
فتعالوا بنا نغنّي و نلهو |
فهنا اللّهو و الغناء يتاح |
و هنا جدول على صفحتيه |
يرقص الظّلّ و السّني و الوضّاح |
و على حافتيه قام يغنّيـ |
ـنا من الطّير هاتف صدّاح |
و فراش له من الزّهر ألوا |
ن و من ريق الشّعاع جناح |
دفّ في نشوة يناديه نوّا |
ر و عطر من الثّرى فوّاح |
و هنا ربوة تلألأ فيها |
خضرة العشب و النّدى اللماح |
و نسيم كأنه النّفس الحا |
ئر تصغي لهمسه الأدواح |
مثل هذا الصّباح لم يلد الشّر |
ق و لم تنجب الشّموس الوضاح |
لكأّنا بالكون أعلام ميلا |
د و عرس قامت له الأفراح |
أيّ حسن نرى؟ فردّد صوت |
شبه نجوى تسرّها أرواح |
إنّ هذا الصباح ميلاد شاعر |
|
و تجلى المساء في ضوء بدر |
و شفوف غرّ الغلائل حمر |
و سماء تطفو و ترسب فيها الـ |
ـسّحب كالرّغو فوق أمواج بحر |
صور جمّة المفاتن شتّى |
كرؤى الحلم أو سوانح فكر |
لا ترى النّفس أو تحسّ لديها |
غير شجو يفيض من نبع سحر |
أفق الأرض لم يزل في حواشيـ |
ـه صدى حائر بألحان طير |
و بأحنائه يرفّ ذماء |
من سني الشّمس خافق لم يقرّ |
و على شاطئ الغدير ورود |
أغمضت عينها لمطلع فجر |
وسرى الماء هادئا في حوا |
فيه يغنّي ما بين شوك و صخر |
و كأنّ النجوم تسبح فيه |
قبلات هفت بحالم ثغر |
و كأنّ الوجود بحر من النو |
ر على أفقه الملائك تسري |
هتفت نجمة: أرى الكون تبدو |
في أساريره مخايل بشر |
و أرى ذلك المساء يثير السّحـ |
ـر و الشّجو ملء عيني و صدري |
ترانا بليلة الوحي و التّنـ |
ـزيل؟ أم ليلة الهوى و الشّعر؟ |
ما لهذا المساء يشغفنا حبّـ |
ـا و يروي بنا الفتون و يغري |
أيّ سرّ ترى؟فرنّ هتاف |
بنجيّ من الصدى مستسرّ |
إنّ هذا المساء ميلاد شاعر |
|
قمر مشرق يزيد جمالا |
كلّما جدّ في السّماء انتقالا |
و سكون يرقى الفضاء جناحا |
ه على الأرض يضفوان جلالا |
هذه ليلة يشفّ بها الحسـ |
ـن و يهفو بها الضّياء اختيالا |
جوّها عاطر النّسيم يثير الـ |
ـشّجو و الشّعر و الهوى و الخيالا |
و إذا النّهر شاطئا و نميرا |
يتبارى أشعّة و ظلالا |
و سرى فيه زورق لحبيبـ |
ـن شجيّين ينشدان وصالا |
يبعثان الحنين في صدر ليل |
ليس يدري الهموم و الأوجالا |
شهد الحبّ منذ كان روايا |
ت على مسرح الحياة توالى |
و جرت ملء مسمعيه أحاديـ |
ـث عفا ذكرها لديه و دالا |
ذلك الباعث الأسى و المثير الـ |
ـنّار في مهجة المحبّ اشتعالا |
لم يجب قلبه لميلاد نجم |
لا و لم يبك للبدور زوالا |
بيد أنّ القضاء أوحى إليه |
ليذوق الآلام و الآمالا |
فأحسّ الفؤاد يخفق منه |
و رأى النّور جائلا حيث جالا |
و استخفّته من شفاه الحبيـ |
ـبين شؤون الهوى فرقّ و مالا |
و تجلّت له الحياة و ما فيـ |
ـها فراعته فتنة و جمالا |
فجثا ضارعا: أرى الكون ربّي |
غير ما كان صورة و مثالا |
لم يكن يعرف الصّبابة قلبي |
أو تعي الأذن للغرام مقالا |
أتراها تغيّرت هذه الأر |
ض أم الكون في خيالي حالا |
ربّ ماذا أرى؟ فرنّ هتاف |
مستسرّ الصّدى يجيب السّؤالا |
إنّ هذا يا ليل ميلاد شاعر |
|
*** |
|
و تجلّى الصّدى الحبيب السّاحر |
في محيط من الأشعّة غامر |
و سكون يبثّ في الكون روعا |
وقفت عنده اللّيالي الّدوائر |
و ستكان الوجود و التف الدّهـ |
ـر و أصغت إلى صداه المقادر |
لم يبن صورة و لكن راته |
بعيون الخيال منّا البصائر |
قال: يا شاعري الوليد سلاما |
هزّت الأرض يوم جئت البشائر |
فإليك الحياة شتّى المعاني |
و إليك الوجود جمّ المظاهر |
لا تقل كم أخ لك اليوم في الأ |
رض شقيّ الوجدان أسوان حائر |
إن تكن ساورته في الأرض آلا |
م و حفّت به الجدود العواثر |
فلكي يستشفّ من خلل الغيـ |
ـب جمالا يذكي شباب الخواطر |
و لكي ينهل السّعادة من نبـ |
ـع شهيّ الورود عذب المصادر |
فلكم جاء بالخيال نبيّ |
و لكم جنّ بالحقيقة شاعر |
إنّما يسعد الوجود و تشقو |
ن و إنّي لكم مثيب و شاكر |
و لكم جنّتي اصطفيتكم اليو |
م لتحيوا بها جميل المآثر |
فانسقوها جداولا و رياضا |
و اجعلوها سرح النّهى و النّواظر |
اجعلوا النّهر كيف شئتم و مدّوا |
شاطئيه بين المروج النّواضر |
ماؤه ذوب خمرة و سنا شمـ |
ـس وريّا ورد و ألحان طائر |
وضعوا هضبة تطلّ عليه |
ذات صخر منوّر العشب عاطر |
واغرسوا النّخلة الجنيّة فوق النّبـ |
ـع في الموقف البديع السّاحر |
و اجعلوا جنّتي قصيدة شاعر |
|
*** |
|
أدخلوا الآن أيّها المحسنونا |
جنّة كنتم بها توعدونا |
اجعلوها من البدائع زونا |
و املأوها من الجمال فنونا |
املأوها فنّا و ليس فتونا |
و انشروا الصّفو فوقها و السّكونا |
غير لحن يرفّ فيها حنونا |
تتغنّى به الطّيور و كونا |
و سنا مشرق يضيء الدّجونا |
سرمديّ الشّعاع يمحو المنونا |
رائق النّور ليس يعشي العيونا |
وتغنّوا بها كما تشتهونا |
و صفوها جداولا و عيونا |
وورودا نديّة و غصونا |
لا تثيروا بها الهوى و المجونا |
و احذروا أن تذكّروا المجنونا |
فلقد ثاب من هواه شجونا |
و خلا مهجة و جفّ شؤونا |
و هو في جنّتيه أسعد شاعر |
|
*** |
|
أيّها الشّاعر اعتمد قيثارك |
و اعزف الآن منشدا أشعارك |
و اجعل الحبّ و الجمال شعارك |
و ادع ربّا دعا الوجود و بارك |
فزها و ازدهى بميلاد شاعر |