النشيد علي محمود طه

عندما ظللني الوادي مساء

كان طيف في الدّجى يجلس بقربي

في يديه زهرة تقطر ماء

عرفت عيني بها ادمع قلبي

***

قلت من أنت؟ فلبّاني مجيبا

نحن ياصاح غريبان هنا

قد نزلنا السّهل و الليل الرّهيبا

حيث ترعاني و أرعاك أنا

قلت يا طيف أثرت النّفس شكا

كيف أقبلت؟ و قل لي من دعاكا

قال أشفقت من اللّيل عليكا

فتتبّعت إلى الوادي خطاكا

و دنا مني و غنّاني النّشيدا

فعرفت اللّحن و الصّوت الوديعا

هو حبّي هام في الليل شريدا

مثلما همت لنلقاك جميعا

***

و تعانقنا و أجهشنا بكاء

و انطلقنا في حديث و شجون

و دنا الموعدفاهتجنا غناء

و تنظّرناك و اللّيل عيون

***

أقبل اللّيل فأقبل موهنا

و التمس مجلسنا تحت الظلال

وافني نصدح بألحان المنى

و نعبّ الكأس من خمر الخيال

***

أقبل اللّيلة و انظر و اسمع

كلّ ما في الكون يشدو بمزارك

جئت بالأحلام و الذّكرى معي

و جلسنا في الدّجى رهن انتظارك

سترى يا حسن ما أعددته

لك من ذخر و حسن ومتاع

هو قلبي في الهوى ذوّبته

لك في رفّاف لحن و شعاع

***

وهو شعر صوّرت ألوانه

بهجة الفجر و أحزان الشّفق

و نشيد مثّلت ألحانه

همسات النّجم في أذن الغسق

***

ذال قلبي عاريا بين يديك

أخذته منك روعات الإله

فتأمّله دما في راحتيك

و ذماء منك يستوحي الحياة

***

باكي الأحلام محزون المنى

ضاحك الآلام بسّام الجراح

لم يكن إلاّ تقيا مؤمنا

بالذي أغرى بحبّيك الطّماح

***

يتمنّى فيك لو يفنى كما

يتفانى الغيم في البحر العباب

أو يتلاشى فيك حيّا مثلما

يتلاشى في الضّحى لمح الشّهاب

***

زهرة أطلعها فردوس حبّك

استشفّت فجرها من ناظريك

خفقت أوراقها في ظلّ قربك

و سرها أنفاسها من شفتيك

***

هي من حسنك تحيا و تموت

فاحمها يا حسن أعصار المنون

أولها الدّفء من الصّدر الحنون

أو فهبها النّور من هذي العيون

***

دمعها الأنداء و العطر الشّجا

و صدى أنّاتها همس النّسيم

فاحبها منك الرّبيع المرتجى

تصدح الأيّام باللّحن الرّخيم