قلبي علي محمود طه

كالنّجم في خفق و في ومض

متفرّدا بعوالم السّدم

حيران يتبع حيرة الأرض

و مصارع الأيّام و الأمم

***

مستوحشا في الأفق منفردا

و كأنّه في سامر الشّهب

هذا الزحام حياله احتشدا

هو عنه ناء جدّ مغترب

***

مترنّحا كالعاشق الثَمل

ريّان من بهج ومن حزن

نشوان من ألم من أمل

مستهزئا بالكون و الزّمن

***

تلك السّماء على جوانبه

بحر الحياة الفائر الزّبد

كم راح يلتمس القرار به

هيمان بين شواظئ الأبد

***

تهفو على الأمواج صورته

و شعاعه اللّماح في الغور

نفذت إلى الأعماق نظرته

فإذا الحياة جليّة السّرّ

***

و يمرّ بالأحداث مبتسما

كالشّمس حين يلفّها الغيم

زادته علما بالذي علما

دنيا تناهى عندها الوهم

***

بلغ الرّوائع من حقائقها

فإنّ السّعادة توأم الجهل

هتف المحدّق في مشارقها

ذهب النهار فريسة اللّيل

***

يا قلب : مثل النّجم في قلق

و النّاس حولك لا يحسّونا

لولا اختلاف النّور و الغسق

مرّوا بأفقك لا يطلّونا

***

فاصفح إذا غمطوك إدراكا

و اذكر قصور الآدميينا

أتريدهم يا قلب أملاكا

كلاّ...و ما هم بالنبيينا

هم عالم في غيّه يمضي

مستغرقا في الحمأة الدّنيا

نزلوا قرارة هذه الأرض

و حللت أنت القمّة العليا

***

عبّاد أوهام و ما عبدوا

إلاّ حقير منى و غايات

و مناك ليس يحدّها الأبد

دنيا وراء اللا نهايات

***

و لك الحياة دنى و أكوان

عزّت معارجها على الرّاقي

تحيا بها و تبيد أزمان

و شبابها المتجدّد الباقي

***

يا قلب : كم من رائع الحلك

ألقاك في بحر من الرّعب

كم عذت منه بقبّة الفلك

و صرخت وحدك فيه يا فلبي !

***

و مضيت تضرب في غياهبه

ترد عنك المائج الصّخبا

تترقّب البرق المطيف به

و تسائل الأنواء و السّحبا

***

و خفقت تحت دجاه من وجل

كالطير تحت الخنجر الصّلت

و عرفت بين اليأس و الأمل

صحو الحياة ، و سكرت الموت

***

يا قلب : عندك ايّ أسرار

ما زلن في نشر و في طيّ

يا ثورة مشبوبة النّار

أقلقت جسم الكائن الحيّ

***

حمّلته العبء الذي فرقت

منه الجبال و أشفقت رهبا

و أثرت منه الرّوح فانطلقت

تحسو الحميم و تأكل اللّهبا

***

و ملأت سفر المجد من عجب

و خلقت أبطالا من العدم

و على حديثك في فم الحقب

سمة الخلود و نفحة القدم

***

كم من عجائب فيك للبشر

أخذتهمو منها الفجاءات

متنبّئا بالغيب و القدر

و عجيبة تلك النّبوءات

***

و عجبت منك و من إبائك في

أسر الجمال و ربقة الحبّ

و تلفّت المتكبّر الصّلف

عن ذلّة المقهور في الحرب

***

يا حرّ كيف قبلت شرعته

و قنعت منه بزاد مأسور

آثرت في الأغلال طلعته

و أبيت منه فكاك مهجور

***

فإذا جفاك الهاجر النّاسي

و قسا عليك المشفق الحدب

فاضت بدمعك فورة الكاس

و هتفت بكفّك و هي تضطرب

***

و فزعت للأحلام و الذّكر

تبكي و تنشد رجعة الأمس

ووددت لو حكّمت في القدر

لتعيد سيرتها من الرّمس

***

و وهمت نارا ذات إيماض

فبسطت كفّك نحوها فزعا

مرّت بعينيك لمحة الماضي

فوثبت تمسك بارقا لمعا

***

و صحوت من وهم و من خبل

فإذا جراحك كلّهن دم

لجّت عليك مرارة الفشل

و مشى يحزّ وتينك الألم

***

و الأرض ضاق فضاؤها الرّحب

و خلت فلا أهل و لا سكن

حال الهوى و تفرّق الصّحب

و بقيت وحدك أنت و الزّمن !

***

و صرخت حين أجنّك اللّيل

متمردا تجتاحك النّار

و بدا صراعك أنت و العقل

و لأنتما بحر و إعصار

***

ما بين سلمكما و حربكما

كون يبين ، و يختفي كون

و بنيتما الدّنيا و حسبكما

دنيا يقيم بناؤها الفنّ