قف من اللّيل مصفيا و العباب |
و تأمل في الزبدات الغضاب |
صاعدات تلوك في شدقها الصّخر |
و ترمي به صدور الشّعاب |
هابطات تئنّ في قبضة الرّ |
يح و ترغي على الصّخور الصّلاب |
ذلك البحر: هل تشاهد فيه |
غير ليل من وحشة و اكتئاب؟ |
ظلمات من فوقها ظلمات |
تترامى بالمائج الصّخاب |
لا ترى تحتهّن غير وجود |
من عباب و عالم من ضباب |
أيّها البحر كيف تنجو من اللّيـ |
ـل؟ و أين المنجى بتلك الرّحاب |
هو بحرّ أطمّ لجّا، و أطغى |
منك موجا في جيئة و ذهاب |
أو ما تبصر الكواكب غرقى |
في دياجه كاسفات خوابي؟ |
و ترى الأرض في نواحيه حيرى |
تسأل السّحب عن وميض شهاب |
ويك يا بحر ما أنينك في اللّيـ |
ـل أنين المرّوع الهيّاب |
إمض حتّى ترى المدائن غرقى |
و ترى الكون زخرة من عباب |
إمض عبر السّماء و اطغ على الأفـ |
ـلاك و اغمر في الجوّ مسرى العقاب |
ذالك أو يهتك الظّلام دياجيـ |
ـه و ينضو ذاك السّواد الكابي |
و ترى الشّمس في مياهك تلقي |
خالص التّبر و اللّجين المذاب |
أقبل الفجر في شفوف رقاق |
يتهادى في منظر خلاّب |
خلل من وشائع النّور زهر |
يتماوجن في حواشي السّحاب |
و إذا الشّاطئ الضّحوك تغنّى |
حوله الطّير بالأغاني العذاب |
و نسيم الصّباح يعبث بالغا |
ب و يثني ذوائب الأعشاب |
و من الشّمس جمرة في ثنايا الـ |
ـموج يذكو ضرامها غير خابي |
و من البحر جانب مطئنّ |
قزحيّ الأديم غضّ الإهاب |
نزلت فيه تستحمّ عذارى الضّـ |
ـوء من كلّ بضّة و كعاب |
عاريات يسبحن في اليمّ لكن |
لفّها الرّغو في رقيق الثّياب |
خفرات من الأشعة خوذ |
نسّقتها أنامل الأرباب |
فإذا البحر يرقص الموج فيه |
و إذا الطير صدّح الرّوابي |
راقصات الأمواجعلّمن قلبي |
رقصات المغرّد المطراب |
و أفيضي عليه من سلسل الوحـ |
ـي نميرا كالجدول المنساب |
و استثيري عواطفي و دعيني |
أسمع البحر أغنيات الشّباب |
لي وراء الأمواج يا بحر قلب |
نازح الدّار ماله من مآب |
نزعته منّي اللّيالي فأمسى |
و هو ملقى في وحشة و اغتراب |
ذكريات تدني القصيّ و لكن |
أيم مني منازل الأحباب |
أنا و حدي هيمان في لجّك الطّا |
مي غريق في حيرتي و ارتيابي |
أرمق الشاطئ البعيد بعين |
عكفت في الدّجى على التّسكاب |
فسواء في مسمعي من ذراه |
صدحه الطّير أو نعيق الغراب |
و سواء في العين شارقة الفجـ |
ـر أو اللّيل أسود الجلباب |
بيد انّي أحسّ فيك شفاء |
من سقامي و رحمة من عذابي |
أنت مهد الميلاد و الموت يا بحر |
و مثوى الهموم و الأوصاب |
فأنا فيك أطرح الآن آلا |
مي و عبء الحياة و الأحقاب |