يا قاهر الموت كم للنفس أسرار؟
|
ذلّ الحديد لها ، و استخذت النّار
|
و أشفق البحر منها ، و هو طاغية
|
عات على ضربات الصّخر ، جبار
|
حواك أحدوثة مثلى و تضحية
|
لم تحوها سير أو ترو أخبار
|
رماك في جنبات اليمّ محترب
|
خافي المقاتل عند الرّوع فرار
|
ترصّدتك مراميه و لو وقعت
|
عليه عيناك لم تنقذه أقدار
|
يدبّ في مسبح الحيتان منسربا
|
و الغور داج و صدر البحر موّار
|
كدودة الأرض نور الشّمس يقتلها
|
و كم بها قتلت في الرّوض أزهار
|
هوى بك الفلك إلاّ هامة رفعت
|
لها من المجد إعظام و إكبار
|
و استقبل البحر صدرا حين لامسه
|
كادت عليه جبال الموج تنهار
|
و غاب كل مشيد غير قبّعة
|
ذكرى من الشّرف العلي و تذكار
|
ألقيتها ، فتلقى الموج مقعدها
|
كما تلقى جبين الفاتح الغار
|
و لو يرد زمان المعجزات بها
|
لانشق بحر لها ، و ارتدّ تيّار
|
كأنّها خطبة راعت مقاطعها
|
لها العوالم سمّاع و نظّار
|
تقول: لا كان لي ربّ و لا هتفت
|
بذكره الحرب، إن لم يؤخذ الثار
|
يا ابن البحار وليدا من مسابها
|
و يافعا يؤثر الجلّى و يختار
|
ما عالم الماء ؟ يا ربّان ، صفه لنا
|
فما تحيط به في الوهم أفكار !
|
و ما حياة الفتى فيه ؟ أتسلية
|
و راحة ؟ أم فجاءات و أخطار ؟
|
إذا السّفينة في أمواجه رقصت
|
على أهازيج غنّاهنّ إعصار
|
و أشجت السّحب موسيقاه، فاعتنقت
|
و أسدلت من خدور الشّهب أستار
|
و أنت ترنو وراء الأفق مبتسما
|
كما رنا نازح لاحت له الدّار
|
غرقان في حلم عذب تسلسله
|
من ذروة اللّيل أنواء و أمطار
|
يا عاشق البحر، حدّث عن مفاتنه
|
كم في لياليه للعشّاق أسمار ؟
|
ما ليلة الصّيف فبه ؟ ما روايتها؟
|
فالصّيف خمر ، و ألحان ، و أشعار
|
إذا النسائم من آفاقه انحدرت
|
و ضوّأت من كوى الظّلماء أنوار
|
و أقبلت عاريات من غلائلها
|
عرئس من بنات الجنّ أبكار
|
شغل الرّبابنة السّارين من قدم
|
تجلى بهنّ عشيّات و أسحار
|
يترعن كأسك من خمرة معتقة
|
البحر كهف لها ، و الدّهر خمّار
|
و أنت نعنهنّ مشغول بجارية
|
كأن أجراسها في الأذن قيثار
|
صوت الحبيبة قد فاضت خوالجها
|
و رنّحتها من الأشواق أسفار
|
و الهفّ قلبك لما اندكّ شامخها
|
و النّوء مصطرع و الموج هدّار
|
بوغتّ بالقدر المكتوب فانسرحت
|
عيناك تقرأ، و الأمواج أسطار
|
نزلتما البحر قبرا، حين ضمّكما
|
رفّت عليه من المرجان أشجار
|
نام الحبيبان في مثواه واتّسدا
|
جنبا لجنب، فلا ذلّ و لا عار !!
|
***
|
مصارع للفدائيين يعشقها
|
مستقتلون وراء البحر أحرار
|
منيّة كحياة ، كلما ذكّرت
|
تجدّدت لك في الأجيال أعمار
|
هي الفخار لشعب في خلائقه
|
خلق الرّجال إذا هاجته أخطار
|
له البحار بما اجتازت شواطؤها
|
و ما أجنته خلجان و أغوار
|
رواق مجد على جدرانه رفعت
|
للخالدين أماثيل و آثار
|
دخلت من بابه، و اجتزت ساحته
|
و سرت فيه على آثار من ساروا
|
يتيه باسمك في أقداسه نصب
|
رخامه الدّهر، و التّاريخ حفّار
|