عيد التتويج علي محمود طه

ما الرعاة ! آثارهم فترنموا ؟

هل طاف بالصّحراء منهم ملهم ؟

أم ضوّأت سيناء في غسق الدّحى

و جلا النّبوءة برقها المتكلم ؟

نظروا خلال سمائها و تأأمّلوا

و تقابلت أنظارهم فتبسّموا

إيه فلاسفة الزّمان فأنتمو

ببشائر الغيب المحجّب أغلم

هذا النّشيد الأسيويّ معاده

نبأ تقرّ به الشعوب و تنعم

و طريقكم مصر و إنّ طريقها

أثر الوحي القديم و معلم

ألاّ يكون الفجر هدي خطاكمو

فدليلكم قبس الخلود المضرم

هو سحر مصر ، و عرشها ، و لواؤها

و الصّولجان ، و تاجها المتوسم

و جبين صاحبها العزيز و إنّه

نور على إصباحها متقدّم

أوفى على الوادي بضاحك ثغره

وجه تقبّله السّماء و ترأم

مسترسل النّظر البعيد كأنّه

ملك يفكر أو نبيّ يلهم

و كأنّما الآمال عبر طريقه

أنفاس روض بالعشيّة ينسم

ينتظر الحقل النّور خطوه

و النّهر و الجبل العريض الأيهم

فكأنّ روحا عائدا من طيبة

فيه شباب ملوكها يتبسّم

هتف البشير به فماجت أعصر

و تلفّتت أمم و دارت أنجم

هذا هو الملك الذي سعدت به

مصر ، و هذا حبّها المتجسّم

***

لمن البنود على العباب خوافقا

لمن النّسور على السّحاب تحوم ؟

لمن المواكب مائجات مثلما

أومت عصا موسى فشقّ العيلم ؟

و لم الصّباح كأنّما أنداؤه

كأس تصفّق أو رحيق يسجم ؟

و لم اختلاج النّيل فيه كأنّه

شيخ يذّكر بالشّباب و يحلم ؟

و لمن هتاف بالضّفاف مردّد

أشجى من الوتر الحنون و أرخم ؟

و لمن عواصم مصر حالية الذّرى

تغزوا بوارقها النّجوم و تزحم ؟

و لم احتشاد سرائري و خواطري

و لمن شفاه بالدّعاء تتمتم ؟

أسكندرية قد شهدت فحدّثيني

فاليوم قد وضح الحنين المبهم !

هاتي املأي كأسي و غنّى و اعصري

خمرا أعلّ بها و لا أتأثّم

إن كنت أفق الملهمين و أيكهم

إنّي إذا غرّيدك المترنّم

يا درّة البحر التي لم يتّسم

جيد البحار يمثلها و المعصم

جددّت أعراس الزّمان وزانها

ركب لفاروق العظيم و مقدم

ما عاد جبّار الشّعوب و إنّما

قد عاد قيصرك الرّشيد المسلم

في مهرجان لم يحط بجلاله

وصف و لم يبلغ مداه توّهم

يوم الشّباب و لا مراء و إنّه

للشّرق عيد و الكنانة موسم

قد فتح التّاريخ كتابه

يصغي إليه و يشرئبّ المرقم

مولاي ، أمل عليه أوّل آية

لشباب شعب خالد لا يهرم

هو من شبابك يستمدّ رجاءه

و يسود باسمك في الحياة و يحكم

فبعثه جيلا واثبا مقتحّما إنّ الشّباب توثّب و تقحّم

هزّ الفتى الأموي تحت إهابه

منه مضاء كالحسام مصمّم

فمشى يطوّح بالعروش كأنّه

شمشون في حلق الحديد يحطّم

دون الثلاثين استثير فأجفلت

أمم وراء تخومه تتأجّم

و المجد موهبة الملوك و إنّما

تبني المواهب، و الخلائق تدعم

و يضيق بالشّعب الطّموح يقينه

و يثير مرّته الخيال فيعرم

قوت الشّعوب وريّها أحلامها

إنّ الخيال إلى الحقيقة سلّم

***

يا عاقد التّاج الوضيء بمفرق

كالحقّ معقده هدى و تبسّم

أعظم بتاجك جوهرا لم يحوه

كنز و لم يحرز حلاه منجم

ميراث أول مالكين سما بهم

عرش أعزّ من الجبال و أضخم

نوابك شعبك حينما طالعتهم

طاف الرّحيق البابليّ عليهم

هتفوا بمجد و استخفّ وقارهم

أمل يجلّ عن الهتاف و يعظم

أقسمت بالدستور و الوطن الذي

بك بعد ربّك في العظائم يقسم

برّا بوالدك العظيم و ذمّة

لجدودك الصّيد الذين تقدّموا

و تطلعت عبر المدائن و القرى

مهج يكاد خفوقها يتكلّم

تصغي لصوتك في السّحابو رجعه

لحن على أوتارهنّ ينغم

خشعت له النّسمات وهي هوازج

و تنصّت العصفور و هو يهينم

وضعت سنابل مثلما أوحى لها

تأويل يوسف فهي خضر تنجم

يا صوت مصر ، و يا صدى أحلامها

زد روعتي ممّا يهزّ و يفعم

ألقى المقادة في يديه وديعة

شعب لغير خطاك لا يترسّم

فتلقّ تاجك من يديه فإنّه

في الدّهر عروته التي لا تفصم

فليهنأ الملك الهمام بعيده

و ليعرض الجيش الكميّ المعلم

مولاي جندك ماثلون فأولهم

سيفا يقبّل أو لواء يلثم

لمّا رأوك على جوادك قائما

و ضعوا السّيوف على الصّدور و أقسموا

و كأن إبراهيم طيفك ماثلا

و كأنّ الشعوب بمثل جيشك تكرم

الأرض تعرفه و تشهد أنّه

سيل إذا امع الحديد و قشعم

طروس أم عكّاء عن أمجاده

تروي؟ أم البيت العتيق و زمزم ؟

أم حومة السّودان، و هي صحيفة

السّيف خطّ سطورها و اللّهذم ؟

أم مورة الشّماء يوم أباحها

و النّار حول سفينه تتهزّم ؟

لولا قراصنة عليها تآمروا

لم يعل نافرين هذا الميسم

فاغفر لما صنع الزّمان فإنّها

بؤسى تمرّ على الشّعوب و أنعم

و انفخ به من بأس روحك سورة

يرمي سطاها المستخفّ فيحجم

فالرّفق من نبل النّفوس و ربّما

يلحى النّبيل بفعله و يذمّم

إنّا لفي زمن حديث دعاته

نسك ، و لكنّ السّياسة تأثّم

ووراء كلّ سحابة في أفقه

جيش من المتأهّبين عرمرم

***

قالوا : فتى عشق الطّبيعة و اغتدى

بغرائب الأشعار و هو متيّم

و طوى البحار على شراع خياله

يرتاد عالية الذّرى و يؤمّم

أنا من زعمتم : غير أنّي شاعر

أرضي البيان بما يصوغ و يرسم

إنّي بنيت على القديم جديده

و رفعت من بنيانه ما هدّموا

الشّعر عندي نشوة علويّة

و شعاع كأس لم يقبّلها فم

و لحون سلم أو ملاحم غارة

غنّى الجبال بها السّحاب المرزم

أرسلته يوم النّداء فخلته

نارا و خلت الأرض خضّبها الدّم

و دعاه عرشك، استهلّ خواطرا

فأتيت عن خطراتهنّ أترجم

و رفعت رأسي للسّماء و خلتني

أتناول النّجم البعيد و أنظم

فاقبل نشيدي إن عطفت فإنّه

صوت الشّباب و روحه المتضرّم

و سلمت يا مولاي للوطن الذي

بك يستظلّ ، و يستعزّ ، و يسلم !