ما الرعاة ! آثارهم فترنموا ؟
|
هل طاف بالصّحراء منهم ملهم ؟
|
أم ضوّأت سيناء في غسق الدّحى
|
و جلا النّبوءة برقها المتكلم ؟
|
نظروا خلال سمائها و تأأمّلوا
|
و تقابلت أنظارهم فتبسّموا
|
إيه فلاسفة الزّمان فأنتمو
|
ببشائر الغيب المحجّب أغلم
|
هذا النّشيد الأسيويّ معاده
|
نبأ تقرّ به الشعوب و تنعم
|
و طريقكم مصر و إنّ طريقها
|
أثر الوحي القديم و معلم
|
ألاّ يكون الفجر هدي خطاكمو
|
فدليلكم قبس الخلود المضرم
|
هو سحر مصر ، و عرشها ، و لواؤها
|
و الصّولجان ، و تاجها المتوسم
|
و جبين صاحبها العزيز و إنّه
|
نور على إصباحها متقدّم
|
أوفى على الوادي بضاحك ثغره
|
وجه تقبّله السّماء و ترأم
|
مسترسل النّظر البعيد كأنّه
|
ملك يفكر أو نبيّ يلهم
|
و كأنّما الآمال عبر طريقه
|
أنفاس روض بالعشيّة ينسم
|
ينتظر الحقل النّور خطوه
|
و النّهر و الجبل العريض الأيهم
|
فكأنّ روحا عائدا من طيبة
|
فيه شباب ملوكها يتبسّم
|
هتف البشير به فماجت أعصر
|
و تلفّتت أمم و دارت أنجم
|
هذا هو الملك الذي سعدت به
|
مصر ، و هذا حبّها المتجسّم
|
***
|
لمن البنود على العباب خوافقا
|
لمن النّسور على السّحاب تحوم ؟
|
لمن المواكب مائجات مثلما
|
أومت عصا موسى فشقّ العيلم ؟
|
و لم الصّباح كأنّما أنداؤه
|
كأس تصفّق أو رحيق يسجم ؟
|
و لم اختلاج النّيل فيه كأنّه
|
شيخ يذّكر بالشّباب و يحلم ؟
|
و لمن هتاف بالضّفاف مردّد
|
أشجى من الوتر الحنون و أرخم ؟
|
و لمن عواصم مصر حالية الذّرى
|
تغزوا بوارقها النّجوم و تزحم ؟
|
و لم احتشاد سرائري و خواطري
|
و لمن شفاه بالدّعاء تتمتم ؟
|
أسكندرية قد شهدت فحدّثيني
|
فاليوم قد وضح الحنين المبهم !
|
هاتي املأي كأسي و غنّى و اعصري
|
خمرا أعلّ بها و لا أتأثّم
|
إن كنت أفق الملهمين و أيكهم
|
إنّي إذا غرّيدك المترنّم
|
يا درّة البحر التي لم يتّسم
|
جيد البحار يمثلها و المعصم
|
جددّت أعراس الزّمان وزانها
|
ركب لفاروق العظيم و مقدم
|
ما عاد جبّار الشّعوب و إنّما
|
قد عاد قيصرك الرّشيد المسلم
|
في مهرجان لم يحط بجلاله
|
وصف و لم يبلغ مداه توّهم
|
يوم الشّباب و لا مراء و إنّه
|
للشّرق عيد و الكنانة موسم
|
قد فتح التّاريخ كتابه
|
يصغي إليه و يشرئبّ المرقم
|
مولاي ، أمل عليه أوّل آية
|
لشباب شعب خالد لا يهرم
|
هو من شبابك يستمدّ رجاءه
|
و يسود باسمك في الحياة و يحكم
|
فبعثه جيلا واثبا مقتحّما إنّ الشّباب توثّب و تقحّم
|
هزّ الفتى الأموي تحت إهابه
|
منه مضاء كالحسام مصمّم
|
فمشى يطوّح بالعروش كأنّه
|
شمشون في حلق الحديد يحطّم
|
دون الثلاثين استثير فأجفلت
|
أمم وراء تخومه تتأجّم
|
و المجد موهبة الملوك و إنّما
|
تبني المواهب، و الخلائق تدعم
|
و يضيق بالشّعب الطّموح يقينه
|
و يثير مرّته الخيال فيعرم
|
قوت الشّعوب وريّها أحلامها
|
إنّ الخيال إلى الحقيقة سلّم
|
***
|
يا عاقد التّاج الوضيء بمفرق
|
كالحقّ معقده هدى و تبسّم
|
أعظم بتاجك جوهرا لم يحوه
|
كنز و لم يحرز حلاه منجم
|
ميراث أول مالكين سما بهم
|
عرش أعزّ من الجبال و أضخم
|
نوابك شعبك حينما طالعتهم
|
طاف الرّحيق البابليّ عليهم
|
هتفوا بمجد و استخفّ وقارهم
|
أمل يجلّ عن الهتاف و يعظم
|
أقسمت بالدستور و الوطن الذي
|
بك بعد ربّك في العظائم يقسم
|
برّا بوالدك العظيم و ذمّة
|
لجدودك الصّيد الذين تقدّموا
|
و تطلعت عبر المدائن و القرى
|
مهج يكاد خفوقها يتكلّم
|
تصغي لصوتك في السّحابو رجعه
|
لحن على أوتارهنّ ينغم
|
خشعت له النّسمات وهي هوازج
|
و تنصّت العصفور و هو يهينم
|
وضعت سنابل مثلما أوحى لها
|
تأويل يوسف فهي خضر تنجم
|
يا صوت مصر ، و يا صدى أحلامها
|
زد روعتي ممّا يهزّ و يفعم
|
ألقى المقادة في يديه وديعة
|
شعب لغير خطاك لا يترسّم
|
فتلقّ تاجك من يديه فإنّه
|
في الدّهر عروته التي لا تفصم
|
فليهنأ الملك الهمام بعيده
|
و ليعرض الجيش الكميّ المعلم
|
مولاي جندك ماثلون فأولهم
|
سيفا يقبّل أو لواء يلثم
|
لمّا رأوك على جوادك قائما
|
و ضعوا السّيوف على الصّدور و أقسموا
|
و كأن إبراهيم طيفك ماثلا
|
و كأنّ الشعوب بمثل جيشك تكرم
|
الأرض تعرفه و تشهد أنّه
|
سيل إذا امع الحديد و قشعم
|
طروس أم عكّاء عن أمجاده
|
تروي؟ أم البيت العتيق و زمزم ؟
|
أم حومة السّودان، و هي صحيفة
|
السّيف خطّ سطورها و اللّهذم ؟
|
أم مورة الشّماء يوم أباحها
|
و النّار حول سفينه تتهزّم ؟
|
لولا قراصنة عليها تآمروا
|
لم يعل نافرين هذا الميسم
|
فاغفر لما صنع الزّمان فإنّها
|
بؤسى تمرّ على الشّعوب و أنعم
|
و انفخ به من بأس روحك سورة
|
يرمي سطاها المستخفّ فيحجم
|
فالرّفق من نبل النّفوس و ربّما
|
يلحى النّبيل بفعله و يذمّم
|
إنّا لفي زمن حديث دعاته
|
نسك ، و لكنّ السّياسة تأثّم
|
ووراء كلّ سحابة في أفقه
|
جيش من المتأهّبين عرمرم
|
***
|
قالوا : فتى عشق الطّبيعة و اغتدى
|
بغرائب الأشعار و هو متيّم
|
و طوى البحار على شراع خياله
|
يرتاد عالية الذّرى و يؤمّم
|
أنا من زعمتم : غير أنّي شاعر
|
أرضي البيان بما يصوغ و يرسم
|
إنّي بنيت على القديم جديده
|
و رفعت من بنيانه ما هدّموا
|
الشّعر عندي نشوة علويّة
|
و شعاع كأس لم يقبّلها فم
|
و لحون سلم أو ملاحم غارة
|
غنّى الجبال بها السّحاب المرزم
|
أرسلته يوم النّداء فخلته
|
نارا و خلت الأرض خضّبها الدّم
|
و دعاه عرشك، استهلّ خواطرا
|
فأتيت عن خطراتهنّ أترجم
|
و رفعت رأسي للسّماء و خلتني
|
أتناول النّجم البعيد و أنظم
|
فاقبل نشيدي إن عطفت فإنّه
|
صوت الشّباب و روحه المتضرّم
|
و سلمت يا مولاي للوطن الذي
|
بك يستظلّ ، و يستعزّ ، و يسلم !
|