أطلَّ صباح العيد في الشرق يسمع |
ضجيجاً به الافراح تمضي وترجعُ |
صباح به تُبدى المسرة َ شمسها |
وليس لها إلا التوهم مطلعُ |
صباح به يختال بالوشى ذو الغنى |
ويعوزُ ذا الإعدامِ طمر مرقَّع |
صباح به يكسو الغنيُّ وليده |
ثياباً لها يبكى اليتيمِ المضَّيع |
صباح به تغدو الحلائل بالحُلى |
وترفضُّ من عين الأرامل أدمع |
الاليت يوم العيد لا كان انه |
يجدد للمحزون حزنا فيجزع |
يرينا سروراً بين حزن وانما |
به الحزن جد والسرور تصنُّع |
فمن بؤساء الناس في يوم عيدهم |
نحوس بها وجه المسرة اسفع |
قد ابيضَّ وجهُ العيد لكنَّ بؤسهم |
رمى نكتاً سوداً به فهو ابقع |
خرجتُ بعيد النحر صبحاً فلاح لي |
مسارحُ للأضداد فيهنَّ مرتع |
خرجت وقرص الشمس قد ذرّ شارقا |
ترى النور سيالاً به يتدفع |
هي الشمس خَوْدٌ قد أطلَّت مصيخة |
على افق العلى تتطلع |
كأن تفاريق الأشعة حولها |
على الافق مرخاة ً ذوائب اربع |
ولما بدت حمراء أيقنت أنها |
بها خجل مما تراه وتسمع |
فرحت وراحت ترسل النور ساطعاً |
وسرت وسارت في العُلى تترفَّع |
بحيث تسير الناس كل لوجهة |
فهذا على رسلٍ وذلك مسرع |
وبعضٌ له أنفٌ أشمٌ من الغنى |
وبعض له أنف من الفقر أجدع |
وفي الحيّ مذمار لمشجي نعيره |
غدا الطبل في دردابه يتقعقع |
فجئت وجوف الطبل يرغو وحوله |
شباب وولدان عليه تجمعوا |
ترى ميعة الاطراب والطبل هادرٌ |
تفيض وفي أسماعهم تتميع |
فقد كانت الافراح تفتح بابها |
لمن كان حول الطبل والطبل يقرع |
وقعت اجيل الطرف فيهم فراعني |
هناك صبى بينهم مُترعرع |
صبى صبيح الوجه أسمر شاحب |
نحيف المباني أدعج العين أنزع |
يزين حجاجيه اتساعُ جبينه |
وفي عينيه برق الفطانة يلمع |
عليه دريسٌ يعصر اليتم ردنه |
فيقطرُ فقر من حواشيه مُدقِع |
يليح بوجهٍ للكآبة فوقهُ |
غبارٌ به هبت من اليتم زعزع |
على كثر قرع الطبل تلقاه واجماً |
كأن لم يكن للطبل ثمَّة مَقرع |
كأن هدير الطبل يقرع سمعه |
فلم يلف رجعاً للجواب فيرجع |
يرد ابتسام الواقفين بحسرة |
تكاد لها احشاؤه تتقطع |
ويرسل من عينيه نظرة مجهش |
وما هو بالباكي ولا العين تدمع |
له رجفة تنتابه وهو واقف |
على جانب والطقسبالبرد يلسع |
يرى حوله الكاسين من حيث لم يجد |
على البرد من برد به يتلفع |
فكان ابتسام القوم كالثلج قارساً |
لدى حسرات منه كالجمر تلذع |
فلما شجاني حاله وافزّني |
وقفت وكلِّي مجزع وتوجع |
ورحت أعاطيه الحنان بنظرة ِ |
كما راح يرنو العابد المتخشع |
وافتح طرفي مشبعاً بتعطف |
فيرتد طرفي وهو بالحزن مُشبَع |
هناك على مهل تقدمت نحوه |
وقلت بلطف قول من يتضرع |
أيابن أخي من أنت ما اسمك ما الذي |
عراك فلم تفرح فهل انت موجع |
فهبَّ أمامي من رقاد وُجومه |
كما هبَّ مرعوبُ الجنان المهجِّع |
وأعرض عني بعد نظرة يائس |
وراح ولم ينبسْ الى حيث يهرع |
فعقَّبتهُ مستطلعاً طلعَ أمره |
على البعد اقفو الاثر منه واتبع |
وبيناه ماشٍ حيث قد رحت خلفهُ |
أدبُّ دبيب الشيخ طوراً وأسرع |
لمحت على بعد إشارة صاحب |
ينادي أن أرجع وهو بالثوب مُلمع |
فاومأت أن ذكرتهُ موعداً لنا |
وقلت له اذهب وانتظر فسأرجع |
وعدت فابصرت الصبي معرجاً |
ليدخل داراً بابها متضعضع |
فلما اتيت الدار بعد دخوله |
وقمت حيالَ الباب والباب مُرجَع |
دنوت إلى باب الدُّوَيرة مطرقاً |
وأصغيت لا عن ريبة أتسمَّع |
فحرْت وعيني ترمق الباب خلْسة |
وللنفس في كشف الحقيقة مطمَع |
سمعت بكاء ذا نشيج مردّد |
تكاد له صمُّ الصفا تتصدّع |
أأرجع ادراجى ولم اكُ عارفاً |
جلية هذا الامر ام كيف اصنع |
فمرّت عجوز في الطريق وخلفها |
فتاة يغشِّيها إزار وبُرقع |
تعرضتها مستوقفاً وسألنها |
عن الإسم، قالت إنني أنا بوزع |
فأدنيتها مني وقلت لها اسمعي |
حنانيك ما هذا الحنين المرَّجع |
فقالت وانت انة ً عن تنهدً |
وفي الوجه منها للتعجب موضع |
أيا ابني ما يعنيك من نوح أيم |
لها من رزايا الدهر قلب مفجَّع |
فقلت لها اني امرؤ لا يهمني |
سوى من له قلب كقلبي مروّع |
واني وان جارت على َّ مواطني |
فؤادي على قطَّانهن مُوَزَّع |
أبوزع مني عمرك الله بالذي |
سألت فقد كادت حشاي تمزّع |
فقالت أعن هذي التي طال نحبها |
سألت فعندي شرح ما تتوقع |
ألا إنها سَلْمى تعيسة ُ معشر |
من الصيد أقوت دراهم فهي بلقع |
وصارعهم بالموت حتى أبادهم |
من الدهر عجَّار شديد مُصَرِّع |
فلم يبق الا زوجها وشقيقها |
خليلٌ واما الآخرون فودّعوا |
ولم يلبث المقدور ان غال زوجها |
سعيداً فأودى وهي إذ ذاك مرضع |
فربي ابنها سعداً وقام بأمره |
أخوها إلى أن كاد يقوى ويضلع |
فاذهب عنه الخالَ دهرٌ غشمشمٌ |
بما يوجع الايتام مغرى ً ومولع |
جرت تنهٌ منها خاله انطوى |
بقلب رئيس الشرطة الحقدُ أجمع |
فزجَّ به في السجن بعد تجرُّم |
عليه بجرمٍ ما له فيه مصنع |
عزاه الى ايقاعه موقعاً به |
وما هو يا ابن القوم للجرم موقع |
ولكن غدر الحاقدين رمى به |
إلى السجن فهو اليوم في السجن مودع |
فحَقَّ لسلمى أن تنوح فإنها |
من العيش سما ناقعاً تتجرع |
فلا غَرو من أم اليتيم إذا غدت |
ضحى العيد يبكيها اليتيم المضيَّع |
فعُدْتُ وقلبي جازع متوجع |
وقلت وعيني ثرَّة الدمع تهمع |
الاليت يوم العيد لا كان انه |
يجدد للمحزون حزناً فيجزع |
وجئت إلى ميعادنا عند صاحبي |
وقد ضمه والصحب ناد ومجمع |
فأطلعتهم طِلْعَ اليتيم فأفَّفوا |
وخبَّرتهم حال السجين فرجّعوا |
فقلت دعوا التأفيف فالعار لاصق |
بكم واتركوا الترجيع فالأمر أفظع |
ألسنا الألى كانت قديماً بلادُنا |
بأرجائها نور العدالة يسطع |
فما بالنا نستقبل الضيم بالرضا |
ونعنوا لحكم الجائرين ونخضع |
شربنا حميم الذل ملء بطوننا |
ولا نحن نشْكوهُ ولا نحن نَيجع |
فلو أن عير الحيّ يشرب مثلَنا |
هواناً لامسى قالساً يتهوع |
نهوضاً الى العز الصراح بعزمة |
تخرُّ لمرماها الطُّغاة وتركع |
الا فاكتبوا صك النهوض الى العلى |
فإني على موتي به لموقِّع |