هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب
|
ولم يتئد إما تمخض بالخطب
|
يزمجر أحيانا ويضحك تارة
|
فيظهر في بردين للجد واللعب
|
فلا هو في سَلم فنأمَن بطشه
|
يسالم حتى تأخذ القوم غرة
|
فيهجم زحفاً في زعازعة النكب
|
أرى الدهر كالميزان يصعد بالحصى
|
ويهبط بالموزون ذي الثمن المربي
|
أدالَ من العُرب الأعاجم بعدما
|
أدالَ بني عباسها من بني حرب
|
ولم أرَ للأيام أشنع سُبة
|
لعمرك من ملك العلوج على العرب
|
صفت لبني العباس أحواض عزهم
|
زماناً وعادت بعدُ مخلبة الشرب
|
عنت لهم الدنيا فساسوا بلادها
|
بعدل أضاء الملك في سالف الحُقب
|
فكانوا طفاح الارض عزاً ومنعة
|
خلائف ساسوا بالسيوف وبالكتب
|
لقد ملكوا مُلكا بكت أخرَياته
|
بدمع على المستعصم الشهم مُنصب
|
تشاغل بالذات عن حوط ملكه
|
فدارت على ابن العلقم رحى الشغب
|
أطال هجودا في مضاجع لهوه
|
على ترف والدهر يقظانُ ذو ألب
|
لقد غره أن الخطوبَ روابض
|
ولم يدر أن الليث يربض للوثب
|
فكان كمروانَ الحمارِ إذا انقضت
|
به دولة مدّت يدَ الفتح للغرب
|
جرت فتنه من شيعة الكرخ جلحت
|
نرد هُلاكو بالقتال على العقب
|
فقامت لدى ابن العلقم ضغائن
|
تحجرن من تحت النياط على القلب
|
فأضمر للمستعصم الغدر وانطوى
|
على الحقد مدفوعا إلى الغش والكذب
|
وخادعه في الأمر وهو وزيره
|
مواربة إذ كان مستضعفَ الإرب
|
فأبعد عنه في البلاد جنودَه
|
وشتتهم من أوب أرض إلى أوب
|
ودس إلى الطاغي هُلاكو رسالة
|
مغلغلة يدعوه فيها الى الحرب
|
وقال له إن جئت بغداد غازياً
|
تملكنها من غير طعن ولا ضرب
|
فثار هُلاكو بالمغول تؤمه
|
كتائب خضر تضرب السهل بالصعب
|
وقاد جيوشا لم تمر بمخصب
|
من الارض إلا عاد ملتهب الجدب
|
جُيوش ترد الهضب في السير صفصفا
|
وتعرُك في تسيارها الجنبَ بالجنب
|
فما عتّمت حتى بنت بغبارها
|
سماء على ارض العراق من الترب
|
ولما أبادت الجيش بغداد هالكاً
|
على رغم فتح الدين قائده الندب
|
أقامت على أسوار بغدادَ بُرهة
|
تعض بها عض الثقاف على الكعب
|
فضاق عليها بالحصار خناقها
|
وغصت بكرب ياله الله من كرب
|
وقد حم فيها الامن بالرعب فانبرت
|
له رخصاء من عيون أولى الرعب
|
هناك دعا المستعصم القوم باكيا
|
بدمع على لحييهِ مُنهمِل سكب
|
فابدى له ابن العلقم تحزناً
|
طَوى تحتهُ كشحاً على المكر والخلب
|
وقال له قد ضاق بالخطب ذرعا
|
وأنت ترى ما للمغول من الخطب
|
فكم نحن نبقى والعدو محاصِر
|
نذل ونشقى في الدفاع وفي الذب
|
وماذا عسى تجدي الحصون بأرضنا
|
وهم قد أقاموا راصدين على الدرب
|
فدع "يا أمير المؤمنين" قتالهم
|
على هُدنة تبقيك ملتئم الشعب
|
ولسنا "وإن كانت كباراً قصورنا"
|
فهادنه وأخرج في رجالك نحوه
|
وصاهره واشدد منه أزرك بالقرب
|
وإلا فإن الأمر قد جد جده
|
وليس سوى هذا لصدعك من رأْب
|
فلما رأى المستعصم الخرق واسعاً
|
وأن ليس للداءِ الذي حل من طب
|
مشى كارها والموتُ يُعجل خطوه
|
يؤم لفيفا من بنينَ ومن صحب
|
وراح بعقد الصلح يجمع شمله
|
فأمسكه رهنا وقتَّل صحبه
|
هلاكو ولم يسمع لهم قط من عتب
|
وأغرى ببغدادَ الجنود كما غدا
|
بأدماء يغرى كلبه صاحب الكلب
|
فضلت بهم بغداد ثكلى مرنه
|
تفجع بين القتل والسبي والنهب
|
|
وصبوا عليها بطشهم أيما صب
|
وأمسى بهم قصر الخلافة خاشعا
|
مهتكة أستاره خائف السِّرْب
|
وباتت به من واكف الدمع بالبكا
|
عيون المها شتراء منزوعة الهدب
|
وراحت سبايا للمغول عقائل
|
من اللاء لم تمدد لهن يد الثلب
|
لقد شربوا بالهون أوشال عزها
|
وما أسأروا شيئاً لعمرك من القعب
|
فقلص ظل كان في الملك وارفاً
|
وأمحل الملك كان مغلولب العشب
|
لقد بات إذ ذاك الخليفة جاثما
|
على الخسف مرقوباً بأربعة غلب
|
وخارت قواه بالسعار لمنعه
|
فقال وقد نقت ضفادع بطنه
|
إلا كسرة يا قوم اشفى بها سغب
|
فقال هلاكو عاجلوه بقصعة
|
من الذهب إلا بريز واللؤلؤ الرطب
|
وقالوا له كل ما بدا لك إنها
|
ألست لهذا اليوم كنتَ ادّخرتها
|
فدونك فانظر هل تنوب عن الحب
|
وكنتَ بها دون المماليك معجباً
|
وفاتك أن المقت من ثمر العجب
|
ولو كنت في عز البلاد أهنتها
|
وأنزلت منها الجند في منزل خصب
|
لما أكلتك اليوم حربي وإن غدت
|
سأبذلها دون جنودي تزيدهم
|
صيالاً بها فوق المطهمة القب
|
وسوف وإن لم يبق إلا حديثنا
|
تميز ملوك الارض دأبك من دأبي
|
هنالك والطوسي أفتى بقتله
|
قروءة بقتل أدب أفجع الادب
|
أشار هلاكو نحو علج فتله
|
فخر صريعاً لليدين وللجنب
|
فأدرج في لبد وديس بأرجل
|
إلى ان قضى بالرفس ثمة والضرب
|
وقد أثخنت بغداد من بعد قتله
|
جروح بوار جاء بالحجج الشهب
|
وما اندملت تلك الجروح وإنما
|
ببغداد منها اليوم ندب على ندب
|