يـا هـنـد يحيى السماوي

أَسَـأَلْـتِ كـيـف الحالُ يـا هـنـدُ ؟
يَـسُــرَ الـسـؤالُ وأَعْـسَـرَ الـرَّدُّ!

حالي بـدارِ الـغُـربـتـيـنِ خُطىً
مـشـلـولـة ٌ فـاسْـتَـفْـحَـلَ الـبُعْـدُ (1)

قـلـبـي إذا أمـسى عـلى فَــرَح ٍ
فـعـلى رمـادِ فـجـيـعـةٍ يَـغـدو

لا الـرِّيـحُ تـلـثـمُ خَـدَّ أشـرعـةٍ
حـيـرى ولا الـحـرمـانُ يَـرْتَـدُّ

كيفَ السـبيلُ الى ضُحاكِ وفي
مُـقَـلِ الـغـريـبِ تـأبَّـدَ الـسُّـهْـدُ؟ (2)

يا هـنـدُ مـنـذ طـفـولــتي وأنـا
راع ٍ خِرافي الـشـوقُ والوَجْدُ


لا تـفطـمي قلبي اسـقِهِ حَـبَـباً
إنْ عَـزَّ مـن كاســاتِـكِ الـرَّفْـدُ (3)

الأسْـرُ؟ أُمنيـتي .. إليكَ يـدي
أطْبِقْ .. فـديـتُـكَ أَيُّهـا الـقَـيْـدُ

يا هـنـدُ مـنـذ طَـرَقْـتِـني وأنـا
صدري لـسـيفِ صبابةٍ غِـمْـدُ

يا هـندُ كيف عـرفـتِ أنَّ دمي
ظام ٍ لـنـبضِ هـواكِ يا هـنـدُ ؟

تُـصغي الى شـفـتـيـكِ قـافـيـة ٌ
مـا عـاد يـنـسـجُ بـوحَهـا سَـرْدُ (4)

هـاتَـفْـتِـني فَغَـفَـوتُ من خَـدَر ٍ
وأَفَــقْــتُ ظـمـآنـاً ولا وِرْدُ

صوتٌ يَـزخُّ من الـشـذا مطراً
زانَ الـعَـفافُ صـداهُ والحـمـدُ

أوراقيَ الخرساءُ مُذ سـمعـتْ
منكِ الـلحونَ وسـطرُهـا يحدو

تَـوَّجْـتِـني عـرشَ الـمُنى فـأنـا
مَلِـكٌ ولـكنْ في الهـوى عـبـدُ (5)

عمري كرمل سـماوتي عَصَفَتْ
ريـحٌ بـهِ .. فَـتَـنـاثـرَ الـحَــشْــدُ

ضُـمّي إلـيـكِ شـتاتَ قـافـلـتي ..
طال الطريـقُ وأشْـبَـكَ الـقَـصْـدُ (6)

يا هـنـدُ واحـتالـتْ على مَطَـري
بِـيـدٌ إذا زُرِعَـتْ فـلا حَـصْــدُ

يـا هــنـدُ أعــيـادي مُـحَـنَّـطَــة ٌ
فَـصِـلي لـتـغـدو ظـبـيـة ً تعـدو

أنـا أمَّـة ٌ فـي الـحـزنِ لا نَـفَـرٌ
أمّـا الـهـوى فـأنـا بـهِ : الـفَـرْدُ !

بحـري بـلا جَـزْر ٍ وأَخْـيـلـتي
كـالــبـحـرِ لـكـنْ : كـلُّهـا مَـدُّ

إنْ تَصْدِقي وعداً فـقـد ضَحِكتْ
شــمـسـي وَمَـدَّ بـســاطَـهُ الـودُّ

**
يـا هـنـدُ إنْ غَـرَّبْـتُ فالـوَجْـدُ
دام ٍ .. وإنْ شَـرَّقْـتُ فـالـصَـدُّ

أنـا جـثـة ٌ تـمـشـي عـلى قـدم ٍ
أمّـا الـثـيـابُ فـإنـهــا الـلـحْــدُ

بـيـني وبـيـنـك ألـفُ مـانـعةٍ
إنْ دُكَّ سَــدٌّ : قـامَ لـيْ سَـــدُّ


فأنا الخريفُ وأنتِ حقلُ منىً
يـلهـو بـهِ الـلـبـلابُ والـرَّنْـدُ

وأنـا الجفافُ وأنتِ نهـرُ نَدىً
وأنا الكفافُ وعـيشُـكِ الرَغْـدُ

وأنا الـنـحـيـبُ وأنتِ أُغـنـيـة ٌ
وأنا الكسـيحُ وَمَـشْـيُـكِ الوَخْـدُ (7)

الـدّمـعُ في كـأسي يُـخـالـطُـهُ
طـيـنٌ ..وأنتِ بكأسِـكِ الشهْـدُ

أفـكـلـَّـمـا أدنـو إلـى شــجَـر ٍ
تنأى القطوفُ ويقصرُ الزَّنْـدُ؟

عَطَـشُ المـنافي شَـلَّ أوردتي
فامْطِرْ... كفاكَ البرق يا رَعْدُ

بعضُ الهـوى يا هـندُ عافـيـة ٌ
لـلعـاشــقـيـنَ .. وبـعـضُـهُ وَأدُ

بردانُ ... ما لـلـنارِ تُـثْلِجُـني؟
أرأيـتِ نـاراً نَـشْـرُها الـبَـرْدُ؟

عجبا ً..أتالي العـمر تصرعُني

رأدٌ ويُوهِـنُ صخـرتي رِئْـدُ ؟(8)

أَوَلَـسْـتُ قد أَغْـلَقْـتُ نافـذتي؟
أمْ قـد تـناسى عـهـدَهُ العـهـدُ؟

نَـثَـرَتْ عليَّ بخورَ ضحكـتِها
فـإذا بحـنجـرةِ الهـوى تـشـدو

فَـرَشَ الـفـؤادُ لـهـا مـنـازلَـهُ
فهيَ الملـيـكُ وأضلعي الجـنـدُ

نَـسَـجَـتْ دمي ثوباً يُطَـرِّزُهُ
كَـفَـني .. وَظَـنَّـتْ أنـه وَرْدُ !

رَقَصَتْ حروفي وانتـشى طربا ً
قـلـمي وسـاطَ مِـداديَ الـسّـعْـدُ


يـا هـنـدُ هـلْ مَـسٌّ تَـلَـبَّـسَـني
لـمّـا طَرَقـتِ الجـفـنَ يـا هـنـدُ ؟

مـا لـلـقِـلادةِ تَـسْـتَـفِـزُّ فـمي
فـيشـبُّ بين أضالعي الوَقْـدُ؟

أَيَـغـارُ مـن عِـقـدٍ تَـوَهَّـمَـهُ
شَـفَة ً فَجُـنَّ فمي فـلا رُشْـدُ؟

عـندي لجـيدِكِ إنْ أردْتِ لهُ
حِـلـلاً حَـلالاً دونَـهـا الهِـنـْدُ : (9)

قُـبَـلٌ بـلا إثـم ٍ تَـنَـظَّـمَـهــا
ثـغـرٌ بهِ مـن خـشـيـةٍ ردُّ (10)

زُهدي بجاهِ التِبْر حَـبَّبَ ليْ
طينَ الفـراتِ أنا امرؤٌ زَهْـدُ (11)

***

* هند : اسم جنس وليس اسم امرأة معينة .. وكذا بالنسبة لاسم " ليلى " .. شأنهما شأن " زيد " و " عمرو " اللذين يراد بهما اسم جنس للرجال .
(1) دارالغربتين: المقصود بهما غربة الوطن واللسان (2) تأبّد: اصبح أبدياً (3) الرفد: العطاء الكثير (4) السرد: التتابع والانتظام (5) عبد: من الاستعباد وليس التعبد (6) أشبك: اختلط والتبس (7) الوخد: المشي السريع (دلالة على الشباب) (8) رأد : الشابة الحسناء. رِئد : الغصن الطري.
(9) الهند: القافلة من مائة ناقة فأكثر..
(10) ردّ : الحبسة في اللسان (11) زُهد: بضم الزاي: العزوف عن الشيء... وزَهد بفتح الزاي: الأخذ بقدر الكفاية