أربع زهور برية يحيى السماوي

( إلى إبنتي الشاعرة والقاصة القديرة بلقيس الملحم : هدية متواضعة أقدمها بحياء ريثما أردُّ على قصائدها المهداة لي ولأم الشيماء والشيماء بقصيدة بمستوى ما أهدت )

(1)

لابـدَّ أنـكِ تـسـألـيـن الان
عـن أسـبـابِ إيـقـادي الـفـتـيـلْ

فـي ورد أحـلامـي ..
وعـن سـرِّ انـطـفـاءِ العـشـبِ
فـي مـقـلـي ..
وعـن سـبـبِ الـرّحـيـلْ

أمضـيـتُ عـمـري واهِـمـا ً..ً
حـيـنـا ً أرى ـ فـي الـحـلـم ِ ـ بـاديـة السـمـاوةِ
واحـة ً ..
والـنـخـلَ ـ وهـو مـآذنـي الـخـضـراءُ ـ
يـرفـلُ بـالـهـديـلْ

وأرى " أبا عـوفٍ " و " عـمّـارَ بن يـاسِـرَ "
يـثـردان ِ الـخـبـزَ فـي صـحـن ٍ
ويـقـتـسـمـانِ مـا فـي الـكـوز ِ مـن دمـع الـسـمـاءِ ..
وآلَ دجـلـةَ يـسـمـرون عـلـى الـضـفـافِ ..
أرى الـخـلـيـلـة َ والـخـلـيـلْ

يـتـنـاغـيـان ِ ..
أرى بـيـوتَ الـطـيـن ِ ضـاحـكـة ً ..
أرى الـعـشـاقَ
يـفـتـرشـون سـاحـاتِ الـمـدائـن ِ فـي الأصـيـلْ

حـتـى أفـقـتُ عـلـى :
الـمُـلـثّـم ِ ..
والـفـقـيـهِ الـزُّور ِ ..
والـسـيّـافِ ..
والـحـامـي الـدخـيـلْ

فـإذا بـيـومـي يـلــطـمُ الـشـمـسـيـن مـن جـزع ٍ
عـلـى غـديَ الـقـتـيـلْ

**
(2)

مـاذا سـأخـسـرُ
حـيـن يـقـتـحـمُ الـخـرابْ

كـهـفَ الـكـهـولـة ِ
حـيـث جـثـمـانُ الـشـبـابْ ؟

لا شـيءَ يـخـسـرُ شـوكُ أيـامـي
إذا انـحـسَـرَ الـسّـرابْ !

الـمـاءُ مـن حـجـر ٍ ..
وأرغـفـة ُ الـمـديـنـة ِ مـن ضـبـابْ

نـاطـورُنـا لـصٌّ ..
وأمّـا حـارسـو مـرعـى الـمديـنـة ِ فـالذئـابْ

**
(3)

مـن حُـسْـنِ حـظـي
أنـنـي أبـدلـتُ :
بـالـوطـنِ الـمـديـنـة َ ..
بـالـمـديـنـة ِ مـنـزلا ً ..
بـالـمـنـزل ِ الـطـيـنـيِّ ركـنـا ً مـن بـقـايـا حُـجـرة ٍ ..
بـالـحـجـرةِ الـشـبّـاك َ
أفـتـحُـهُ عـلـى نـهـر ٍ بـلا مـاء ٍ
وبـسـتـان ٍ بـلا شـجـر ٍ
وفـاخـتـة ٍ تـفـتـشُ فـي الـفـضـاءِ عـن الـفـضـاءْ

مـن حـسـنِ حـظـي
أنـنـي هـيّأتُ :
حـقـلـي لـلـخـريـفِ ..
ولـلـحـريـق ِ الـسّـنـديـانـة َ ..
والـحـديـقـة َ لِـلـيـبـاب ِ..
ولـلـفِـراق ِ الأصـدقـاءْ

مـن حـسـنِ حـظِ الـعـشـق ِ
أنَّ نـخـيـلَ دجـلـة َ
لايُـجـيـدُ الإنـحـنـاءَ
ولا يـمـدُّ ظِـلالـهُ لـلـمـارقـيـن َ..
وأنّ بـاديـة َ الـسـمـاوة ِ لا تُبـادِلُ بالـرّمـالِ
الـتـبـرَ والـيـاقـوتَ ..
والمعـصـومـة َ الأعـذاق ِ تـنـسـجُ سـعـفـهـا كـوخـا ً..
تُـبـايـعـنـي أمـيـرا ً فـي بـلاطِ الـوردِ ..
عـرشـي قـلـبُـهـا
والـصّـولـجـانُ الـكـبـريـاءْ


وإذن ؟
سـأطـبـقُ مـقـلـتيَّ عـلـى غـدٍ عـذب ٍ
أرى وطـنـا ً بـلا قـهـر ٍ
ومـئـذنـة ً تُـكـبّـرُ لـلـهـوى
فـيـؤمّ بـالـعـشـاقِ طـفـلٌ مُـشـمِـسُ الـعـيـنـيـن ِ
يـلـبـسُ بـردة ً خـضـراءَ مـن عـشـب ٍ ومـاءْ


**
(4)

حـلـمـتُ يـومـا ً
أنـنـي
جـنـاحْ

وكـان مـا بـيـنـي
وبـيـن
الـوطـن ِ الـمُـبـاحْ

مـشـنـقـة ٌ
تـمـتـدُّ مـن سِـتـارة ِ الـلـيـلِ
إلـى
نـافـذة ِ الـصّـبـاحْ

وحـيـنـمـا اسـتـيـقـظـتُ
كـانـت الـسـمـاءُ صـهـوةً
وسـرجُـهـا الـرّيـاحْ

*
حـلـمـتُ يـومـا ً أنـنـي صـرتُ
أبـا نـؤاسْ

وكـان مـا بـيـنـي وبـيـن الـوطـن الـجـريـحِ
جـوعٌ ودمٌ
يـسـيـلُ مـن مـئـذنـة ٍ
وروضـة ٍ مـذبـوحـة ِ الأغـراسْ

وحـيـنـمـا هـاجَـرَ مـن أحـداقـيَ
الـنـعـاسْ

رأيـتُ جـفـنـي زِقَّ أحـزان ٍ
وجـرحي كـاسْ

*
حـلـمـتُ يـومـا ً أنـنـي
قـنـديـلْ

وكـان مـا بـيـنـي وبـيـن الأهـلِ
صمـتٌ عـارمٌ
وصـرخـة ٌ تـنـبـئُ عـن قـتـيـلْ

وحـيـنـمـا اسـتـيـقـظـتُ
كـانـت الـفـراشـاتُ عـلـى نـافـذتـي
تـنـسـجُ لـيْ مـن كـحـلـهـا
مـنـديـلْ

*
حـلـمـتُ يـومـا أنـنـي
بـسـتـانْ

وكـان مـا بـيـنـي وبـيـن الـعـشـبِ
جـمـرٌ
يـنـفـثُ الـدُّخـانْ

وحـيـنـمـا اسـتـيـقـظـتُ
كـانـت الـعـصـافـيـرُ عـلـى نـافـذتـي
تـزقُّ روحـي بـنـدى الأغـانْ

*
حـلـمـتُ يـومـا ً أنـنـي
الـعـراقْ

وكـان مـا بـيـنـي وبـيـن الـلـهِ
والـمـحـرابْ

" أبـرهـةُ الـجـديـدُ " فـي الـكـرخ ِ
وفـي الـرصـافـةِ الذئـابْ

وحـيـنـمـا فـركـتُ أحـداقـي
تـخـثّـرَتْ عـلـى أجـفـانِـهـا الأهـدابْ

*
حـلـمـتُ يـومـا ً أنـنـي
ربـابـةْ

وكـان مـا بـيـنـي وبـيـن مـعـزفـي
حـنـجـرةٌ تـنـهـلُ مـن بـحـيـرة ِ الـكآبـةْ

وحـيـنـمـا اسـتـيـقـظـتُ
سـال الـضـوءُ مـن أصـابـعـي
وأمـطـرتْ حـديـقـتـي سـحـابـةْ

*
حـلـمـتُ يـومـا أنـنـي
سـادِنُ مـحـرابِ الـتـي صـارتْ تـسـمـى
نـخـلـة الـلـهِ بـبـسـتـانـي
وظِـلَّ الـلـهْ

فـي جـسـدِ الـتـرابِ والـنـيـران ِ
والـمـيـاهْ

وحـيـنـمـا اسـتـيـقـظـتُ
كـانـت لـغـتـي
تـخـلـو مـن الـشـوكِ
وجـمـر الآهْ
**