عفيفة صعب، تجارب وأبعاد

أتغضبك القيود؟ أيمضك عضّ الأغلال؟ أيستثير نقمتك صليل السلاسل؟ أيغريك الخيال البعيد الماثل لك حرية هي في عرفك، إطلاق يخوّلك فعل ما تشاء، حين تشاء، كما تشاء؟  تقول: أجل، وإلا فما معنى حرية ينادي بها صوت الجيل قاطبة؟ وما معنى الارتقاء الذي يدّعيه العصر، ويدوّي نفيره في أقطار المعمور؟ أجل! حركة الفكر دليل حياته وسبيل ارتفاعه. واحتجاجه على الأنظمة والقوانين نافع في كلتا حالتيه، النجاح والفشل[1].

 

هذه هي عفيفة صعب[2] الغاضبة على القيود، الناقمة على التقاليد، المتحركة سعيًا وراء المعرفة والارتقاء الإنساني. لا تخاف الفشل ولا يبهرها النجاح.

 

لماذا الاهتمام بعفيفة صعب وقد مر على الحركة النسائية أجيالا نالت فيها المرأة حقوقها وساوت الرجل في جميع المجالات؟ العودة إلى التاريخ وإلقاء الضوء على سيرة إحدى المساهمات في حركة تحرر المرأة، له مبرراته. فالحركات النسائية الشرقية اليوم تواجه تساؤلات، غربية المصدر في غالبيتها، عن حالة التناقض اللاواعي التي يعشنها، فهن مع اقتباس غير محدود من الغرب، وتمسك غير محدود أيضا بتقاليد شرقية اعتبرتها نساء العشرينات بمثابة "أغلال" ناضلت وضحت واتهمت بالتهور والفجور كي تتخلص منها.

 

عفيفة صعب واحدة من هؤلاء النسوة وهي أول أديبة درزية اتخذت الصحافة مهنة خاصة، فأعطت من صفحات مجلتها النسائية متسعًا رحباً لأديبات الخدور لبث أفكارهن والخوض في ميدان الكتابة والدعوة إلى النهضة والتخلص من قيود التقاليد "وطلب المعالي، عالمات أن الحياة الحقيقة السامية لا ترقى درجاتها إلا على سلم العمل الصحيح"[3]. أصدرت مجلة الخدر سنة 1919[4] وهي في التاسعة عشر؛ وسعت أن تكون "خدرًا جامعًا" لكل ما تحتاج إليه النساء عمومًا، والدرزيات خصوصًا، لتوسيع أفاقهن والتأكيد على المساواة وإعلاء مقامهن في معترك المدنية المتغيرة في أوائل القرن العشرين. استمرت مجلة الخدر في الصدور طوال ثماني سنوات متواصلة في خدمة المرأة والأدب والعلم والمجتمع[5]. وبالإضافة إلى ذلك راسلت عفيفة صعب الكثير من الصحف العربية والأجنبية، وكتبت في الكثير منها: كالمعارف والتهذيب والمقتطف وصوت المرأة[6]. وتُعد من الرائدات اللواتي عملن على تحقيق النهضة النسائية في لبنان فكانت عضواُ بارزاً في عدد من الجمعيات والهيئات النسائية[7]. ولم يقتصر اهتمام عفيفة صعب على الصحافة بل تعداه إلى التربية والتعليم، ففي سنة 1925 أسست مدرسة الصراط في عالية من جبل لبنان وقضت معظم حياتها في تربية النشء الصالح جيلاً بعد جيل.

 

إن من يطلع على أعداد المجلة يندهش لتنوّع المواضيع التي عالجتها ومستوى الأدباء والشعراء والمؤرخين من الجنسين، والسياسيين ورجال الفكر الذين خصّوا صفحاتها بمقالاتهم وتعليقاتهم وأبحاثهم[8].   فاحتوت المجلة على مواضيع في التربية والتعليم وبالأخص تعليم البنات، وفي الصحة والتعريف بالأمراض وكيفية التوقي منها، وعلى كل ما تحتاجه المرأة في بيتها وخارجه. كما احتوت أيضاً سيرة الشهيرات من النساء في لبنان والعالم. ويلفتنا المستوى الرفيع من حيث المحتوى والجدية في معالجة المواضيع الاجتماعية والثقافية والتاريخية المحلية والعالمية مع الطموح الدؤوب للتطوير والتحسين والحرص على اللغة الأدبية الصحيحة.

 

أهداف مجلة الخدر

في أول إطلالة لها عبر مجلة الخدر تطالعنا عفيفة صعب بنظرة تأملية تصف فيها حال التخلف الفكري الذي يعيشه المجتمع. فهي تؤمن قبل كل شيء بحتمية التقدم وترى أن الإنسان ما إن فتح عينيه على نور هذا الوجود حتى سعى بقواه جميعها إلى كل ما رآه نافعاً مسترشداً عقله في اهتدائه إلى أفضل الوسائط التي بها يتمكن من حفظ كيانه.  فهو لا يمكن أن يرضى اليوم بما رضي به بالأمس. ولكن وقد تأصلت في القوم العادات صعب عليهم الإقلاع عنها، وقبّحوا كل قائل بعدم صلاحيتها، وتجاهلوا العقل في حل قضاياهم فتراهم ينقادون انقيادًا أعمى لما تعودوه، ويحاربون كل من يحاول تحريرهم من العبودية للأفكار العقيمة والعادات المضرة[9]. وهي ترى أن المتفوقين على العامة في كل قوم يسعون في إيجاد الأفضل والأنسب للزمن الحاضر حتى إذا ما خطر لهم من أمر الإصلاح "قاسوا ما قاسوه من الصعوبات"[10].  ناموس الكون تقدم مستمر وارتقاء تدريجي، والمجتمع يتطلب الأفضل بموجب هذا الناموس. فقبل تخطئة الرأي الحديث لمجرد كونه حديثًا تلفت الكاتبة إلى ضرورة الفحص والتدقيق وتناول المواضيع من كل جوانبها حتى تظهر الحقيقة التي هي وليدة البحث، "فحينئذ يُقبل الانتقاد ويُسمع إلى صوت المخطئين"[11]. ويظهر لنا بوضوح ما قاسته عفيفة صعب من المجتمع الذي لم يتفهم نظرتها المتطورة إذ كتبت تخاطب الجهلة المتعصبين:

 

"أيها المتعصب لا تقل ليس بالإمكان أبدع مما كان فان المجتمع مع ما هو عليه اليوم، عالم العلم المترامي من الرقي والعمران الذي يكاد لا يصدق، لا يزال علماء الكون يطرقون هيبة أمام الأطراف ويقولون: أننا لا نزال على أبواب العلم العجيب."[12]

 

وتذّكر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها إذ إن مجلة الخدر تدخل بيوتا دون سواها لهذا فعليها واجب الاعتناء وحسن الاختيار في كل ما تودعه صفحاتها "للخدمة الخالصة".

 

وفي تعريفها لأهداف مجلة الخدر تطمح عفيفة صعب إلى مجلة نسائية علمية أدبية صحية. فهي نسائية لان المرأة الشرقية في أوائل القرن العشرين كانت في معترك نهضة جديدة ذات طرق متشعبة ونماذج عديدة. يدعوها واجبها الأول إلى تحري الوضع القائم واتخاذ الموقف المناسب بعناية وتدقيق لاختيار أقوم السبل المؤدية إلى الغاية من ذلك الجهاد. وتلفت الكاتبة أنها تصبو إلى حال نسائية عالية المقياس، الحال المؤدية بلا ريب إلى ارتقاء حال المجموع[13]. والخدر مجلة علمية لان الإلمام بمبادئ معظم فروع العلم من الضروريات. وهي مجلة أدبية لأن الأدب هو صورة حيّة لتطور الأمم الفكري، ومرآة العقول المنكّبة على المجتمع الإنساني تدرس أخلاقه وميوله وطبائعه وتتحرى الدواء، وتبحث عن أسباب المسببات وتضع المبادئ الصالحة لان يشاد عليها صرح المجتمع الأدبي. وتبدو عفيفة صعب مدركة قوة الصحافة في تغير المجتمع وان أصحاب القلم يثورون على كل شيء يقيد الحرية وعلى كل الأنظمة القديمة. وهي تعنى بالصحة لأنها الأساس، فالعقل السليم في الجسم السليم.

 

اختارت عفيفة صعب اسم "الخدر" لمجلتها وهي تسعى لها بدور "الموصّل بين خدور ربات الخدور" ورسالة لهن للاطلاع على زبدة ما جمعته من "أقوال أفاضل الكتبة وفضليات الكاتبات في العلم والتربية وتدبير المنزل."[14] ولها بالمرأة اهتمام خاص كما أن لها بها معرفة عميقة لأنها ترى نفسها مرآة تعكس لها كل حسناتها وسيئاتها، آمالها، ورغائبها، غرائزها وميولها، عواطفها وقواها. وتتعهد لها "بالشعور الذي يدرك الآم المرأة الخفية، وبالاشتياق الذي يزيح الستار عن أمانيها الكامنة، وبالنور الذي تتلمسه عيناها المحتجبتان لمرافقة السائرين على هدى في موكب الحياة النشيطة، أتجرد، أنا الفتاة الدرزية، من كل صفة تخرجني عن دائرة كوني فتاة درزية محجبة لولوج عالم الخدور بغوامضه ومشاكله ومسالكه واستخرج ما هنالك من عبر ودروس وأشواك وأزهار".[15]

 

المرأة في كتابات عفيفة صعب

وكسائر المساهمات في النهضة النسائية في أوائل القرن العشرين تبحث عفيفة صعب في افتتاحية العدد الأول من مجلة الخدر مسألة السفور والحجاب. وهي أول سيدة درزية تطرقت علنا إلى موضوع الحجاب[16]. ثم توضح أن أسباب تحجب النساء تعود إلى تسلط الرجل على المرأة وزعمه أنه "خلق ليكون سيداً يجير الأمور بمشيئته."[17] فصوّر له هذا الوهم أنها سلعة يحسن التصرف بها كيف شاء، فارتأى تحجبها لأسباب يجيزها هو. ومع التقدم العلمي لا بدد بنظرها، من نبذ هذه العادات، وقد تحقق أن المرأة هي نصف الوجود الإنساني فلا يجوز أن تبقى خاملة قابعة في البيت. وتسأل عن إمكانية تقدم الكون، ونصفه بهذه الحالة.

 

وتفصّل عفيفة صعب تعاطي المرأة الشرقية والغربية مع مسألة المساواة بين الجنسين. وتعتبر أن المرأة الغربية عندما أفاقت من سباتها وتقدمت في العلم تقدمًا أهّلها لمعاضدة التمدن بإعدادها الناشئة على قواعد التربية الحسنة، لم تكتفِ بهذا القدر بل جرت تباري الرجل في سائر أعماله رغبة منها في مساواته. وهذا ما كان من شأن المرأة الغربية المتمدنة تتبّعتها المرأة المسيحية الشرقية على الأثر.  أما الحجاب فلم يكن مفروضًا إلا على المسلمات. فظهر التباين جلياً بسبب الحجاب المسدل عليهن[18].  ومع رفضها أن تتهم بصبغة مذهبية تجد نفسها مدفوعة إليها وتتكلم بلسان زميلاتها المحجبات اللواتي لهن من "الآمال ما بلغ منه بنات السفور الشوط البعيد، وأمامهن من المشاكل ما أصبحن هن منه في حل طليق". وهن فئة قليلة جاهدت وصبرت وبلغت، على حد تعبير عفيفة صعب، "حقل الوطن داميات الأكف مهشمات الأقدام مرددات:

مرحبا بالخطب يبلوني إذا              كانت العلياء فيه السببا[19]

 

وتصوّر لنا الصراع الداخلي عند المرأة المحجبة التي كانت تتوق إلى معرفة أسباب التأخر فلا تدرك. "بنت الحجاب متحيرة الخطى لا تذكر من ماضيها غير شبه حلم مظلم بارد قاس"[20]. تود مجاراة المتعلمات فلا تتمكن من إتمام رغباتها. "واليد المخلصة التي ترافقها في المسير قائدة هادية، لم تجدها"[21]. فسلطة الآباء المتسلّحين بحجة أن الدين يأمر بحجاب المرأة، لا يجيز لها مخالفة دينها. ولا توافق الكاتبة المقولة أن الدين هو السبب، فالتحجج بحججه ما هو إلا وسيلة ضغط يستعملها الرجل، مهما كانت علاقته بالمرأة، لإبقائها تحت سيطرته. وإذا كان الدين يأمر بالحجاب وكان مرور الأيام وتمسك الأمم بتقاليدها قد ضيق نطاق الحجاب على الدرزيات، فإنما ذلك لأمور اجتماعية اعتقاديه تتكفل بها الأيام ولكنها لا تمس قواعد الدين الجوهرية ولا توجب اتهامه بفرض الجهل على تابعية[22].

 

وتعود الكاتبة لتعترف أن هناك قلة من الرجال الشرقيين ممن نظروا "بعين بصيرة" إلى انحطاط المرأة الناشئ عن جهلها فبحثوا عن طريقة بها يستأصلون، ما تعتبره "الداء القاتل" أدبيًا، مع المحافظة على الحجاب "المأمور به ديناً"[23].  فرفع عنها الحجاب تدريجًا، وخوّلها حق اخذ العلم، وساهم في أنشأ المدارس لترقيتها وتهذيبها وإعدادها لعصور التمدن الباهرة الذي كان يبشر به[24]؛ وتقدمت المرأة الشرقية في العلوم تقدّمًا أهّلها لمعاضدة التمدن بإعدادها الناشئة على قواعد التربية الحسنة، فصار بين "ربات الخدور شموعًا تبعث نوراً"[25]. ولكن ما فائدة هذا النور الذي أخذ يتلاشى ما دام لم يُستغل.

 

وتذعن الكاتبة لقدرها وقدر بنات محيطها المحجبات فتقول: "أما وقد قُدّر أن نمثّل رواية حياتنا داخل خدورنا وقُضي علينا بالحجاب وكان الدين آمراً به فنحن نتبعه محترماتٍ ديننا مقدسات أوامره"[26]. وتبرر عفيفة صعب هذا الإذعان بقولها أن ما من شيء في الكون: "أولى بالإتباع من الدين الرابطة العظمى بين الخالق والمخلوق".[27] وتعود تتحسر رافضة قدرها فتقول: " ولكن العيون المبصرة تكره الظلمة وتسعى إلى حيث النور يبث الحياة في كل كائن حي"[28]. وهي بهذا توجه دعوة إلى بنات جيلها لفتح نوافذ خدورهن لاستقبال نور العلم الصحيح والتهذيب الحقيقي.  وترفض المقولة بأن الحجاب يقف عائقًا ضد التقدم أو أنه حاجز بين المرأة وبين المعرفة.  لأن واضعه ما كان ليرضى بالقضاء المبرم على حياة البنات وتقدمهن الأدبي. ويحضرني قول الشاعر المعاصر في قصيدة أرسلها إلى مجلة الخدر جاء فيها[29]:

          وأكبر ما أشكو من القـوم أنهم       يعدون تشديد الحجاب من الشرعِ

          أفي الشرع إعدام الحمامة ريشها       وإسكاتها فوق الغصون عن السجع

          أمزق دعـواهم إذا ما طعنتـها      ولو أنها كانت من الدين في درع

 

ومن الواضح أن إفساح مجال الفائدة الأدبية للمرأة، لا يعني عند عفيفة صعب خرق الحجاب، وإنما يعني حل قيدها نوعاً لتشرف على متشعبات الحياة الأدبية من مختلف أساليب التربية وحسن التداخل مع الأصدقاء والمعارف الغرباء وحسن الضيافة والتفكير بالمفيد الحسن من الأعمال. وبهذا تحاول عفيفة صعب تفهم موقف رجال عصرها، وفي الوقت ذاته نراها تناشد بنات جيلها عدم الاستسلام لحالتهن الحاضرة بما فيها من خمول وفتور، بل تدعوهن إلى النهوض مع "طلوع الصبح الجديد في هذه البلاد، صبح الحرية والمعرفة، بغية الاستفادة من هذا النور الباهر. وليس هذا بالأمر العسير على كل من أرادت وسعت"[30].

 

ونستنتج مما تقدم أن عفيفة صعب لا تعطي السيدات المسلمات، والدرزيات منهن، العذر في الاستسلام لقدرهن. وهي وإن لم تدعُ إلى السفور، وقد قبلت وضعها كسيدة محجبة، لا تسمح لهن بأن تتخذن من الحجاب سبباً للتأخر عن سواهن من السيدات المسيحيات والغربيات. فليس بالصعب جعل الحجاب حافزاً للسعي وراء المعرفة فهي قد وجدت في التقدم العلمي في الغرب ما شحذ فيها الغيرة الجنسية، فكرست وقتها حباً بخدمة بنات طائفتها وأسست مجلتها، الخدر. وتردد قول الشاعر[31]:

فتربيةُ النفس نِعـم الحجاب    وإلا فلا خير في  البرقع

ولستُ بهذا أريد السـفور     فلم يحنْ في هذه الأربُع

ولكن لرفع حجاب الجهالة       أدعو بلادي إن  تَسمع     

 

ونرى عفيفة صعب في حالة ارتباك في مواجهة الدعوة التي انتشرت في دمشق تدعو إلى القضاء على الحجاب في العالم الإسلامي. فلو كان القائمون بهذه الحركة فئة مهووسة طائشة، لما أسترعى أمرها نظرًا ولا استدعى منها اكتراثًا، فالهوس برأيها لا يعوّل عليه. لكن صدرت تلك الدعوة عن فئة لها من سعة العلم والرصانة نصيب كبير ونطاق واسع. فالحركة والحالة هذه، أمر لا يمكنها الاستهانة به وتترتب عليه نتائج تتفق والمصدر المنبعثة عنه[32]. ولما كانت الخدر المجلة النسائية الوحيدة في مسلمي سوريا[33]، وكانت القضية إسلامية اجتماعية نسائية فكان لا بد لعفيفة صعب من ولوج هذا الطريق، على مشقة ووعرة مسالكه. وخوفًا من توجيه اللوم إليها تستفتي عددًا من أدباء المسلمين ومن خيرة "أهل الرصانة والتفكير تفاديًا من ورود الآراء عن مصدر الطفرة والتحمس"[34]. فهي بالتالي تدعو إلى حوار بين القراء والكتاب والباحثين الاجتماعين حول أمر بهذه الأهمية الذي لا يمكن أن يُعالج بما تسميه بطيش الشباب. وتعتبر أن البحث المنـزّه لا يمكن أن ينتهي بهدم الصالح. وإذ أصبح الفكر "في هذا الوقت طليقًا إلى درجة لا يحسب معها شيئًا مقدّسًا يعلو على درسه والبحث فيه. فالطارئ والناشئ والمنـزّل، والموضوع، يُقبل عليه بجرأة وتجرّد ويحسبه خاضعًا لنتائج درسه المعقولة."[35]

 

عفيفة صعب إذن تأخذ الدرب الوسطي بين دعاة السفور ومن يشدد على إبقاء الحجاب. ولا يغيب عن بالنا أن الدعوة إلى السفور استقبلت بالرفض في البيئة المحافظة التي عاشت فيها حتى بعد مضي عدة سنوات على هذا المقال عندما دعت إليه علنًا زميلتها نظيرة زين الدين. وبالرغم من تحفظها في مسألة السفور فهي لا تترك مناسبة إلا تدعو الفتاة إلى الاعتماد على النفس. أما إذا نشأت على الانقياد والاتكال، فهي لا تستطيع استقلالا عندما تدعو إليه الظروف. وبالإضافة إلى استقلالها المادي، لا بدّ من احترام استقلال الفتاة النفسي فتتمتع بحرية التفكير والإرادة والميول ويزيد اعتبارها لذاتها مما يدفعها إلى المحاسن من الأعمال. وتعلق أخيرًا أن "لكلّ منا كيان مستقل وحرام قتله بالقوة لأنه جوهر الحياة"[36].

 

يأخذ موضوع تعليم الفتاة حيزًا كبيرا من كتابات عفيفة صعب في مجلة الخدر. وتأسيس المدارس "الأناثية"[37] ثمرة طبيعة لنشؤ النظام التهذيبي فنراها تطلب إلى الرجل تعميم العلم للبنات ليتمكنّ من القيام بهذه الخدمة حق قيام. كما تناشده تطوير المدارس لتتماشى مع متغيرات العصر. فهناك العديد منها، لكن النقص كبير والحاجة ملحة إلى المدارس الأنثوية التي تعنى بالفتيات عامة والدرزيات منهن خاصة. والواضح أنها كانت تتطلع باهتمام إلى إنشاء مدرسة للبنات.. ولكن في نفسها خشية من ردة فعل رجال الطائفة الدرزية، فجاءت تتلمس الدعم عبر مجلة الخدر من النخبة المعنية بتطوير مدارسها وتعميم العلم على أبناءها[38]. وتطلب إليهم أن يدلوا بدلوهم في ماهية المثل الأعلى لمدرسة "أناثية" وطنية تتفق مع العصر وتحتفظ بالإرث الثمين من مكارم السلف وصبغة الشرق، فتخرّج للوطن حاجته من الأمهات اللواتي يعوّل عليهن في ترقيته: "أمهات شرقيات روحًا، عربيات المكارم، لبنانيات عذوبة، غربيات جَدًّا ونشاطًا"[39]. ويبدو أن البعض، وإن قبِل بمبدأ المدرسة "الأناثية"، إلا انه دعا إلى التفريق بين المناهج الدراسية للجنسين. وبالرغم من معارضة عفيفة صعب لهذا الطرح، نجدها ترضخ للأمر الواقع، وتخبرنا أن الحالة الاجتماعية الحاضرة لا تطلب "هذا التساوي ولا تقدر على حمل أثقاله"[40].

 

ونجدها تثور عندما ترفض سلطة الانتداب الفرنسية في لبنان طلب ترخيص تقدمت به لتأسيس مدرسة للبنات في بلدة عالية من جبل لبنان وكتبت تنتقد القرار بعنف: "لقد مُنع عنا حق صريح واحتُكرت علينا بلادنا وحُظر علينا السعي لخيرنا وعقر منا تقدمًا فوُضعت العوائق في سبيلنا. مما يمس بكرامة الوطن وقد أصبحنا كالغريب في وطنه"[41]. وهذا جور واضحٌ بيّن حسب قولها. فيوم يصبح ابن البلاد في بلاده غريبًا مثل هذه الغربة، "فقل أن لا سلامة للمرء حتى في عقر داره إلا أذا كان القوي الصؤول. وعهدنا بالدرزي قويًا صؤولاً. لكن الجنان الشديد لزم الجمود مذ قابلته قوة الآلات؛ فأمسى وهو غريب داره، دخيل وطنه، وبينه وبين سامي مطالبه موانع وسدود"[42].

 

ولا تنسى عفيفة صعب أن خلفية هذا الرفض ما هي إلا لاعتبارات سياسية تتعلق بموقف السلطة الفرنسية من الطائفة الدرزية[43]. فتدافع عن رغبة الدروز وحاجتهم في أن تكون لهم مدرسة واحدة على الأقل، تقوم على تهذيب بناتهم قيامًا وافيا يتماشى فيه التنوير العلمي والحرص الأدبي والإكرام الديني. ولكل طائفة مدارسها فلماذا تحرم الطائفة الدرزية من هذا الحق خصوصًا أنهم في جميع مواطنهم لا مدرسة لهم تسمى باسمهم ولا المدارس المنتشرة تعبأ بمشيئتهم. وهي لا تطلب مساعدة من أحد سوى أبناء الطائفة الذين "بسطوا أكفًّا عُرفت بعريق السخاء"[44] . أما منطق قاعدة المدرسة الواحدة في القرية الواحدة الذي تذرعت به السلطة[45]، فهو برأيها يسدّ على الدروز جميع منافذ النور. وفي اعتراضها على هذا التمييز تظهر "العصبية" الدرزية عند عفيفة صعب بوضوح إذ تقول: "إن للأوطان حرمة لا يجوز للغريب مسها. فإن لم يتسع لمعهد تقوم به طائفة من امنع طوائفه، فما معنى الوطنية، وبماذا تُحدد لفظة وطن؟" وتضيف: "إنّ للتقاليد حرمة قدّستها الأجيال، إنّ للدين حرمة، ولنا دين يقضي علينا بما لا ترعاه لنا إحدى مدارس البلاد جمعاء، وله في قلوبنا كرامة. فكيف ينظر علينا الاتحاد على العمل بموجب هذه الكرامة؟"[46]

 

ولكنها تلحّ وبإصرار أن لا يتخذ احد من قولها جحودًا لمدارس ترعرعت فيها ونشأت وتعلمت، غير أن للإرث المعنوي نفوذه. وبهذا الإرث يقضي أن تكون للطائفة مؤسسات علميّة خاصة تنال رضا الآباء والأمهات، تكرّم دينها وترضي قومها وتخدم وطنها. وإلاّ فإكرامًا لقاعدة "مدرسة واحدة للقرية الواحدة" يظل نصف الطائفة الدرزية جاهلا محرومًا. وبلهجة حادة تتابع عفيفة صعب دفاعها عن المدرسة الخاصة وتتهجّم على كل من حاول أن ينكر على الدروز دورهم في تاريخ لبنان فتقول:

 

"بلادنا لنا والوصي انتُدب من مركز القوة للمشارفة والمعاونة... بلادنا لنا. ويصعب علينا بعد منعتنا، أن تنكر علينا حقوقنا. لبنان لنا. ولنا أن نختار لمعهدنا قرية من قراه مركزًا يناسبنا. لبنان لنا. وهو وإن بلغ عدد مدارسه عدد قراه ومزارعه، ظل لنا الحق المقدّس بمدرسة خاصة فيه. لبنان لبناننا. وهو إن رحب صدراً فاتسع للمؤسسات الأجنبية من إنجيلية وكاثوليكيّة وموسوية، فلن يضيق صدره بمدرسة واحد باسم بني معروف وهم أبناء صميم البلاد، وألوف المدارس لا تبرر حرمانهم معهدًا واحدًا بمالهم ما دامت لهم ظروفهم. لبنان لنا. ولتحكم الأمة اللبنانية جمعاء، حتى إذا ثبت أننا مخطئون في دعوانا، وأننا في لبنان دخلاء، ولّينا وجوهنا شطر قفرٍ يكون، ولو اجردً قاحلاً، لنا".[47]

 

 وفي رد عفيفة صعب على أحد أعيان الطائفة الدرزية[48] مهاجمًا فيها الحركة النسائية ومستخفًا بإنجازات سيداتها، خصوصًا ما يتعلق منها في موضوع المساواة بين الجنسين، نراها ترفض المقولة التي تسلح بها الكاتب بأن الحق للقوة. وتصر على العكس تمامُا فالقوة يجب أن تكون للحق. ثم تقارعه الحجة بالحجة وتبين له خطأه وتدافع عن حرية التعليم وتطلب الفرص المتوازية في العمل حتى في المجال السياسي. وتركز على التهميش الذي كانت تعاني منه المرأة الدرزية بوجه عام. فتخاطبه بقولها:

 

"إننا لا نلوم الرجل إذا اجتهد في الاحتفاظ بقيد المرأة وضغط بكلتا يديه كي لا يدعه يفلت منها، لأنه ولا شك يعزّ عليه أن يرى السلطة الاستبدادية تتملص تدريجًا من قبضته ويريد أن يبقى ملكًًا مطلقًا في منزله لا يقيده قيد ولا يشاركه في سلطته احد وهو يعرف حق المعرفة أن العلم يقلص ظل سلطته عليها ويجعلها شريكة له"[49].

 

 وفي السياق ذاته تتناول موضع "المولود"[50] بمعناه الأعمق. وترد على السؤال: من الولد؟ أصبيّا عنى به علماء اللغات يوم وضعوا الأسماء لمسمياتها، أم صبيًّا عنى به الخلق يوم جعل التناسل واسطة لبقاء الأنواع؟ الولد، يشمل البنت والصبي بحسب مفهومها، وحكمة الخالق في الخلق إقامة النسل بواسطة الجنسين. ثم تناقش الوالدين على استقبال الصبي بالابتهاج والطرب والبنت بالإجفال والتذمر وقلب الشفاه. فكيف يجوز لعواطف الوالدين، وهي مثال التكريس وآية الحب الحقيقي بين البشر، أن تفرق بين البنت والصبي قبل أن يُعرف خيرهما من الشر وكلاهما ثمرة حياتهما وجزء منهما. حتى في "الوالدية" ترى عفيفة صعب تزاحم الأنانية في حب البنين، وتشعر فيها الميزة والتفضيل ما بين الأولاد. فكيف نرجو بين الناس إذا كانت الأنانية تجد حتى في الوالدين مقراً لها؟[51]

 

وربما عذرتهم في تفضيل الصبي لكونه الأقوى جسديا، والناس عبدت القوة منذ القدم، لكنها ستظل تصبو عدلا ما دام العدل بعيدا. فإذا كانت القرون المظلمة خفّضت من كرامة المرأة واستهانت بمقامها من البشرية حتى كرهتها في مهدها، فالوقت يقضي بإصلاح حال المرأة واستخراج دفائن الكنوز من مواهبها بالتهذيب والتعليم[52]. فعوضًا من أن تبقى عبئا ثقيلا، تصبح عضوًا نافعًا يعين على تخفيف صعوبات العيش وتوفير راحته. وإذا كان على الإنسان الرضا بما يكون نصيبه مما لا حيلة له به، فكان أحرى بالرجل إضمار حسن التربية والتهذيب لأولاده بالسوية وإعداد بناته برشد وحكمة لتستقيم قاعدة الأخذ والعطاء بين الناس. ويلفتنا هذا التناقض اللاواعي عند عفيفة صعب فمن جهة نجد غليانًا وتوقًا إلى التغير السريع ثم تعود وتستسلم لقدرها، وتبرر هذا التراجع على انه قدر بنات جيلها، فتدعو الرجل أن يحوطهن بعطفه وتفهمه.

 

وتتوجه الكاتبة إلى الطوائف الأخرى وتتهمها بنفس ما تتهم به الطائفة الدرزية في هذا المجال. وعفيفة صعب تدافع عن الآداب الاجتماعية فلا تعطي الشاب الحق بالتصرف بحرية دون قيود التقاليد. ولكنها تعترف أن للفتاة خصائص تتميز بها كون الفتاة الشرقية محصّنة معتزلة تجري عليها "سنن دينية وعادات واصطلاحات قومية خاصة".[53] ونراها تتمسك بضرورة تثقيف الفتاة، الضامن الوحيد الذي يعطيها فرصة للتعبير كي لا تنشأ ساذجة جاهلة قاصرة حتى "إذا داهمتنا ظروف تمتحن قوانا ترانا من التقصير في دركةٍ سفلى وعدّت وجودنا وجودًا بهيمياً ليس إلا".[54]  

 

وتفاخر عفيفة صعب بما وصلت إليه النهضة النسائية في البلاد وتعتبرها الصوت والنور والقوة كما تعتبرها "الحادي الذي ساق بنت الحجاب إلى موقف كان محظورا وشرّفها بسماع بنات الحجاب والسفور بارتياح وسرور"[55]. وهي ترى أن الحركة النسائية المعاصرة تجري سريعة فتبدي التحول سيلا جارفا يكاد يسمّى طفرة. وهو ليس بالعجب بل تراه نتيجة طبيعية لازمة للحرب التي أفنت من الرجال الملايين فكان هذا "الفناء قادحا لزند قوي المرأة، منبهًا فيها حب المساواة"[56]. والى كل من انتقد الحركة النسائية في بدايتها ونعتها بالنضال غير الموزون، تقول انه لا يمكن اعتبار هذه المرحلة مقياساً يقاس به، بل هو عبارة عن "فوضى جنسية" ولدت من الحرب مع أخواتها أنواع الفوضى العالمية، تحاول النساء تعميمها ويحاول الرجال صدها. ثم نراها تؤكد انه لا بد للنضال من نهاية، ولا غنى للفوضى عن السكون بحيث تنجلي المعارك عن توازن يرضى به الفريقان. وفي كلٍ، الحركة هي الحياة، والسكون هو الموت. "فلا ييأسن الرجال من تحركنا ولو على ضلال، ومحجّة الصواب لا بد من بلوغها".[57] فعفيفة صعب ممن يرفض العودة إلى الماضي لأنه الميت الذي لا ينشر والفائت الذي لا يعود.

 

ثم نجدها تسأل عن ما تبغي المرأة من نهضتها الحية في عصر استفاقةِ كل ضعيف فرد وجماعة. هل هي تبغي الثأر من الرجل، والرجل كان هو الآخر ضحية تهميش المرأة، ألام والأخت والزوجة، فدفع هو الثمن جهلا. فيأتي الجواب أن المرأة لا تبغي من نهضتها انتقاما من الرجل فالحق قد انتقم لنفسه. وهي لا تبغي ترجّلاً لتزاحم الرجل في سوق أعماله[58]. وتوضح أن المرأة تروم لنفسها ثلاثًا: العلم والحرية والقوة. كما تروم للعالم ثلاثة: السلم والصلاح والغنى. فإن هي ملكت ناصية مطلبها الأول، جاءها مطلباها الآخران بطبيعة الحال. والمرأة حين سعت في توسيع دائرة علمها، افتتحت طريقاً سويًا لحريتها ووضعت أساسا ثابتًا لقوتها. كما ازدادت معرفة بواجبها واجتلت بوضوح أكثر حقيقة مقامها وارتفع مستوى إدراكها. فالحرية أتت نتيجة طبيعة للمقدمة اللائقة ولم تكن هبة "من يد جوّاد إن شاء أعطى وإن شاء منع".[59]

 

وفي الوقت ذاته تدعو عفيفة صعب الرجل إلى الاستفادة واخذ العبرة من تزايد النشاط الأنثوي في الحقل الاجتماعي والأدبي، فله فيه برهان يلمسه باليد على أن المرأة سائرة معه بجد ونشاط وإخلاص لإصلاح حال الوطن من كل وجه، وإسعاده بكل طريقة ممكنة. فهؤلاء السيدات ما هنَّ ألا صورة للمرأة المتعلّمة فليدرك الرجل إذن ضرورة تعليمها وتسهيل وسائل ارتقائها لتزيده من أمثال خدماتها الجليلة. وفي خطوة موازية تعلق الكاتبة على الدعوة إلى اتحاد الجمعيات النسائية بجمعية واحدة، واجتماعها لغاية التفاهم والتكاتف، فتعتبر أنها خطوة عظيمة في تعميم النهضة النسائية وتقويتها. وهي بلا شك "دعوة حيّة عالية الصوت فعّالة إلى كل امرأة تهيب بها للدخول في جند النساء المصلح، وتوسيع نطاق هذه الحركة الآيلة إلى إسعاد ذاتي وعام"[60].

 

الطائفية هي إحدى الإشكالات التي تناولتها عفيفة صعب وذلك عبر دور المرأة المرشد فيما يخص الإيمان والتسامح[61]. فإذا ثبت أن الدين هو الرابط الذي يثني البشر عن فعل المحرمات، ورابط الكون الأدبي، وتقررت شدة لزومه لتحسين حال المجتمع، تسأل أيّ من بني الإنسان، يُناط أمر غرسه في قلوب الأبناء وإنشائهم على مبادئه؟[62]  وجوابها أن هذا الأمر يجب أن يوكل إلى المرأة لان بيدها زمام التربية الأولى. وتعترف عفيفة صعب أن الأمر يتطلب نوعية معينة من الأمهات. فليست كل أم بالأم الحقيقة المطلوبة والتي تحتاجها البلاد بنوع خاص، لان السواد الأعظم من الأمهات برأيها لا يعرفن من الدين سوى كثرة التمتمة، ولا من التمسك به إلا غرس بذور البغضاء في قلوب أولادهنّ لأبناء بقية المذاهب. ويشكل هذا النوع من الأمهات عثرة في سبيل الإنسانية ومضر بجوهر الدين الحقيقي.  فألام المثالية من تكون راجحة العقل، سامية الأخلاق، متعلمة راقية. وإلى من يتبادر إلى ذهنه لأول وهلة أن العلم يضعف الإيمان ويحل ربط الدين، تجيب الكاتبة أن الحقيقة عكس ما يخالون. فالمتعلمة تسلك بالفضيلة لا رغبة أو رهبة من وعيد، بل لمجرد كونه فضيلة حرية بالإتباع. فهي تعبد الله وحبه لا خوفًا من عقابه أو طمعًا في ثوابه، بل لأنه خالقها والمعتني بها والباسط أمامها كل ما في الطبيعة لتستخرج طيباتها، ولأنه تنجلي لها في مخلوقاته، عظمته.  فالعلم والدين بنظرها يلتقيان عند محجّةٍ واحدة هي الفضيلة والعبادة الصحيحة والسير الدائم إلى فوق في "معارج الإنسانية". ونراها تناشد نساء الوطن الذي تعددت فيه المذاهب أن يسمعن نداء بلادهن لهن ليجمعن قلوب الناشئة تحت لواء دين الوطنية والإنسانية وليبادرن إلى اقتلاع ما غُرس في الماضي من البذور الفاسدة، وغرس بذور جديدة صالحة لخير البلاد على قاعدة لكم دينكم، ولي ديني، والوطن للجميع.

 

شغلت أمور المرأة الدرزية اهتمامات عفيفة صعب فلم تترك جانبًا من جوانبه الاجتماعية، والثقافية ألا وعالجته في سلسلة من المقالات على مدى السنوات السبع وجهت في بدايتها نداءً تعبئ فيه شعور القراء فتقول: "إلى قومي، إلى المجموع العزيز الذي أرى في ماضيه عز المنعة، وفي حاضره التربة الخصبة، وفي آتيه الحياة السعيدة الراقية، أوجه صوتا هو صوت النفوس المتململة تروم مخرجاً إلى ساحة، وبهبة الحياة تريد أن تفيد وتستفيد".[63]  ومع تقديرها لميّزات ضمنت مقام مجتمعها في زمن مضى، فهي لا تعتبرها العدة الكافية للحياة المتغيرة في أوائل العشرينات. فالشجاعة المجردة عن العلم، والنشاط العاري من الهدف، والتقاليد المرعية بلا نقد لم تعد تكفي. فخير ما تحتاجه طائفتها الدرزية لتجاري العصر ومطالبه هو علم وعمل، اقتباس وإلغاء، تحوير وتعديل. ثم تعود إلى المحور الأساس، ما تسميه "نقطة البيكار"[64]، المرأة. فمهما سلك المجتمع من متشعبات الطرق في توخي الإصلاح لا بد من الرجوع إلى الطريق الرئيسي، ومهما حام حول المواضيع الإصلاحية يستقر به الجولان عند هذه النقطة. فالمرأة جذع البشرية ومصدر كل حياة عائلية وبالتالي نعيم الكون أو جحيمه. وتنتهي إلى حقيقة ثابتة عندها أنه لو جمع الرجل جميع حسنات الحياة، عبثًا ينشد كمالا بشريًا أو سعادة حقيقة ما دام ينقصه نصفه، أو ما دام نصفه ضعيفًا عليلا.

 

ثم نراها تحث المرأة على عدم البقاء في ظلمتها ساكنة مستسلمة راضخة بينما رجال الطائفة غافلين لا يتحركون لتناول أسباب الإصلاح الرئيسية ومعالجتها. ثم تهاجم الرجل وتتهمه بأنه مسؤول عن ضعفها الذي أصبح "متملّكًا بالإرث" فغارت مطامحها العالية في "لجةٍ من الذل بالعسف". ومن جهة أخرى يظهر التناقض عند الكاتبة إذ تعود فتشير إلى عدم قدرة المرأة على إصلاح نفسها فتبقى الأمر منوطًا بمؤازرة ولي أمرها. "فإن يكن صاحب هذه اليد التي أذلتنا وأضعفتنا وأهملتنا، أدرك خطأه الماضي وأحب تكفيرًا وإصلاحا فليرسم لنا خطة يراها وليبد أفكارا يرتئيها، على شرط أن يعمل بما يقول: وما يزرع الإنسان إياه يحصد"[65].

 

وتستهل عفيف صعب سلسلة من المقالات تحت عنوان: المرأة الدرزية، فتطرح في بدايتها مسألة تبرم الأهل من ولادة البنت ووجودها والتفضيل الظاهر للمولود الصبي عليها. ثم تتناول دور الفتوة فمشاكل الزواج، والأولاد، والحرية الشخصية والمسؤولية الاقتصادية تجاه العائلة والوطن. وفي كل هذه المجالات تتميز بالموضوعية وبالتحليل والعمق في معالجة ريادية. فما هو حال المرأة الدرزية بنظر عفيفة صعب؟

 

تخبرنا انه بعد "النظر في خدور المحجبات"[66] وجدت أن الصرامة في التربية والحجر والضغط الشديد في مرحلة الفتوة، هي السياسة المتبعة من الأهل، وفي ظنهم أنها الطريقة المثلى لصون الفتاة. أما هي، فيقينها أن عبور الفتاة إلى عالم الإدراك يحتاج إلى رعاية كبيرة من المربي، لذا تنصحه إشراك العقل والقلب في هذه المرحلة. فكلما زاد الاعتناء بالفتاة ازدادت حبًا واعتبارًا للوالدين. فما يعطونه خيرًا في هذا المجال يعود عليهم أضعافًا.

 

في مقالها الثاني تعالج موضوع الحياة الزوجية[67]، أهم نواميس الطبيعة، وقد سنت لها الأديان جميعها السنن الصالحة. وبين جميع مواقف الحياة الداعية إلى التبصر ترى أن الخطوة الأولى، أي الخطوبة، أكثرها إشكالا وادعاها إلى تحكيم العقل والقلب معًا، على أن لا يعطى هذا مجال التسلط على ذاك. وتعدد شروطًا يأتي بالدرجة الأولى اتفاق الأخلاق والمشارب، ثم التكافؤ العقلي بحيث يعتبر كل منهما الآخر شريكا يعادله في القوى الفكرية فلا يجد سبيلا للاحتقار والملل. ولا تغفل أهمية الحب المتبادل، لان الحب مذلل العقبات، والساتر المساوئ، والمكبر الحسنات، ومجلبة السلام ألبيتي. وتؤكد أن غاية الزواج لم تعد نفسها كما في الماضي، فقد ارتقت ما فوق المادة التافهة وصارت عند الشاب والشابة توقاً إلى شريك يشاطره الحياة. وخلافًا للتقاليد المتبعة، تصرّ الكاتبة على واجب التقابل والمخالطة على أن تبقى ضمن الحدود حرصا على الفتاة وخوفا من شبان يستغلون ضعفها. ولا تنسى مسألة التناسب في الأعمار بين الشريكين. وتسأل عن عدد الذين يراعون هذه النقطة في الزواج. وجوابها: "ألا إن في كل حي ومكان يردد الفضاء أنين نفوس مظلومة شقية من أليف لا تألفه، وزوج لا يفهمها ولا تفهمه، لو قيس عمراً بابيها، لساواه"[68] . ولكن عفيفة صعب لا ترغب إلى ثورة أنثوية. وحرصًا من أن يستغل بعض الجهلة هذا الموضوع ويجعلوا منه سببًا لمنع نسائهم من قراءة مجلة الخدر، تدعوهم لفتح أقنية حوار حول كل المواضيع المتعلقة بالمرأة حتى تلك التي كانت تعتبر في محيطها منن الممنوعات أو المحرمات[69]. فمسألة تهمّ طائفة بأسرها لا يمكن لفرد أكثر من أن يدلي فيه بخواطر وأراء قد تصيب وقد تخطيء.[70]

 

وتتابع عفيفة صعب معالجتها عالم المرأة الدرزية بمقال عن الزوج، وتتناوله كناقدة اجتماعية تستنهض مجتمعها إلى ما تسميه "السبيل الضنك". ويشعر القارئ بنقمة عفيفة صعب على رجال عصرها إذ تصف الرجل بذلك المستبد الذي يبغي مصلحته قبل كل شيء. فما أن تركت الفتاة كنف الوالدين إلى مماشاة غريب حتى "أضحت به مرتبطة ارتباطا تدري الشؤم في حله، قد يحبها ولكن أنّى له مجهر الوالدين تجاه الحسنات، والستّار، والمعدّ من ألياف القلوب للهفوات الكثيرات؟"[71] والمرأة مدعوة إلى تلبية كل طلبات الزوج ومجاراة كل إرادة له. وقد يقول البعض أن هذا انسجاماً. فتجيبه الكاتبة: "فسدت تسميته بالانسجام فكان إخضاعا يسترق نفساً لنفس، ضعيفاً لقوي؟"[72]  

 

وتخلص إلى القول بأن المرأة الدرزية بوجه عام وفيّة لزوجها مسرفة في الطاعة له فلماذا الخوف منها وعليها؟ "فهو كلما ازداد بها ثقة ازدادت بآدابها ضنا وعليها حرصا إلى أن يأتي يوم يتم لها في الصالحين، النفسي والعقلي، فيجد بين يديها جنته الدانية الغنّاء"[73].  ومن الملفت أن الخوف من اتهام المرأة المتعلمة بالتهتك والفجور شكلّ هاجسًا عند الكاتبة فنراها تكرر في هذا السياق الدعوة إلى مراعاة التقاليد. ويظهر التناقض هنا أيضا من حيث التركزّ على استقلالية المرأة ثم الدعوة إلى مراعاة الزوج[74]. وتتوجه إلى الرجل الدرزي فتناشده الرجوع إلى الأصل الذي منه اخذ صفاته ومميزاته، فيعي واجبه تجاه زوجته ففي الأصول الدينية وفي التراث "درس المستنير المستوعب وجدان الصراط الأعلى، أن يساويها بنفسه وينصفها من جميع ما في يده وهو لن يجد فوق هذا صراطا"[75].  فكل ما تبغي المرأة بنظر عفيفة صعب، هو كرامة لائقة تدري بها نطاقها فتجيد فيه قياما بشؤونه. إنما إذا لم تستطع مشاركة الرجل في كل أموره حتى الاقتصادية منها، واخذ المبادرة في بعض القرارات، لا يمكنها في هذه الحالة من المشاركة الفعلية لزوجها في الغبطة والخيبة. ونجد أن عفيفة صعب تقف موقف المدافع عن المرأة بكل تصرفاتها وتأتي لها عذرًا حتى في الأمور التي لا تبدو مقنعة بالكليّة. فمثلا نراها ترّد على من يتهم المرأة بالإسراف بأنها لو كانت مسرفة حقًا فذلك مرده إلى أن الزوج وضع المال تحت تصرفه بحجة انه العامل مباشرة على الكسب، وفي هذا ما يجرح كبريائها. فلو أنصف، لرأى تكافؤًا في أعمالهما ومتاعبهما، وبالتالي نزل عند ما يقضيه العدل من إطلاق يدها ماليا "إن لم يكن كلاًّ فبعضه"[76].

 

وتحت عنوان "المرأة المهاجرة" كتبت عفيفة صعب في موضوع مرافقة المرأة الدرزية زوجها إلى بلاد الاغتراب. وتحاول الكاتبة مواجهة ظاهرة كانت شبه عامة في المجتمع الدرزي في بداية الاغتراب، ظاهرة مهاجرة الرجل وتركة الزوجة تعاني المشاكل العائلية والاجتماعية نتيجة بقائها لوحدها. فالزوجان خلقا ليكونا شريكين يقضيان حياتهما معًا مشاطرين السراء والضراء. لكنها في الوقت ذاته تخشى عليها من عدم قدرتها على مواجهة تحديات التلاقي مع حضارة غريبة فتخسر معها التقاليد و"العصبيّة" التي حاول المجتمع الدرزي الحفاظ عليها لمدة قرون عدة. وتنتهي إلى القول: "أيهما نختار، المصلحة أم الكيان؟"[77]. وكعادتها تطرح المشكلة عبر صفحات الخدر وتلفت إليها أنظار المفكرين والكتاب لعلهم إذا تناولوها بالبحث والتمحيص يصلون إلى نتيجة يكون فيها الحصول على الغرضين وتلافي الخطرين.

 

ومن المشاكل التي كانت تعاني منها الطائفة الدرزية مشكلة غياب مجلس للملة يرعي شؤونها. وما أن أعلن عن فكرة تأسيس المجلس الملي الدرزي حتى تناولت عفيفة صعب هذا الخبر بفرح كبير وكتبت: "المجلس الملي الدرزي! ما أعذبه اسمًا جديدًا لم يسبق له مثيل في سجل طائفة هي بنت عشرة قرون. فهو الأمل في سمو الحياة، وله دور في الإمساك بأعنة القوى موجهًا بها في الطريق القويم مؤهلاً إياها لمقام عزيز"[78]. وإذ تسأل عن المهمات التي يتوخى القيام بها، تطالبه عدم السكوت عن الظلمة ضد المرأة، والعمل على تبديد غياهبها بما هو ضمن نطاق صلاحيته، وتدعوه إلى تأسيس مدارس ابتدائية في قرى لبنان كي لا تبقى الطائفة في جهل عام والمتعلمون الأقلية من أبنائها.

 

ثم تعرض أمامه حال الإهمال والتلف التي تتخبط به المجالس الدينية "فإلى متى تبقى قائمة أطلالاً ناطقة تشهد بخمولنا وانحلال رابطتنا الدينية؟"[79] والرؤساء الروحيون كثيرون، وكثرتهم قلة، ولكلٍ من الرجال الحق المطلق في ترسيم نفسه رئيساً روحياً وارتداء الحلة الرسمية رضي الأهالي أم غضبوا. "فهل نبقي على هذا النظام العديم الانتظام سائرين؟"[80] وبما أن تربية المرأة وتثقيفها في قمة اهتمامات الكاتبة، نراها تطالب المجلس بحصة في الأوقاف لتأسس مدرسة للبنات. فهي وإن سلّمت جدلاً أن المرأة الدرزية ضعيفة ومستسلمة لضعفها، فهل يجوز أن يتغاضى المجلس عنها؟  أم تحتّم عليه المسؤولية أن يرى في ضعفها ضعف المجموع فيخصص من مالٍ نصفه لها، بمقتضى العدل الصريح، لبناء الهيئات التثقيفية[81]. وتوجّه في هذا السياق انتقادًا لاذعًا ولومًا إلى المرأة الدرزية المتعلمة لإهمالها الأمور الحيوية، وتتهمها بالتقصير والتواني عن المطالبة بحقها في الأوقاف. فالمرأة الدرزية حسب رأيها، لا تعطي الاهتمام الواجب نحو نشر المعارف بين بنات جنسها مع أنها تعلم علم اليقين أن في ذلك الطريق القويم ما يوصل إلى الحرية الصحيحة، إلى الحق الذي يجب أن تتمتع به، وإلى احترام مقامها في الهيئة الاجتماعية. ولا تنسى عفيفة صعب أن مسألة الوصية في الإرث تعبث بحقوق المرأة الدرزية عبثاً إلى حد اعتبارها ملحقًا لا قيمة له، وكائناً لا احتياج به إلى أرث ولا جدارة بتصرف أو تملّك. وتسأل إلى متى يستمر هذا العبث، فتطالب من المجلس الملي أن يواجه هذه المشاكل الحيوية لما فيه خير المرأة.

 

شؤون اجتماعية اقتصادية وثقافية

ولم تترك عفيفة صعب مجالاً إلا حاولت سلوكه والتصدي له انطلاقًا من دورها في الصحافة النسويّة. فطرحت إشكالية الحرية بين الفرد والمجتمع، ومشاكل القومية العربية؛ وتناولت دور المرأة والاقتصاد ثم مساهمة الصحافة والأدب عمومًا في تطوير النهضة الاجتماعية والفكرية.

 

تبحث عفيفة صعب مسألة التفاوت بين الفرد والمجموع، من زاوية النـزاع الدائم بينهما، ذلك في تمرده وهذا في نقمته. الأول يُسرف جموحًا والآخر يُسرف جمودًا أو تقييدًا. ومن وراء الأول الهجرة والاحتكاك، ومن وراء الآخر ما ورث وما ألِف وما ضاق من دائرة حركة حياته الاجتماعية. وترى أن الفريقان يبقيان في نقمة وخصام إلى أن يلتقيا عند طريق متوسطة بينهما تجعل التفاهم سهلاً وتحتم عليهما "الجري معًا جريًا وتيدا ثابتًا إذا كانت السلامة ما يبغيان مع التحول المحتوم"[82].  لذلك تطلب من المجموع التنازل عن الكثير مما ألِف تقديسه والتشبث به. ولعل المجموع لا يبلغ هذه الغاية إلا إذا اقتنع بضرورة تعميم التعليم، وتوسّل إلى الاطلاع على مجريات العالم. فهو ما لم يلمس بيده ما يجري، غير معترف بوجوب ما يجب، وباقٍ يرهق النشء الجديد، ويضيق على الشبيبة مداخلها ومخارجها فيستنفذ صبرها ويحملها على العصيان، فالانفلات من قيوده جمعاء[83]. أما الفرد، فإذا استوضح ضرر الطفرة وتيقن من أفضلية التدرج، هدر من مطالب اندفاعه، وخفّض من شده هوسه، واحتمل بعض الحرمان من بعض الرغبات التافهة العوائد في سبيل "خير عام ورضا عام"[84].

 

من الواضح في كتباتها أن ليس للفرد غنى عن رضا المجموع وتقديره، وركوبه مركب المعاكسة والتمرد الدائمين لا يثمر سوى النقمة. والمجموع بحاجة إلى التشجيع على الإقدام "وتهور الأفراد يجفّله في تريثه فينقلب القصد وتلتوي النتيجة إلى عكس ما نروم"[85]. ومع هذا تصرّ عفيفة صعب أن الحرية الشخصية حق أصيل لكل فرد. ولكن تنتهي حرية الواحد حيث تبدأ حرية الآخر فإذا تماست الحدود تنبّه الحذر "وإذا اشتد الاحتكاك انتثر الشر ينذر بالضرام، لأن النفس ذوادة عن حياضها ما ملكت من الإحساس وحب الذات ما يدفعها إلى تنازع البقاء، ومن الصفات ما يسمها بالأنفة ويحبوها نيلها وشرفها."[86]

 

ونراها تطالب بالحرية والكرامة الشخصية حتى للمجرمين فترفض عقوبة الإعدام وتدعو إلى إلغائها أسوة بالأمم المتحضرة، وإذا تعذر ذلك فالتحفظ للمجرم قليل من الكرامة[87]. "وحسبكم موتهم، والموت ستار مهيب نريد أن ننسى وراءه مساوئ حتى أشقى الأشقياء إلى أن يأتي يوم يجيئنا فيه عدل اصح وأسمى يقول أن الإعدام جناية"[88]. ويبقى سؤالها: ما هو القصد من الإعدام؟ التخلص من المجرم تخلصاً باتاً أم إرهاب الأحياء بعده؟ ثم ما هو العقاب؟ الانتقام من الجاني أم تأدبه؟ أم إذا كانت الغاية من الإعدام التخلص من المجرم فكأن طبيباً يقتل مريضه تخلصاً منه. والمجرم مريض أيضا. وهي ترفض الإعدام على قاعدة أن حياة المرء من مهده إلى لحده مسودة بثلاثة أنواع من السيطرة لا بد منها: سيطرة والديه، سيطرة مهذبيه، وسيطرة حكومته. وجميع الحالات لاق بها التأديب دون الانتقام مهما تعاظم الجرم فلماذا الإعدام إذن؟[89].  ثم تطرح حلولا لإعادة تأهيل المجرمين ومنحهم الفرص للعودة إلى الانضمام إلى المجتمع.  

 

وفي نطاق آخر شغلت القومية وجدان عفيفة صعب، فآمنت بها ودافعت عنها ضدّ ما أسمته الهجمة الغربية[90].  وهي ترى في مفهوم القومية كل ما ارتبط من أجزاء مجموع بربط تجري موحدة لتكوّن منها كيانا اجتماعيّا مستقلاً له ميزاته وخصائصه وسماته. واللغة إنما تنشأ بنشؤ القومية، فهي في جميع حالاتها ملازمة لها. ولا تخفي عفيفة صعب قلقها من أن اللغة والقومية عنصران على وشك التداعي بسبب الفتوح والتدخلات الخارجية القوية بمعداتها "المزينة" التي لها سطوتها على السواد السذج، أو بمعدات لها هيبتها في قلوب الأقلية النبيلة. وأما البعثات الأجنبية، الدينية منها والعلمية، التي شيدت المؤسسات على قواعد لغتها وعاداتها وآدابها، جعلت من أهل البلد فرقًا وميولاً وآدابًا ولغات متباينة متنافرة مبلبلة لا ينسجم لها نظام. وفي وقفة تأمل تسأل إن كانت هذه مصلحة الأجنبي فما هي مصلحة أهل البلد؟ فتنبّه أنه ما زال في الوقت متّسع يتيح الاستصلاح، إذا وجدت فعلاً إرادة ومعرفة وإخلاص. وتخاف من عدم القدرة على مقاومة هذه التيارات وقد أصبحت "لغتنا تتراجع إلى مخابئ الجبال أمام الدخيل المواتي لأهواء الطيش ورغائب المجون؟"[91]

 

وبالإضافة إلى ذلك تناولت العبارات الدخيلة والأسماء الأجنبية والأزياء الغريبة والزينة التي أخذت طريقها إلى المجتمع اللبناني. وهي على يقين من أن الغرب لا يعترف لنا بقوميتنا. ويقلقها أن الكثيرين ثقلت عليهم جنسيتهم العربية حتى راحوا يستشهدون التاريخ ويستجوبنه، واتوا بالخبر اليقين أن لا عرب في الجنسية من أبناء البلاد سوى قلة، وان سائر الشعب خليط من الأمم الفاتحة التي اجتازت البلاد أو استعمرتها أو امتلكتها زمنًا[92]. وعفيفة صعب ليست في موضوع البحث عن الهوية الماضية ولكن، وقد اختلطت هذه الشعوب لتؤلف مجتمعًا واحدًا، فهي تحتّم عليها تعزيز هذه الجامعة وأداة تفاهمها، والتمرّس في المناعة إزاء كل ما يهددها ويفتّ في عضدها. "وما أكثر ما يهددها!"[93]  وتنبه إلى خطورة الأخذ بتيار رسل الأجانب، رسل تجارتهم ورسل نفوذهم ورسل لغاتهم، والاندفاع إلى استهلاك وارداتهم، فنراها تبعث الحماس في أهل البلد لاستعادة القوى المنهوكة لتبنى قومية منيعة وتنفتح البصائر على صغاره الانتحال والعجمة. غير انه لا يجدي قول لا يعززه العمل، ولا يجدي عمل الأفراد ما لم يؤازرهم المجموع.  وهنا يأتي دور "الأمهات المتهذبات حقًا، والأساتذة الوطنيون حقًا، والمدارس الوطنية حقًا، والصحف الوطنية حقًا" هم وحدهم المخولون القيام بهذا العمل، وتقع على عاتقهم مهمة بعث الروح الجديدة في الأمة، وصقل الناشئة الصغيرة الموضوعة بين أيديهم "لترصف بها جدران البناء الجديد."[94]

 

"وإزاء واجب استبقاء الإرث واستثبات قومية بارزةً وسط القوميات المتطاحنة، واستجماع ما تشتت من شمل اللسان المضطرب في برج الألسنة، يشعر من يحسّ من نفسه عزّةً بخطورة مسؤوليته وبوسعه، مهما صغر وتوارى في المجموع، أن يبّشر برسالته القومية فيحتفظ باللغة والميراث".[95]

 

ومع هذا نرى أن عفيفة صعب لا تدعو إلى التقوقع، وهي مؤمنه بالتثقيف والحوار بين الحضارات وأنه لولا اختلاط الأمم بعضها ببعض ما كان التنافس يعلو بمخترعاتها وبمكتشفاتها وتقدمها إلى الأوج الذي وصلت إليه. ولولا اختلاط الناس المختلفي الأوطان والمشارب والطرق، ما اتسعت دائرة المعارف والاختبارات الأدبية والاجتماعية. ورددت في عدة مقالات إن في احتكاك الأفكار شرار الحقيقة[96]. وفي الوقت ذاته تعرض صراع الناشئة الدرزية بإزاء التعليم والتمدن الغربيين. فترى معارك فكرية بينهم وبين الرأي العام المحافظ الذي "يرمي نبال الانتقاد على ناشئته المتعلمة"[97]. فعوض اتهامهم بالانحياز إلى العالم الغربي، وليس ذلك بالعجب، تدعوهم إلى الاعتراف "بفقر" الطائفة من الجهة المدنية. فهي تمسكت منذ وجدوها "بسْفر من التقاليد" احتفظت به فلم تحوّر منه حرفاً واحدًا على مدى السنين. فلو أنها تصفحت تاريخ العالم ضمن العشرة قرون الأخيرة لأدركت قيمة الوقت الذي أضاعته[98]. ونراها لا تتوقف عند حد اللوم، بل تدعو إلى اخذ العبرة من الماضي والاهتمام بالحاضر، والاستعداد للمستقبل. ويتبين من طرحها أن الطائفة أمام أمرين متناقضين، فمن جهة تسعى إلى إنارة عقول ناشئتها بالعلم، ومن جهة أخرى تحاول استبقاء التقاليد والعادات القومية. ولكنها لم تنل الأمرين لان الناشئة بدخولها المدارس على اختلاف نزعاتها وجنسياتها واختلاطها لمحيط مختلف النزعات والمذاهب، راقها ما رأته من الحرية الواسعة. ثم مع تلقيها العلوم والفنون والمبادئ الأدبية الأجنبية قامت في رؤوسها معارك فكرية وفي نفوسها حروب أدبية تصارع فيها القديم الضيق والحديث الفسيح المريح، وتقابل فيها نسق الحياة البسيطة الجامدة الخالية من حركة، ونسق الحياة المدنية الواسعة النطاق المملوءة بالفنون والمعارف وأسباب السرور. "وأيها تختار النفس إذا أطلق لها العنان وخيرت بين واحد من الاثنين؟"[99] الجواب محسوس برأيها والناشئة اختارت الحداثة. وهي تنصح الطائفة بأن تضحي بالقليل لتنال التقدم المطلوب. فإن في العادات ما يجبب تحويره، وفي التقاليد ما لا بد من تحقيق شدته. والطائفة ليس بوسعها الاختباء في زاوية من زوايا الكون لان المصالح مشتبكة.

 

"وإذا كان لا بد من التعديل والتحوير فليكن تساهلنا اختياريًا...التحوير والتعديل والاقتباس لا بد من حصوله... والتكيف بمقتضى الزمان والمكان حاصل لا ريب فيه. ولكن كل يوم نضيعه بالوقوف والجمود هو سنة تضيع من عمرنا وحجر يهدم من بناء كياننا. ’الآن‘ هو قاعدة العمل الذهبية."[100]

 

 وتطرقت عفيفة صعب إلى المشاكل الاقتصادية التي عانت منها البلاد بعد الحرب الكبرى. ورأت أن المسألة تحتاج إلى الحكمة في التدبير والتخفيف ولو قليلا من وطأة تلك المعاناة. وهناك مسؤولية كبيرة يلقيها الوطن والأمة على الأمهات اللواتي تعلّمن وعرفن معنى الحياة السامية، وأدركن مقامهّن من الكون. فعليهنّ تلقى تبعة ما ينتج عن الإسراف الحالي من الفقر والدمار[101].  فالجميع إذن مطالب بدعم مجهود الإنتاج الوطني، ولو مع قليل من التضحية بالنسبة إلى نوعية المنتجات على أقله في بادئ الأمر. وتستنهض النساء لشراء كل ما هو وطني حتى في المجالات التي يتفوق فيها الغرب. فانتعاش المصنوعات الوطنية والمحافظة عليها يرتكز إلى حدّ بعيد على تأييد النساء لها على أسس ثلاثة: الاقتناع بوجوبه، صحة العزم عليه، الصلاحية له. وتنتهي إلى خلاصة بأن للمدارس الوطنية دورها في هذه النهضة من حيث الاستهلاك والإذاعة. وهي مقتنعة بأن ما يُغرس في المدرسة اليوم يصبح المبدأ العام غدًا. "وليس إلا عن طريق المدارس استطاع الغرب النفوذ الذي أراده لنفسه بيننا، وهو سبيل راهن لا يفشل ولا يضّل".[102]

 

 ولا تغفل مسؤولية الأغنياء تجاه مجتمعهم. فالغنى بنظرها، قوة، والأغنياء هم الأقوياء لذلك عليهم تجاه الإنسانية واجبات جمّة من حيث مواساة الفقير وإنصاف الضعيف، وإعانة العاجز. فمهما كان للمال من أهمية، وهو أمر متعارف عليه منذ ابتدع المال، يبقى "تجربة عظيمة غرارة ما لم تتحصّن النفس إزاءه بالعدة الكاملة من الإرادة القوية، والتربية الصالحة، والعرق الطيب"[103].

 

وفي معرض بحث الوضع الاقتصادي، تناولت أيضا مشكلة هجرة الشباب اللبناني. فنراها قلقة، فتيار المهاجرة بعد الحرب الأولى أصبح جارفًا، "وشبيبة هذه البلاد بكامل عدّة الفلاح تركب متن الأنواء إلى حيث تعتقد تثمير ما أوتيت بغلال تتكافأ معه"[104].  وهي ترى أن هذا الاعتقاد نزل من الشبيبة منـزلة اليقين فلن تتحول عنه إلى أن ترى من الواقع المحسوس ما يكذّب سوء ظنها بقومها وبلادها وحكومتها، فكأن بين سن الرشد وشركات التسفير معاهدة تعاقد الفريقان على تنفيذ شروطها "فلا يبلغ صفٌ من الناشئة ذاك حتى يناوله هذه بما أدّرعه من عزم ومعرفة وإيمان لتقرّ في ارض الوفرة والخصب"[105].

 

وتجيب بموضوعية على سؤال: من الظالم في هذه الهجرة، البلاد أم أبناؤها؟ "فلو كانت الحكومة وطنية متجردة لسألتها بيقين الولد بأمه، أما والبلاد تحت الانتداب "فالسكوت أولى"[106]. وبكلمة أخرى الحكومة غير مسؤولة عن الغيرة المجردة. وبما أن البلاد غنية بالمرافق وموارد الرزق، يبقى على أبناء البلاد، أصحاب الأموال وأصحاب السواعد، أن يتكاتفوا وألا يضيعوا الموصل اللازم بينهما المثمر لاتحادهما، وهو التعاون. فحلّ مشكلة الهجرة حسب تحليل عفيفة صعب إذن، هو بقيام تعاون مخلص بيّن، والتبعية على كليهما في عدم إيجاده. وكتبت تحذرهم: "فإذا ظل التعاون معدومًا فانعِ بلادًا ترى بعد أعوام مأوى للعجزة ومترّبعًا لأرباب الوظائف ومسرحًا للأثرياء، أو قل، وهذا أقرب، مرتعًا لأجانب رأوا تخاذلنا واستفادوا فجاءوا بلادنا مغتنمين وكانوا بكنوزنا أحق وأولى"[107]. وترجع إلى مبدأ التربية الأول وهو المدارس الوطنية. فتستصرخ المدارس إلى الانتباه لنوع التربية الوطنية، وتحبيب البلاد إلى بنيها، واستنهاضهم إلى تعميرها. 

 

وتطرقت عفيفة صعب إلى الصحافة وأنكرت على الأكثرية المعاصرة اعتبراها من الكماليات وعدم تنبهها إلى الحاجة إليها. وبما أن الحاجة تبقى أساس الرغبة، فما لم يبلغ الشعب المبلغ الذي تصبح القراءة معه حاجة ماسة يبذل في سبيل نيلها بذله في سبيل الضروريات، فلن ترجو صحافته عصرها الذهبي[108]. ومن يقرأ افتتاحية السنة السابعة يشعر أن عفيفة صعب قد يئست من مشاركة نساء محيطها في مشروع مجلة نسائية، ومن هنا تبرز رغبتها في محاولة، ربما عرفت ضمنًا أنها محاولة يائسة، إلى إعادة قراءة دور الصحافة الجدّية الملتزمة في النهضة النسائية.  ويبدو لنا من هذا الطرح أنها بدأت تشعر بانحسار دور الصحافة النسائية وأنها وبعد السنوات السبع التي جاهدت فيها لإنجاح مشروع مجلة الخدر، ترى من واجبها تصويب المسار بالعودة إلى الأساس، أي القراءة. وكأنها شعرت أن اهتمام المرأة المتعلمة قد أصبح في مكان آخر تمامًا، وربما رغبن الصحافة التي تجذب الجمهور بالطلاء والإطراء، وليس تلك التي تجتذبه بالجوهر "الكاسي كسوة الرصانة والصحة"[109]. فهي ترى الأولى تفعل فعلها في الذيوع والرواج، بينما الثانية يقتضي لها من "إعنات روية القراء ما لا يصبر معظمهم عليه"[110]. ولا شك أنها بمقتضى هذا التصنيف تعتبر مجلة الخدر ضمن القسم الثاني.

 

ولا تنكر عفيفة صعب وجود فئة من الأدباء التي لها الاهتمام ذاته. ولكنها تطرح السؤال: لماذا نقرأ؟ والإجابة أن العصر متغير بدينامكية كبيرة، وعلى أبنائه أن يكونوا على اتصال وتفاعل مع العالم. والمستفيد الوحيد هو "القارئ الذي يبذل ضئيلاً ليفوز بالوافر من المعرفة والنور". وليس ما يرفع الفكر إلى الحقائق بمثل ما ترفعه "ثمرات الأفكار الساهرة على استخراج الحقائق من إبهام الظاهر وتغريرها"[111].  أما ماذا نقرأ، وهناك هذا الكمّ من المواد، فتترك الاختيار للقارئ حسب الرغبة أولا، ثم حسب الفائدة. وتخاطب الشعب العربي فتدعوه إلى قراءة ما يمشي به مع الأيام خطوة خطوة، ويربطه "بقاصي الأقطار ودانيها برابطة المعرفة والتفاهم"[112]. وتبقى الصحافة للشعب عونًا على توحيد الأفكار "واختمار الروح العامة بالخير العام"[113]. وبين مجلة الخدر وبين القراء شراكة، "نوقن برغبتهم في بقائها وتوثيقها، ونؤكد لهم سهرنا سعيًا إلى الغرض بأقوم السبل واضمن الوسائل"[114]

 

ثم تتحدث عن العبرة في الإنجاز التي قامت به مجلة الخدر وهي تخاطب "أختي ربة الخدر وقارئة الخدر"[115]  وتطلب منها ثقة وعوناً. وإذا كانت قد استفادت مما قرأت، فلتمد يد التعاون لأنها لا تستطع أن تقوم بهذه المهمة بمفردها. وعفيفة صعب لم تفقد الأمل في أن يساهم مشروعها في اتساع أفق المرأة، وتزويدها بزخم وقوة فتلمس حقها بالحرية والكرامة. فلم يعد المنـزل سجناً بل أصبح تلك الجنة التي بوسعها أن تجعلها مقر سعادة لرعيتها وان حبها للمنـزل ازداد بما انه أصبح البقاء فيه اختياريًا لا فرضاً. وتوجه كلامها إلى وصي ربة الخدر أو القيّم عليها وتطلب إليه أن يدرك موقف المجلة من العصر وأن النهضة واجبة، كما تطلب إليه أن يعاضدها وتصّر بأن المرأة المثقفة خير عون له. وتحّذر من أن الحركة الفكرية تمتد بسرعة لم يعهد لها سابق مثيل وتكاد تعم الكون بأسره. فعلى المجتمع اللبناني أن يواكب هذا التطور علها تسري إليه العدوى وتجد عنده أمزجة قابلة مستعدة تستأنف المسير.

 

"فلعل في الآتي تحقيق أماني الحاضر، ولعل زمنًا نرى فيه لأنفسنا مجدًا مشيداً، غير بعيد. والأماني تحققت أو خابت، والمجد شيّد أو تعسر تشييده، فالسير خير من الوقوف، والموت في ساحة الجهاد الحيوي أشرف واعزّ من حياة خمول وسكون".[116]

 

وفي وقفة تأملية تحدثنا عن إيمانها بتوسيع نطاق حبها الإنساني "فمن وراء الوطن المحدود، والقوم المحصور بعدد، صوت الإنسانية التي تصلني بكلّ ابن إنسان بصلة أخوة لا تنفصم. هذه الأخوة، إذا عُدّت الصلات، أحوجها إلى التوثيق بمحبة شاملة منعتقة من الحدود والأغلال"[117]. وهي ترى الحياة دورة تدور تواليًا ودوامًا في اخذ وعطاء. وتتعهد لنساء جيلها بمشاركتهن بكل ما لها من معرفة تبثها حيث ترى حاجة إليها، "أتزيّد لأزيد"[118]. وإن كانت لها قوة، تضعها حيث الضعف ينال بها بعض العزم، وستستمد من مصدر القوة قوة لتزداد قدرتها على العون. وإن كانت لها سعة فستفتقد بالبذل مواطن الضنك، ثم تجد تحصيلاً لتنصف الأخوة المقعدة العاثرة.  وتبقى عليها مسؤولية إصلاح النفس، وخدمة القومية عن طريق مهنتها في الصحافة والتربية، وثم توسيع نطاق حبها الإنساني وتنفيذ أحكامه بما تدركه قوتها.

 

وهي اختارت طريقاً شاقة، تشبه مجهودها بباقة ورد شوكها أكثر من ورودها. والشوك هذا هو المسؤولية الجسيمة التي قررت أن تتحملها ثم تستدرك فتقول: "مَن ذا الذي احملّه منتي، والمرء مسؤول في كل حال؟ مسؤوليته الكبرى مسؤولية الحياة ذاتها، وقد أودعت جوهر العقل والضمير."[119] . وعفيفة صعب أبت أن تكون الجزء المشلول الطفيلي ورغبت في أن تسير في "موكب إحياء الأحياء"[120] حاملة حملها الذي اختارت، وغايتها مع السائرات في طريق المسؤولية هي واحدة، غاية الارتفاع الدائم. وهناك صوت في داخلها يصرخ "أن نقائصي لكثيرة وأن أوجاعي لمبرحات. وأي الكائنات أولى باهتمامي، وتعهدها أقوم السبل إلى الصلاح العام؟ هو نفسي القائلة: أنا الحجر الفرد، أكفني نحتاً وصقلاً يستقيم بناءٌ قام من تعددي واتحادي".[121]

 

وعفيفة صعب تهدف إلى دفع اللبنانيات إلى التضحية من اجل خدمة الوطن بما تكسبنه من العلم. الوطنية من هذا في خطر وتداركها واجب بالحكمة والإخلاص. وفي الوقت ذاته تنبّه إلى آفة التقليد الذي يُعجم من أبنائه وبناته المبادئ والعادات، والذي يسدل على إرادتهم الطبيعية غشاءً من الغرور فيصبحون بعد حين لا شرقيين ولا غربيين يعترف بهم. ثم كتبت تناشدهن:

"يسألك الوطن مداواة علة الإسراف الذاهب بالثروة الوطنية إلى الخزائن الأجنبية والمؤدي إلى فقرٍ يكون اشد فتكا بالوطن من ولاته الحاضرة. يسألك تدارك لغة العرب بالتعزيز لإرجاع المجد الغابر الأثيل. فمهما تباينت آراء الباحثين والمتعصبين والمتطرفين في أصل الأمة. قالوا سريانيةٌ هي أو فينيقية عبرانيةً أو كلدانية، هي عربية بلغتها، عربية بلسانها ولسان أجدادها وأجداد أجدادها"[122].

 

خاتمة

لم تكن غايتي في هذه الورقة دراسة الصحافة النسويّة في العشرينات أو المقارنة بين عفيفة صعب وبين زميلاتها اللواتي ساهمن في النهضة النسائية بوجه عام، جل ما سعيت إليه هو أن ابرز دورها الريادي في مجتمعها المحافظ. وتعتبر الخطوة الأولى التي صدرت عن عفيفة صعب في سبيل الصحافة، بل في سبيل المرأة الشرقية عمومًا والدرزية خصوصًا، حرية بالتقدير. فهي الأولى بين بنات مجتمعها التي أبصرت النور من وراء الحجاب وشعرت بما عليها من الوجبات وهي في الخدر، وأدركت ما لها من الحقوق المهضومة، ولمست حقيقة مركزها في هذا العالم، ورفعت صوتها من الهوة العميقة التي دفعتها إليها الأنانية ممن يدّعي حمايتها وصيانة حقوقها، فكانت ذلك النور الذي تستنير به المرأة الغارفة في الظلمة. وهي الدرزية الأولى التي انتصبت بين أخواتها لتنادي بحريتهنّ وتطالب بحقوقهنّ المهضومة، فسبقت فتيان طائفتها إلى عالم الصحافة الراقية. فلا شك أنها استحقت عبارات المديح والثناء التي أغدقها عليها معاصروها[123].

 

وقد رأينا في هذه القراءة السريعة لمقالاتها كيف التزمت الدفاع عن المرأة الدرزية، وقلقها من التهميش الذي تعرضت له من المجتمع الذكوري. فطرحت حلولا لمشاكلها مستمدة من كتابات رائدات النهضة الشرقية ومن تجارب المرأة الغربية. وهمها الأساس تعليم الفتاة العلوم الراقية التي تتناسب ومتغيرات العصر. فالعلم هو ذلك الصاقل للصفات الطيبة، والحافز إلى الإبداع والتقدم والمحافظ على التقاليد. وبجرأة غير مألوفة لفتاة في سنها ومحيطها المحافظ، هاجمت رجال الدين واتهمتهم بالجهل والتقصير واعتبرت كثرتهم قلة ونادت المجلس الملي لتبني إصلاحات أساسية. ولم تتوانى عن مهاجمة سلطة الانتداب الفرنسية حين رفضت طلبها لإنشاء المدرسة الأناثية.

 

ومع هذا بقيت عفيفة صعب محافظة على تقاليد مجتمعها وملتزمة الحجاب. وتخبرنا في أكثر من مناسبة أن وقت السفور لم يحن بعد. ولكنها، وإن لم تستطع اخذ الخطوة الأولى، تبقى المؤمنة بحتمية التقدم وعلى يقين أن السفور آت لا محال[124]. وهذه الخشية من اخذ المبادرة، والحرص على مداراة المجتمع، ظهرت في دعوتها المتكررة إلى الرجل إلى ابدأ الرأي عن كيفية التغير المطلوب والتركيز على دوره الفاعل في نهضة المرأة. ومن اللافت أن عفيفة صعب في معالجتها لأية إشكالية تقمصت دور "الفتاة" بمفهومها الأشمل، وأدخلت "الأنا" في طرحها للمشكلة والعلاج. وهي لا تخفي عدم ارتياحها إلى تصرف زميلاتها المتعلمات والى إغفالهن الجوهر بتقليدهن الغرب في الأمور التافهة. وتطلب إليهن السعي والتعاون لما فيه رفعة المرأة الدرزية، وتأسف لعدم التجاوب المطلوب.

وبالإضافة إلى ذلك تفهمت عفيفة صعب العلاقة بين التقدم الاقتصادي والتقدم الثقافي، فحثت المجتمع على حماية الصناعات الوطنية في وجه هجمة المنتجات الغربية. وفي مجال آخر شعرنا بإنسانيتها العميقة عند المناداة إلى إلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بمشروع تأهيل المجرمين.

ويأتي بالدرجة الأولى عندها الانتماء الطائفي الذي كان له ولا شك في بداية القرن الماضي أهميه وأولوية. وقد رأيناه بوضوح في مقالات عفيفة صعب على تنوع موضوعاتها، فطغى إدراك الذات على طرحها وتحليلها. فهي الفتاة الدرزية بالدرجة الأولى، تأتي بعدها قوميتها العربية وانتمائها الوطني. وإدراك الذات هذا لم يؤدِ إلى تعصب طائفي أو انغلاق على الآخر، وإنما تبلور حرصًا على مجتمعها من استمرار حال التخلف الثقافي والعلمي الذي كان يعاني منه. فدعته إلى الانفتاح والى الأخذ من الثقافة الغربية ما لا يتعارض مع الهوية القومية. كما ركّزت على نبذ الطائفية والمشاركة الفاعلة في تنشئة المواطنة الحقيقة في مجتمع يرزح تحت نير التفرقة البغيض. 

 

ونختم كما بدأنا بعبارة مأخوذة من أقوال عفيفة صعب:

"يوم وضعنا الخطوة الأولى في سبيل الانعتاق، وأرسلنا طرفا ناقماً إلى قيود الجهل والاستسلام، لم نحلم قط أن سنشهد يومًا مجد الضعف يباري مجد القوة، ولا جسرنا على تخيل الدماغ المضغوط بكابوس الدهور والقوى المحبوسة وراء أقفال من حديد، تستطيع تملصًا من كابوسها، وانفلاتًا من معاقل أسوراها، ويبقى لها من النشاط ما يدرك بها، في زمن قصير من التفوق، أعلى أعاليه"[125].  


 


[1] عفيفة صعب، "القيود"، الخدر، 7(كانون الأول، 1925)130.
[2] ولدت عفيفة فندي صعب (1900-1989) في بلدة الشويفات من جبل لبنان. درست في مدرسة الانجليز، وتخرجت من مدرسة بروكر التي أصبحت فيما بعد مدرسة الشويفات الوطنية أو مدرسة القسيس طانيوس سعد. مارست التعليم لسنوات عدة في لبنان وفي العراق ثم انقطعت لادارة مدرسة الصراط التي اسستها سنة 1925 بالاشتراك مع شقيقتيها الاديبتين فطينة وزباد. أنظر: محمد خليل الباشا، معجم اعلام الدروز، جزءان، المختارة، لبنان: الدار التقدمية، 1990، 2/85؛ اديل حمدان تقي الدين، المرأة في مجتمع الموحدين الدروز بين الامس واليوم، بيروت: الفرات للنشر، 2004، ص 146-148.
[3] عفيفة صعب، "الافتتاحية"، الخدر، 2(تموز، 1920)3.
[4] ورد في جدول من اعداد اميلي فارس ابراهيم ان مجلة مينرفا لصاحبتها ماري يني بدأت بالصدور سنة 1917. وعند مراجعة ارشيف مكتبة الجامعة الاميركية في بيروت تبين ان اول عدد من هذه المجلة صدر سنة 1923. فضلا عن ذلك ذكرت سلمى صائغ في العدد الأول من مجلة مينرفا ان "اخوات" مينرفا حسب الاقدمية: العروس، الفجر، الخدر، المرأة الجديدة، والحياة الجديدة. كذلك اغفلت اميلي فارس ابراهيم ذكر مجلة "العروس" التي انشأتها ماري عبدة عجمي سنة 1910. وقد اطلعت على العدد الأول ضمن ارشيف مكتبة الجامعة الاميركية في بيروت. أنظر: سلمى صايغ، مينرفا، 1(نيسان، 1923)5؛ اميلي فارس ابراهيم، الحركة النسائية اللبنانية. المجلس النسائي اللبناني. بيروت: دار الثقافة، لا تاريخ. ص 128-129. 
[5] صدر العدد الاخير من مجلة الخدر في حزيران سنة 1926. ولم تذكر عفيفة صعب في افتتاحية ذلك العدد أي سبب يحملنا على الاعتقاد أنه العدد الاخير أو ان المجلة كانت تتعرض لمشاكل قد تؤدي إلى إغلاقها. والارجح انن التنافس بين المجلات النسائية، والعبء المادي وراء هذا القرار. للمزيد من المعلومات حول ظاهرة اقفال المجلات النسائية في مطلع القرن العشرين أنظر: نهوند القادري، "صحافة اللبنانيات وجمعياتهن في العشرينات؛ وجهان لعملة واحدة" في النساء العربيات في العشرينات حضورا وهوية. بيروت: تجمع الباحثات اللبنانيات، 2001. 
[6] اديل حمدان تقي الدين، المرأة في مجتمع الموحدين الدروز، ص 146.
[7] محمد خليل الباشا، معجم اعلام الدروز، 2/85. تحدثت عفيفة صعب عن خبرتها في العمل الاجتماعي في مقال بعنوان: "باقة زهور من روض جامعة السيدات"، الخدر، 2(آذار، 1921)344-346. 
[8] اديل حمدان تقي الدين، المرأة في مجتمع الموحدين الدروز، ص 147.
[9] عفيفة صعب، "المقدمة"، الخدر، 1(تموز، 1919)3.
[10] المصدر السابق.
[11] عفيفة صعب، "الناس اعداء ما جهلوا"، الخدر، 1(تموز، 1919)37. 
[12]  المصدر السابق، ص 36.
[13] عفيفة صعب، "الافتتاحية"، الخدر، 4(تموز وآب 1922)5.
[14]  عفيفة صعب، "المقدمة"، ص 6.
[15] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، كلمة تمهيدية"، الخدر، 3(آب، 1921)49.
[16] خلافًا للاعتقاد السائد أن نظيرة زين الدين هي اول سيدة درزية تناولت مسألة الحجاب بشكل علني فأن عفيفة صعب كتبت المقال المشار اليه سنة 1921 أي قبل صدور كتاب "السفور والحجاب" بسبع سنوات. وتبقى حقيقة ثابتة وهي أن نظيرة زين الدين كانت الرائدة في دعوتها إلى السفور. للمزيد من المعلومات عن آراء وكتب نظيرة زين الدين أنظر: نازك يارد، "نظيرة زين الدين (1908-1976) بين التحدي والالتزام"، في النساء العربيات في العشرينات حضورا وهوية. بيروت: تجمع الباحثات اللبنانيات، 2001
[17]  عفيفة صعب، "المقدمة"، ص 3.
[18]  المصدر السابق، ص 4.
[19] عفيفة صعب، "عالم المرأة"، الخدر، 4(كانون الثاني، 1923)352.
[20] المصدر السابق.
[21] المصدر السابق. 
[22] شفيق القاضي، "هل يغاير الدين الدرزي؟"، الخدر، 2(ايلول، 1920)102.
[23]  عفيفة صعب، "المقدمة"، ص 5.
[24]  المصدر السابق، ص 4.
[25]  المصدر السابق، ص 5.
[26] المصدر السابق.
[27]  المصدر السابق.
[28]  المصدر السابق.
[29] معروف الرصافي، "نساؤنا"، الخدر، 4(كانون الثاني، 1922)344-346. 
[30] عفيفة صعب، "المقدمة"، ص 6.
[31] احمد تقي الدين، "إلى طفلتي"، الخدر، 3(كانون الأول، 1921)206؛ جميل وحليم تقي الدين، ديوان الشيخ احمد تقي الدين. الطبعة الثانية. المجلس الدرزي للبحوث. بيروت: 1982، ص 80.
[32]  عفيفة صعب، "في الصراط"، الخدر، 6(كانون الثاني، 1925)306.
[33] أنظر الجدول الذي اعدته نهوند القادري والذي يثبت ادعاء عفيفة صعب. نهوند القادري، "صحافة اللبنانيات وجمعياتهن في العشرينات"، ص 93-95؛ اميلي فارس ابراهيم، الحركة النسائية اللبنانية، ص 128.
[34] عفيفة صعب، "الفرد والمجموع"، الخدر، 5(نيسان، 1924)490.
[35] عفيفة صعب، "حركة في الإسلام"، الخدر، 6(كانون الثاني، 1925) 306-307.
[36] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، الفتاة"، ص 203.
[37] عفيفة صعب، "المدارس الأناثيّة"، الخدر، 4(1923)390-394.
[38] افتتحت مدرسة الصراط في عالية سنتها الدراسية الأولى سنة 1925. وقد اوردت المجلة نص الخطاب الذي القته عفيفة صعب في مناسبة تدشين المدرسة في 23 تشرين الثاني من تلك السنة وذلك بحضور نخبة من الاعيانن والادباء. وتكلم في الحفل أيضا الأمير امين ارسلان، جورج باز، ومحمود سلمان عزام. انظر: الخدر، 6(كانون الثاني، 1925)290-294.
[39] عفيفة صعب، "المدارس الأناثيّة"، ص 393. اوردت مجلة الخدر بعض الردود التي تؤيد فكرة إنشاء المدرسة الوطنية لتعليم الفتاة. غير ان هذه الردود لا تعطي فكرة واضحة عن تقبل الطائفة عمومًا للمشروع، فربما أُغفلت عنن قصد رسائل المعارضين له. انظر: شاهين ابو علي، فريد طليع، عارف يونس، احمد تقي الدين، عبد الله الريشاني (مترجمة عن الاصل باللغة الانكليزية)، الخدر، 4/، 498، 532؛ 5/167، 220، 307.
[40] عفيفة صعب، "المدرسة الداودية الدرزية"، الخدر، 2(ايلول، 1920)86.
[41] عفيفة صعب، "الغريب في وطنه"، الخدر، 5(1924)396.
[42] المصدر السابق، ص 397.
[43] هناك الكثير من الابحاث التي تناولت العلاقة المتشنجة بين الطائفة الدرزية وسلطة الانتداب الفرنسية والتي أدت إلى اندلاع الثورة الكبرى في جبل الدروز سنة 1925. نشير إلى بعضها: عادل أسماعيل، السياسة الدولية في الشرقق العربي 1789-1958. 5 أجزاء. بيروت: 1962؛ منير الريس، الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي، الثورة السورية. بيروت: دار الطليعة، 1969؛ حسن امين البعيني، دروز سوريا ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي 1920-1943. بيروت: المركز العربي للأبحاث والتوثيق، 1993. 
[44] عفيفة صعب، "الغريب في وطنه"، ص 398.
[45] رفض المفوض السامي الفرنسي الجنرال ويغان طلب عفيفة صعب بحجة ان مدرسة واحدة للبنات في عالية تفي الحاجة. ومعلوم ان المدرسة التي اشار اليها هي مدرسة الراهبات. وتناقش عفيفة صعب فائدة القانون - مدرسة واحدة للقرية الواحدة – وتذكّر أنه يوجد في مسقط رأسها الشويفات خمس مدارس للبنات، ومدرسة في قرى دير قوبل، شملان، عبية، عيناب، بعقلين وغيرها، ولكنها مؤسسات لا يد للدروز فيها. أنظر: المصدر السابق، ص 397-398. عن المدارس في لبنان في تلك الفترة راجع ما كتبه احمد ابو حاقة، "دور لبنان في النهضة العربية الحديثة، 1850-1975". في لبنان في تاريخه وتراثه، جزءان. بيروت: مركز الحريري الثقافي، 1993، 1/489-492.
[46] عفيفة صعب، "الغريب في وطنه"، ص 399.
[47] المصدر السابق، ص400.
[48]  تعلق عفيفة صعب على مقال سليم المقدم بعنوان: "خطاب موجه للسيدات"، أنظر: الخدر، 1(كانون أول، 1919) 182-186؛ عفيفة صعب، "حول خطاب موجه للسيدات"، المصدر السابق، ص 265-274.
[49] عفيفة صعب، "حول خطاب موجه للسيدات"، ص 274.
[50] عفيفة صعب، المرأة الدرزية، المولودة"، الخدر، 3(ايلول، 1921) 86-90.
[51] المصدر السابق، ص 87.
[52] المصدر السابق، ص 90.
[53]  عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، الفتاة"، ص 202.
[54]  المصدر السابق، ص 203.
[55] عفيفة صعب، "النهضة النسائية"، الخدر، 3(ايار، 1922) 402.
[56] عفيفة صعب، "هل من يحقق حلمًا؟"، الخدر، 1(تموز، 1921)11. 
[57]  المصدر السابق، ص 10.
[58] عفيفة صعب، "النهضة النسائية"، ص 405.
[59] المصدر السابق.
[60] عفيفة صعب، "في عالم المرأة"، الخدر، 3(حزيران، 1922) 474.
[61] عفيفة صعب، "المرأة والدين"، الخدر، 1(ايلول، 1919)65-67.
[62] المصدر السابق، ص 65.
[63] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، كلمة تمهيدية"، ص 47.
[64] المصدر السابق، ص 48.
[65] المصدر السابق، ص 49. 
[66] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، الفتاة"، ص 203.
[67] إذا قارنا بين طرح عفيفة صعب لموضوع الزواج وما جاء عند احد المؤرخين المعاصرين لوجدنا تباينًا في الرؤية. فهو يرى الزواج من الناحية التقليدية الدينية البحتة بينما تتناوله هي من وجهة عصرية متقدمة. أنظر: سليمان ابوو عز الدين، "حقائق عن المرأة الدرزية"، الخدر، 4(تموز وآب 1922)96-104؛ أميمة زهر الدين، المؤرخ الدرزي سليمان أبو عز الدين حياته وأعماله. بيروت: مؤسسة التراث الدرزي، 2004. ص 91-96.
[68] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، المخطوبة"، الخدر، 3(آذار، 1922)325.
 [69] المصدر السابق، ص 328.
[70] عفيفة صعب، الخدر، "المرأة الدرزية، الزوج"، 5(تشرين الثاني، 1923)254.
[71] المصدر السابق، ص 256.
[72] المصدر السابق، ص 257.
[73] المصدر السابق، ص 259.
[74] للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع أنظر: نازك يارد، "نظيرة زين الدين"، ص 252.
[75] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية ، الزوج"، ص 261؛ حول مراعاة حقوق المرأة في المذهب الدرزي، أنظر: فؤاد ابو زكي، السيد الامير جمال الدين عبد الله التنوخي. عينبال، لبنان: 1997. ص 338-364.
[76] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، الزوج"، ص  258.
[77] عفيفة صعب، "المرأة المهاجرة"، الخدر، 1(ايار، 1920) 243.
[78] عفيفة صعب، "المجلس الملي الدرزي"، الخدر، 3(تموز وآب، 1921)3.
[79] المصدر السابق، ص 5.
[80] المصدر السابق.
[81] المصدر السابق، ص 6.
[82] عفيفة صعب، "الفرد في المجموع"، الخدر، 5(نيسان، 1924)484-490.
[83]  المصدر السابق، ص 487.
[84] المصدر السابق، ص 489.
[85] المصدر السابق.
[86] عفيفة صعب، "الحرية الشخصية"، الخدر، 5(ايار، 1924) 544.
[87] عفيفة صعب، "الإعدام"، الخدر، 4(حزيران، 1923)521-527. 
[88] المصدر السابق، ص 527.
[89] المصدر السابق.
[90]  عفيفة صعب، "اللغة والقومية"، الخدر، 5(شباط، 1924)436-441.
[91] المصدر السابق، ص 440.
[92] المصدر السابق.
[93] المصدر السابق، ص 441.
[94] المصدر السابق.
[95] عفيفة صعب، الخدر، 5(تموز وآب 1923)7.
[96] عفيفة صعب، "المرأة الدرزية، الفتاة"، ص 203.
[97] عفيفة صعب، "الناشئة الدرزية. إزاء التعليم والتمدن الغربيين"، الخدر، 2(تشرين اول، 1920)125.
[98] المصدر السابق. يعود تاريخ الدعوة الدرزية إلى سنة 408/1017 في أيام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. هناك الكثير من المراجع التي تناولت تاريخ طائفة الموحدين الدروز نشير إلى بعضها. امين طليع، أصل الموحدينن الدروز واصولهم. بيروت: دار الاندلس، 1961؛ عباس ابو صالح وسامي مكارم. تاريخ الموحدين الدروز السياسي في المشرق العربي. بيروت: المجلس الدرزي للبحوث والانماء، 1981؛ عارف تامر، الحاكم بأمر الله. بيروت: دار الافاق الجديدة، 1982؛ نجلا ابو عز الدين، الدروز في التاريخ. بيروت: دار العلم للملايين، 1985.
[99] عفيفة صعب، "الناشئة الدرزية"،  ص 128.
[100] المصدر السابق، ص 129، 131.
[101]  عفيفة صعب، "الموقف الاقتصادي"، الخدر، 1(كانون الأول، 1919)165.
 [102] عفيفة صعب، "المنسوجات الوطنية"، الخدر، 4(ايار، 1923)482-487.
[103] عفيفة صعب، "آداب الغنى"، الخدر، 1(كانون الثاني، 1920)194.
[104] عفيفة صعب، "من الظالم؟"، الخدر، 5(كانون الأول، 1933)292-300.
[105] المصدر السابق، ص292.
[106] المصدر السابق، ص300.
[107] المصدر السابق.
[108] عفيفة صعب، "الافتتاحية"، الخدر، 7(تشرين الأول، 1925)3.
[109] المصدر السابق، ص 2.
 [110] المصدر السابق.
[111] المصدر السابق، ص 5.
[112] المصدر السابق، ص 6.
[113] المصدر السابق، ص 6.
[114] المصدر السابق، ص 1.
[115] عفيفة صعب، "الافتتاحية"، الخدر، 3(تموز، 1921)1.
[116] المصدر السابق، ص 3.
[117] عفيفة صعب، "الافتتاحية"، الخدر، 5(تموز وآب 1923)7.
[118] المصدر السابق.
 [119] المصدر السابق، ص 2.
[120] المصدر السابق، ص 3.
[121] المصدر السابق.
[122] المصدر السابق.
[123] على سبيل المثال لا الحصر أنظر: حسين رشيد سري الدين، "إلى صاحبة الخدر"، ؛ احمد تقي الدين، "الخدر المنير"؛ كامل صعب، "مجلة الخدر"؛ محمد طريف (شيخ عقل الطائفة الدرزية في لواء عكا)، "كلمة في تعليمم المرأة"؛ هدبا محمد يونس، "صوت لطيف من ذات خدر اديبة"، 229؛ قبلان الرياشي، "مجلة الخدر"؛ حليم دموس، "ربة الخدر"؛ مي زيادة، "رسالة إلى الخدر"؛ حسين شعبان، "تحية الخدر"، ادال (سيدة من بعبدات لم تذكر اسمها الكامل)، "إلى الفتاة الدرزية". الخدر، 1(191-1920)97-101، 130-132؛ 315-316، ؛ 3(1921-1922)373-375؛ 4(1922-1923)347-349، 451-453، 510-512؛ 7(1925-1926)421-424.
[124] عفيفة صعب، "في عالم المرأة"، ص 351. 
[1255] مأخوذة عن كلمة صاحبة مجلة الخدر عفيفة صعب في الليلة التكريمية التي اقامتها جامعة السيدات لمي زيادة، باقتراح منها. المصدر السابق.