عجبا أتوحشني وأنت إزائي
|
وضياء وجهك ماليء سودائي
|
لكنه حق وإن أبت المنى
|
أنا تفرقنا لغير لقاء
|
جرحوا صميم القلب حين تحملوا
|
الله في جرح بغير شفاء
|
ألطيب المحمود من عمري مضى
|
والمفتدى بالروح من خلصائي
|
لا بل هما مني جناحا طائر
|
رميا ولم يك نافعي إخطائي
|
ألصاحبان الأكرمان توليا
|
فعلام بعد الصاحبين ثوائي
|
لم يتركا برداهما غير الشجى
|
لأخيهما ما دام في الأحياء
|
وحيالي الخلطاء إلا أنني
|
متغرب بالعهد في خلطائي
|
أيراد لي من فضل ما مجدا به
|
إرث إذن جهل الزمان وفائي
|
إن نحي بالذكرى فلا تبديل في
|
صفة ولا تغيير في الأسماء
|
يا صاحبي غدوت منذ نأيتما
|
أجد الحياة ثقيلة الأعباء
|
لا ليل عافية هجعت به ولا
|
يوم نشطت به من الإعياء
|
أنا واحد في الجازعين عليكما
|
وكأنما ذاك البلاء بلائي
|
فإذا بدا لكما قصوري فاعذرا
|
أو شفعا لي مسلفات ولائي
|
مهلا أمير الشعر غير مدافع
|
ومعز دولته بغير مراء
|
كم أمة كانت على قدر الهوى
|
ترجوك ما شاءت لطول بقاء
|
متمكنا من نفسها إيمانها
|
إن لم تكن ممن حيوا لفناء
|
فإذا المنايا لم تزل حرب المنى
|
وإذا الرزيئة فوق كل عزاء
|
في مصر بل في الشرق منها لوعة
|
سدت على السلوان كل فضاء
|
أترى مويجات الأثير كأنها
|
حسرى بما تزجي من الأنباء
|
بعث الشرار بها ثقالا لو بدا
|
ما حملت لبدت نطاف دماء
|
جزع الكنانة كاد لا يعدو وأسى
|
أم القرى ومناحة الفيحاء
|
وبحضرموت على تنائي دارها
|
شكوى كشكوى تونس الخضراء
|
بالأمس كان هواك يجمع شملها
|
في فرقة النزعات والأهواء
|
واليوم فت رداك في أعضادها
|
ما أجلب البأساء للبأساء
|
أفدح بما يلقاه آلك إن يكن
|
جزع الأباعد جل عن تأساء
|
حرموا أبا برا نموا وترعرعوا
|
من جاهه في أسمح الأفياء
|
وكفقدهم فقد الغرانيق العلى
|
علم الهدى للفتية النجباء
|
وكرزئهم
|
رزئ الرجال مرجبا عف اللسان مهذب الإيماء
|
يتناولون من الصحائف وحيه
|
فتكون كل صحيفة كلواء
|
ما عشت فيهم ظلت بلبل أيكهم
|
في الأمن والرئبان في اللاواء
|
لك جوك الرحب الذي تخلو به
|
متفردا والناس في أجواء
|
عذلوك في ذاك التعزل ضلة
|
إن التعزل شيمة النزهاء
|
ما كان شغلك لو دروا إلا بهم
|
لكن كرهت مشاغل السفهاء
|
ولعل أعطفهم عليهم من دنا
|
بالنفع منهم وهو عنهم ناء
|
أحللت نفسك عند نفسك ذروة
|
تأبى عليها الخسف كل إباء
|
فرعيت نعمتك التي أثلتها
|
ورعيت فيها جانب الفقراء
|
تقني حيائك عالما عن خبرة
|
إن الخصاصة آفة الأدباء
|
وترى الزكان لذي الثراء مبرة
|
منه به ووسيلة لزكاء
|
كم من يد أسديتها وكسوتها
|
متأنقا لطف اليد البيضاء
|
عصر تقضى كنت ملء عيونه
|
في أربعين بما أفدت ملاء
|
يجلو نبوغك كل يوم آية
|
عذراء من آياته الغراء
|
كالشمس ما آبت أتت بمجدد
|
متنوع من زينة وضياء
|
هبة بها ضن الزمان فلم تتح
|
إلا لأفذاذ من النبغاء
|
يأتون في الفترات بوعد بينها
|
لتهيؤ الأسباب في الأثناء
|
كالأنبياء ومن تأثر إثرهم
|
من علية العلماء والحكماء
|
رفعتك بالذكرى إلى أعلى الذرى
|
في الخلد بين أولئك العظماء
|
من مسعدي في وصفها أو مصعدي
|
درجات تلك العزة القعساء
|
ومطوع لي من بياني ما عصى
|
فأقول فيك كما تحب رثائي
|
لي فيك من غرر المديح شوارد
|
أدت حقوق علاك كل أداء
|
ووفت قوافيها بما أملى على
|
قلمي خلوص تجلتي وإخائي
|
ماذا دهاني اليوم حتى لا أرى
|
إلا مكان تفجعي وبكائي
|
شوقي لا تبعد وإن تك نية
|
ستطول وحشتها على الرقباء
|
تالله شمس لن تغيب وإنها
|
لتنير في الإصباح والإمساء
|
هي في الخواطر والسرائر تنجلي
|
أبدا وتغمرهن بالألاء
|
والذخر أبقى الذخر ما خلفته
|
من فاخر الآثار للأبناء
|
هو حاجة الأوطان ما دالت بها
|
دول من السراء والضراء
|
سيعاد ثم يعاد ما طال المدى
|
ويظل خير مآثر الآباء
|
يكفي بيانك أن بلغت موفقا
|
فيه أعز مبالغ القدماء
|
بوأت مصر به مكانا نافست
|
فيه مكان دمشق والزوراء
|
ورددت موقفها الاخير مقدما
|
في المجد بين مواقف النظراء
|
لك في قريضك خطة آثرتها
|
عزت على الفصحاء والبلغاء
|
من أي بحر دره متصيد
|
وسناه من تنزيل أي سماء
|
ظهرت شمائل مصر فيه بما بها
|
من رقة ونعومة ونقاء
|
ترخيمها في لحنه متسامع
|
ونعيمها في وشيه متراء
|
شعر سرى مسرى النسيم بلطفه
|
وصفا بروعته صفاء الماء
|
ترد العيون عيونه مشتفة
|
ويصيب فيه السمع ري ظماء
|
ويكاد يلمس فيه مشهود الرؤى
|
ويحس همس الظن في الحوباء
|
في الجو يؤنس من يحلق طائرا
|
والدو يؤنس راكب الوجناء
|
عجبا لما صرفت فيه فنونه
|
من فطنة خلابة وذكاء
|
فلكل لفظ رونق متجدد
|
ولكل قافية جديد رواء
|
يجلى الجمال به كأبدع ما انجلت
|
صور حسان في حسان مرائي
|
ولربما راع الحقيقة رسمها
|
فيه فما اعتصمت من الخيلاء
|
حياك ربك في الذين سموا إلى
|
أمل فأبلوا فيه خير بلاء
|
من ملهم أدى أمانة وحيه
|
بعزيمة غلابة ومضاء
|
متجشم بالصبر دون أدائها
|
ما سيم من عنت وفرط عناء
|
للعبقرية قوة علوية
|
في نجوة من نفسه عصماء
|
كم أخرجت لأولى البصائر حكمة
|
مما ألم به من الأرزاء
|
حتى إذا اشتعل المشيب برأسه
|
ما زاد جذوتها سوى إذكاء
|
فالداء ينحل جسمه ونشاطها
|
بسطوعه يخفي نشاط الداء
|
جسم يقوضه السقام وهمسها
|
متعلق بالخلق والإنشاء
|
عجبا لعاميه اللذين قضاهما
|
في الكد قبل الضجعة النكراء
|
عاما نزاع لم تهادن فيهما
|
نذر الردى وشواغل البرحاء
|
حفلا بما لم يتسع عمر له
|
من باهر الإبداع والإبداء
|
فتح يلي فتحا وصرح باذخ
|
في إثره صرح وطيد بناء
|
هذا إلى فطن يقصر دونها
|
مجهود طائفة من الفطناء
|
من تحفة منظومة لفكاهة
|
أو طرفة منظومة لغناء
|
أو سيرة سيقت مساق رواية
|
لمواقف التمثيل والإلقاء
|
تجري وقائعها فتجلو للنهى
|
منها مغازي كن طي خفاء
|
فإذا الحياة عهيدها وعتيدها
|
مزج كمزج الماء والصهباء
|
تطفو حقائقها على أوهامها
|
وتسوغ خالصة من الأقذاء
|
يا من صحبت العمر أشهد مانحا
|
في الشعر من متباين الأنحاء
|
إني ليحضرني بجملة حاله
|
ماضيك فيه كانه تلقائي
|
من بدئه وحجاك يفتح فتحه
|
للحقبة الادبية الزهراء
|
حتى الختام ومن مفاخر مجدد
|
ما لم يتح لسواك في الشعراء
|
فأرى مثالا رائعا في صورة
|
للنيل تملأ منه عين الرائي
|
ألنيل يجري في عقيق دافق
|
من حيث ينبع في الربى الشماء
|
يسقي سهول الريف بعد حزونه
|
ويديل عمرانا من الإقواء
|
ما يعترضه من الحواجز يعده
|
ويعد إلى الإرواء والإحياء
|
حتى إذا رد الفيافي جنة
|
فيما علا ودنا من الأرجاء
|
أوفى على السد الأخير ودونه
|
قرب المصير إلى محيط عفاء
|
فطغى وشارف من خلاف زاخرا
|
كالبحر ذي الإزباد والإرغاء
|
ثم ارتمى بفيوضه من حالق
|
في المهبط الصادي من الجرعاء
|
فتحدرت وكأن منهمراتها
|
خصل من الأنوار والأنداء
|
مسموعة الإيقاع في أقصى مدى
|
جذلى بما تهدي من الآلاء
|
إن أخطأت قطرا مواقع غيثها
|
أحظته باللمحات والأصداء
|
لله در قريحة كانت لها
|
هذي النهاية من سنى وسناء
|
رفعتك من علياء فانية إلى
|
ما ليس بالفاني من العلياء
|