أم المؤمنين سودة بنت زمعة

(المهاجرة أرملة المهاجر)

لُقِّبت بالمهاجرة أرملة المهاجر، لأنها أسلمت وهاجرت بدينها إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس، وتحملت مشاق الهجرة ومتاعب الغربة، وتوفي زوجها بعد أن عاد معها من الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة، وأمست سودة وحيدة لا عائل لها ولامعين، فأبوها مازال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد اللَّه ابن زمعة على دين آبائه، فخشيت أن يفتناها في دينها.

فلما سمع الرسول ما أصاب السيدة سودة وصبرها والتجاءها إلى الله؛ خشي عليها بطش أهلها، وهم أعداء الإسلام والمسلمين، فأراد أن يرحمها وينجدها من عذابها، ويعينها على حزنها، ويجزيها على إسلامها وإيمانها خيرًا، فأرسل إليها خولة بنت حكيم -رضى اللَّه عنها- تخطبها له، وكانت السيدة خديجة -رضى الله عنها- قد ماتت، وهو بغير زوجة، وكانت سودة قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله في الخمسين من عمره.

وحين دخلت خولة عليها قالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة ! قالت: سودة: وما ذاك؟ فقالت خولة: إن رسول الله أرسلنى إليك لأخطبك إليه. قالت: وددت ذلك. فقالت خولة: دخلت على أبيها وكان شيخًا كبيرًا مازال على جاهليته وحيَّـيْـتُه بتحية أهل الجاهلية، فقلت: أنعِم صباحًا. فقال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم. فرحَّب بي، وقال ما شاء الله أن يقول. فقلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة ابنة زمعة. فقال: هو كفء كريم، فما تقول صاحبتك؟ قلت: تُحِبُّ ذلك. قال: ادعوها إلي. ولما جاءت قال: أى سودةُ، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم. قال: فادعوه لي. فدعته خولة، فجاء فزوَّجه.

وفى رواية ابن سعد: أن النبي خطبها، فقالت: أمرى إليك، فقال لها مُرى رجلا من قومك يزوجك. فأمرت حاطب بن عمرو وهو ابن عمها وأول مهاجر إلى الحبشة فزوجها.

ودخلت السيدة سودة بنت زمعة -رضى الله عنها- بيت النبوة، وأصبحت واحدة من أمهات المؤمنين، وكانت الزوجة الثانية لرسول الله، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنوات.

وكانت السيدة سودة مثالا نادرًا في التفانىي في خدمة النبي وابنته أم كلثوم وفاطمة، فكانت تقوم على رعايتهما بكل إخلاص ووفاء، ثم هاجرت مع الرسول إلى المدينة.

وكانت السيدة سودة -رضى اللَّه عنها- تحب رسول اللَّه حبَّا شديدًا، وكانت تسعى إلى مرضاته دائمًا، فلما كبرت في السن، ولم تعد بها إلى الأزواج حاجَةً، وأحست بعجزها عن الوفاء بحقوق النبي، أرادت أن تصنع من أجله شيئًا يعجبه ويرضيه ويرفع مكانتها عنده... فاهتدت إلى أن تهب يومها لعائشة؛ لعلمها أنها حبيبة إلى قلب رسول الله، وحتى لا تشعر رسول الله بالحرج، وبررت له ما أقدمت عليه بقولها: ما بىي على الأزواج من حرص، ولكنى أحب أن يبعثنى الله يوم القيامة زوجًا لك. وتفرغت للعبادة والصلاة.

قال لها رسول الله :"يا بنت زمعة، لوتعلمين علم الموت، لعلمت أنه أشد مما تظنين".

وكانت السيدة عائشة - رضى اللَّه عنها - تغبطها على عبادتها وحسن سيرتها، قالت: ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون في مِسْلاخها (هديها وصلاحها) من سودة .

ولما خرجت سودة -رضى الله عنها- مع رسول الله إلى حجة الوداع! قال: "هذه الحجة، ثم ظهور الحُصْر" أى الْـزَمْـنَ بيوتكنّ ولا تخرجْنَ منها. فكانت - رضى الله عنها - تقول: حججت واعتمرت فأنا أَقرُّ في بيتي كما أمرنى الله عز وجل، ولا تحركنا دابة بعد رسول الله.

وكانت السيدة سودة -رضى الله عنها- زاهدة في الدنيا مقبلة على الآخرة. بعث إليها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- في خلافته ببعض الدراهم، فوزعتها على الفقراء والمساكين.

وظلت كذلك حتى توفيت في آخر خلافة عمر فحضر جنازتها، وصلى عليها، ودفنت بالبقيع.

وكان للسيدة سودة نصيب من العلم والرواية، فقد روت -رضى الله عنها- أحاديثًا لرسول الله.

ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي عن سودة بنت زمعة:

" سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.

وهي أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة.

وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة وكانت أولاً عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو العامري.

وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد فركت رضي الله عنها.
لها أحاديث: وخرج لها البخاري.

حدث عنها: ابن عباس ويحيى بن عبد الله الأنصاري.

توفيت في آخر خلافة عمر بالمدينة.

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة فلما كبرت جعلت يومها من النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة.

وروى الواقدي عن ابن أخي الزهري عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بسودة في رمضان سنة عشر من النبوة وهاجر بها وماتت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.

وقال الواقدي: وهذا الثبت عندنا.

وروى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن سودة رضي الله عنها توفيت زمن عمر.

قال ابن سعد: أسلمت سودة وزوجها فهاجرا إلى الحبشة.

وعن بكير بن الأشج: أن السكران قدم من الحبشة بسودة فتوفي عنها. فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أمري إليك قال: "مري رجلاً من قومك يزوجك" فأمرت حاطب بن عمرو العامري فزوجها وهو مهاجري بدري. هشام الدستوائي: حدثنا القاسم بن أبي بزة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها. فجلست على طريقه فقالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه لم طلقتني؟ ألموجدة؟ قال: "لا" قالت: فأنشدك الله لما راجعتني فلا حاجة لي في الرجال ولكني أحب أن أبعث في نسائك. فراجعها قالت: فإني قد جعلت يومي لعائشة.

عن الأعمش عن إبراهيم قالت سودة: يا رسول الله صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم فضحك. وكانت تضحكه الأحيان بالشيء.

عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "هذه ثم ظهور الحصر".

قال صالح: فكانت سودة تقول: لا أحج بعدها.

وقالت عائشة: استأذنت سودة ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة ثبطة أي ثقيلة فأذن لها.

عن حماد بن زيد عن هشام عن ابن سيرين: أن عمر بعث إلى سودة بغرارة دراهم. فقالت: ما هذه قالوا: دراهم قالت: في الغرارة مثل التمر يا جارية: بلغيني القنع ففرقتها.

يروى لسودة خمسة أحاديث: منها في الصحيحين حديث واحد عن البخاري.

عن الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن عن ريطة عن عمرة عن عائشة قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعث زيداً وبعث معه أبا رافع مولاه وأعطاهما بعيرين وخمس مئة درهم فخرجنا جميعاً وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وبأم كلثوم وبسودة بنت زمعة وبأم أيمن وأسامة ابنه."