أم المؤمنين مارية القبطية

(أم إبراهيم المصرية)

مؤمنة من أهل مصر، ارتبط اسمها بالسيدة هاجـر، زوج خليـل الله إبراهيم -عليه السلام-، تزوجت من نبي، وأنجبت له ولدًا، وقدمت إلى بلاد الحجاز؛ لتسكن يثرب. وقد بَـيَّن النبي ( أن له بمصر رحمًا؛ وأوصى أصحابه بالإحسان إلى أهلها عند فتحها، فقال (: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا" (أي صهرًا) [مسلم].

إنها مارية بنت شمعون، أهداها المقوقس - عظيم القبط في مصر- للنبي ومعها أختها سيرين، وعبد خصى يُدْعَى مأبور، وأَلْف مثقال ذهب، وعشرون ثوبًا لينًا من نسيج مصر، وبغلة شهباء تُسمى دلدل، وبعض من عسل، وبعض المسك، وبعض أعواد البخور. وقد حملها إلى النبي ( حاطبُ بن أبى بلتعة رسول النبي ) إلى المقوقس. وقد عرض حاطب الإسلام على مارية فأسلمت.

وُلدت مارية بقرية تدعى حَفن تقع على شرق النيل في صعيد مصر، وقضت فيها طفولتها، فلما شبت انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس بالإسكندرية.

فلما وصلت هدية المقوقس إلى نبى اللَّه محمد أنزل مارية وأختها سيرين على أم سليم الغميصاء بنت ملحان، ثم وهب سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت، واحتفظ لنفسه بالسيدة مارية -رضى الله عنها-. أكرمها النبي، ونزلت من قلبه منزلة عظيمة، وكانت -رضى الله عنها- جميلة، وأنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبي يقضى معظم الليل والنهار عندها، فحزنت لذلك السيدة عائشة، وغارت عليها فحولها النبي إلى العالية بضواحى المدينة وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبي ابنه إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمانِ من الهجرة. -ويقال: إن النبي بعدها أعتقها وتزوجها- وقد فرح النبي بابنه فرحًا كبيرًا؛ وسماه في اليوم السابع إبراهيم، وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة، وعَقَّ عنه بكبش.

مرض "إبراهيم" ابن رسول اللَّه، وخطفه الموت من أبويه في ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة بعد أن عاش في حجرهما سبعة عشر شهرًا، فوضعه النبي بين يديه وذرفت عيناه عليه، وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" [متفق عليه]. ويروى أن مارية وأختها سيرين كانتا تبكيان على إبراهيم.

وتوفى النبي بعد وفاة ابنه إبراهيم بسنة واحدة، ولم تعمِّر السيدة مارية -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله طويلا؛ حيث توفيت -رضى اللَّه عنها- سنة ست عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ودفنت بالبقيع بجانب أمهات المؤمنين.

وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة.

جاء في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:

"مارِيَة القبطية: مولاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسُرِّيَّتُه، وهي أم ولده إبراهيم بن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأهدى معها أختها سيرين وخُصِيّاً يقال له: مأبور، وبغلة شهباء، وحلّة من حرير. وقال مُحَمَّد بن إسحاق: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جواري أربعاً، منهن مارِيَة أم إبراهيم، وسيرين التي وهبها النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لحسان بن ثابت، فولدت له عَبْد الرَّحْمَن. وأما مأبور الخصيّ الذي أهداه المقوقس مع مارِيَة، وهو الذي اتهم بمارِيَة، فامر النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يقتله، فقال علي: يا رسول الله، أكون كالسكّة المحماة، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: "بل الشّاهد يرى ما لا يرى الغائب". فذهب عليّ إليه ليقتله فرآه مجبوباً ليس له ذكر، فعاد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه لمجبوب.

وأهديت مارِيَة فوصلت إلى المدينة سنة ثمان، وتوفيت سنة ست عشرةَ في خلافة عُمر. وكان عُمر يجمع الناس بنفسه لشهود جنازتها، وصلى عليها عُمر.

أخرجها الثلاثة".