قساوسة مكة

قسوس مكة يذكر منهم فى عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم القس ورقة بن نوفل والقس ساعدة بن الأيادى. ويذكر المؤرخون أنهم كانوا من الطائفة النصرانية الذين يطلق عليهم الأبيونيين والنصارى ليسوا المسيحيين وإنما فئة خارجة عن المسيحية . 

 

أنتشرت النصرانية بين العرب حتى قريش وكان من أكبر أغنيائها نصارى وقساوسة ،  فقد قال اليعقوبي : وأما من تنصر من أنحاء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى منهم عثمان بن الحويرث بن عبد العزى وورقة بن نوفل من أسد  وقد ساق هذه الحقيقة التاريخية برهان الدين دلو ، جزيرة العرب قبل الإسلام الجزء الثاني  

أول من تنصر من ملوك الحيرة النعمان بن المنذر ، قيل على يد الجاثليق عبد يشوع ، وقيل على يد عدي بن زيد العبادي ، ودان بالنصرانية كثير من قبائل العرب النازلين بالحيرة أو بالمنطقة المحيطة بها من بينهم  تغلب من بطون من بكر بن وائل في ديار بكر ، وكانت هند بنت النعمان زوجة المنذر بن امرئ القيس مسيحية ، فنشأ ابنها عمرو بن المنذر الذي تولى حكم الحيرة فيما بين عامي 554 / 569 م مسيحياً ، وإلى هند هذه ينسب دير هند الكبرى بالحيرة  وكانت تنقلات القبائل أو بطونها أو أفخاذها مستمرة بين أطراف الجزيرة ووسطها ، ولذا فإن قبيلة تغلب هذه لم تكن هي الوحيدة التي تفشت فيها النصرانية بل الكثير غيرها مثل  إياد قبيلة قس بن ساعدة وتميم وحنيفة وقضاعة وغيرها 

 

القس بن ساعدة الأيادى 

قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، ت 23 ق هــ ‍م وهو من بني إياد أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم، في الجاهلية كان أسقف نجران، ويقال إنه كان أول عربي خطب متوكئا على سيف أو عصا، وأول من قال في كلامه " أما بعد " وكان يذهب إلى قيصر الروم ، زائرا، فيكرمه ويعظمه  وهو معدود في المعمرين ، طالت حياته وأدركه النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل الوحى ، ورآه في عكاظ (انظر. الأعلام، الزركلي 5/236)

 

كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر ظهوره ويقول: إن لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه.

 

وكان النبي يترحم عليه ويقول: يحشر يوم القيامة امة واحدة.

 

حدثنا أبي رضي الله قال: بينا رسول الله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه، فقال رسول: من القوم؟ قالوا: وفد بكر بن وائل، قال: فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الايادي؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فما فعل؟ قالوا: مات، فقال رسول الله: الحمد لله رب الموت ورب الحياة، كل نفس ذائقة الموت، كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الايادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول: اجتمعوا أيها الناس، فإذا اجتمعتم فأنصتوا فاذا أنصتم فاستمعوا، فإذا أستمعتم فعوا، واذا وعيتم فاحفظوا، فإذا حفظتم فاصدقوا، ألا إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو اّت اّت ، إن في السماء لخبرا وان في الارض لعبرا، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونجوم تمور وليل يدور، وبحارتغور، يحلف قس ما هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه.

 

وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى الله عليه كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه.

 

وجاء في مروج الذهب للمسعودي: "وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وَفد من إياد، فسألهم عنه، فقالوا: هلك، فقال: رحمه اللّه ، كأننىِ أنظر إليه بسوق عُكَاظ على جمل له أحمر، وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وَعُوا، مَنْ عاش مات، ومَزن مات فات، وكل ما هوآت ات، أما بعد فإن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، نجوم تمور، وبحار تغور، وسَقْف مرفع، ومهاد موضوع، أقسم قس باللّه قسماً لا حانثاً فيه ولا آثماً، إن اللّه لدينا هو أرضى من دين أنتم عليه، مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون، أرَضُوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا. سبيل مؤتلف، وعمل مختلف. وقال أبياتاً لا أحفظها، فقام أبو بكررضي اللهّ عنه فقالى: أنا أحفظها يا رسول الله، فقال :هاتها، فقال:  

في الذَّاهِـبِـينَ الأوَّلـي

 

ن مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لمـا رَأيْتُ مَـــوَارِداً

 

لْلمَوْتِ لَيْسَ لَها مَصَادرْ

ورَأيْتُ قَوْمي نَحْـوَهـا

 

تمْضِي الأوَائِلُ وَالأوَاخِرْ

لَا يَرْجِعُ المـاضـي، ولَا

 

يَبْقَى مِنَ الْبَاقِينَ غَـابِـرْ

أيْقَنْـتُ أنـي لَا مـحـا

 

لةحَيْثُ صَار الْقَوْمُ صائِرْ

 

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : رحم اللّه قسا، إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحْده.قال المسعودي: ولقس أشعار كثيرة وحِكَمٌ، وأخبار تُبصِّر في الطب الزجر والفأل وأنواع الحكم، وقد ذكرنا ذلك في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط.

 

أشعار قس بن ساعدة الأيادي 

يكاد يجمع المؤرخون على موته قبل البعثة بقليل  وقد ورد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يسمع إليه في سوق عكاظ وقال عنه " والذي بعثني بالحق ، لقد أمن قس بالبعث " (الجاحظ  البيان تحقيق عبد السلام هارون ، القاهرة 1948 ، ج1 ص 309 ، المرجع العرب قبل الاسلام- سيد القمنى)  

 

والحق لأي أنسان مؤمن بالكتاب المقدس هو السيد المسيح الذى قال عن نفسه  " أنا  هو لا قيامة والحق والحياة ".  

 

يا ناعي الموت والأصوات في جدث ، عليهم من بقايا برعم خرق ، دعهم فان لهم يوما يصاح بهم ، فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا حتى يعودوا لحال غير حالهم ،
خلقا جديدا كما من قبله خلقوا ، فيهم عراة ومنهم في ثيابهم ، منها الجديد ومنها المبهج الخلق.

 

ويصف الكون سجعا قائلا: 

ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وأرض مدحاة ، وانها مجردة ، ان في السماء لخبرا، وان في الارض لعبرا 

 

واورد سيد القمنى فى فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية نقلا عن  الألوسي  بلوغ الأرب ، ج2 ، ص 244 هذه الخطبة البليغة لقس بن ساعدة: 

أيها الناس ؛ اسمعوا وعوا ؛ فإذا وعيتم فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت  إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا ، جهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم  تمور ، وبحار لن تغور ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، أقسم قس قسما حتما ، لئن كان في الأرض رضي ليكونن بعده سخطا ، وإن لله دينا هو أحب إليه من دينكم. 

 

والقس بن ساعدة الذى قال أن الله ليس بمولود ولا والد وكان فى هذا أقدر من التعبير القرآني: الله لم يلد ولم يولد كلا، بل هو الله المعبود الواحد ، ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدي ، وإليه المآب غدا (الشهر ستاني  الملل والنحل، المطبعة الأزهرية ، القاهرة ، 1951 ، ص 96 ) 

 

وعن حقيقة الموت يقول:  

فـــــــي الذاهبين الأوليــــــــــن ** في الشــــعــــــــوب لنا بصــــائر

لمـــــــا رأيت مــــواردا للمــوت ** لــــــيس لهــــا مصادر

ورأيـــت قومــي نحــــــوها ** تسعي الأصــــــاغـــــر والأكـــــابر

لا يـرجــــعن قــــومــــي إلي ** ولا مــــن البــاقين غــــــــــــابـــــر

أيقنت أنـــي لا مـــــحــــالة ** حـــيث صـــــار القـــــوم صـــائر 

 

(سيد القمنى فى ) الحزب الهاشمى  فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية نقلا عن عبد القادر البغدادي ، خزانة الأدب ، تحقيق عبد السلام هارون ، دار الكتاب العربي 1967 ، ج2 ، ص 264 ومن أمثلة ما كُتب قبل محمد(صلعم) ما قاله قس بن ساعدة، فكان يقول " أين من بغى وطغى وجمع فأوعى " وقال " أنا ربكم الأعلى ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً طحنهم الثرى بكلكلهِ ومزّقهم بتطاولهِ فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية عمَّرتها الذئاب العاوية "(1 وذكر ابن كثير أن أبا بكر هو قائل هذا الكلام وهو يتحدث في حضور محمد(صلعم) مع وفد أياد عن قس بن ساعدة . 

 

القس ورقة بن نوفل أسقف مكــة  

يقول عنه سيد القمنى فى ( الحزب الهاشمى  فصل جذور الأيديولوجيا الحنفية)  

 

ومنهم أيضاً ورقة بن نوفل الذي قال عنه الألوسي أنه ممن وحد الله ، وترك الأوثان وسائر أنواع الشرك ، واجتهد في طلب الحنيفية دين إبراهيم ، ثم تنصر ، لكنه لم يتبع النصاري في التبديل ، وظل موحداً (ابن هشام  السيرة ج1 ، ص 511 و512  وقد سأل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن ورقة فقالت له خديجة ( رضي الله عنها )  إنه كان صدقك وإنه مات قبل أن تظهر ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ، ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك (الألوسي  بلوغ الأرب ، ج2 ) 

 

كان ينادي الناس ناصحاً : 

لا تعـبـــدون إلهـــا غـــير خالقكم ** فــــإن دعـوكم فقــــــولوا بيننا حدد

سبحان ذي العرش سبحانا نعوذ به ** وقــبل قد ســـبح الجودي والجمد

مسـخر كل ما تحت السمـــاء لــــــه ** لا ينبــــغي أن يناوي ملكــــه أحـد

لاشيء مما نري تبقي بشــاشــتـــه ** يبـقي الإله ويودي المال والولد 

 

وهو الذي قال في زيد بن عمرو بن نفيل  رفيقه على درب الحنيفية بعد موته :  

رشدت وأنعمـت بن عمرو وإنمـا ** تجنبت تنورا من النار حــاميا

بدينك ربا ليـس رب كــمــــثله ** وتركك أوثان الطواغي كما هيــا

وإدراكك الدين الذي قد طلبته ** ولم تك عن توحيد ربك ســاهيا

فأصبحت في دار كريم مقامها ** تعلل فــيها بالــكرامـــة لاهيــــا

تلاقي خليل الله فيها ولم تكن ** من الناس جبارا إلى النار هاويا

وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ولو ** كان تحت الأرض سبعين واديا

 

جاء في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني عن ذكر ورقة بن نوفل ونسبه:

"هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي. وهو أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان.

نسبة مافي هذا الشعر من الغناء

" غير " ارفع ضعيفك"

صوت

ولقد طرقت البيت يخشى أهله

 

بعد الهدوء وبعدما سقط الندى

فوجدت فيه حرة قـد زينـت

 

بالحلي تحسبه بها جمر الغضا

 

الشعر لورقة بن نوفل. والغناء لابن محرز من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.

 

أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وزرقة بن نوفل كما بلغنا فقال: " قد رأيته في المنام كان عليه ثياباً بيضاً فقد أظن أن بو كان من أهل النار لم أر عليه البياض" قال الزبير وحدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عائشة: أن خديجة بنت خةيل انطلقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبارني فيكتب بالعبرانية من الانجيل ما شاء أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك؛ قال ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مارأى فقال ورقة: ههذ الناموس الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى؛ ياليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم" قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل كاجئت به إلا عودي، وإن يدركنب يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي.

 

رأى بلالاً يعذب لإسلامه فقال شعراً قال الزبير حدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال عروة: كان بلاب لجارية من بين جمح بن عمرو، وكان يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله؛ فيقول: احد أحد، فيمر عليه ورقة بن نوفل وهو على ذلك يقول: أحد أحد، فيقول ورقة بن نوفل: أحد أحد والله يابلاب? والله لئن قتلتموه لاتخذته حناناً كأنه يقول: لأتمسحن به. وقال ورقة بن نوفل في ذلك:  

لقد نصحت لأقوام وقلت لـهـم

 

أنا النذير فلا يغـرركـم أحـد

لاتعبدن إلهاً غـير خـالـقـكـم

 

فإن دعوكم فقولوا بينـنـا حـدد

سبحان ذي العرش سبحاناً نعوذ به

 

وقبل قد سبح الجودي والجـمـد

مسخر كل ماتحت السمـاء لـه

 

لاينبغي أن يناوي ملـكـه أحـد

لاشيءمما ترى تبقى بشاشـتـه

 

يبقى الأله ويودي المال والولـد

لم تغن عن هرمز يوماً خزائنـه

 

والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

ولاسليمان إذ دان الشعـوب لـه

 

والجن والإنس تجري بينها البرد

 

مدح النبي صلى الله عليه وسلم له والنهي عن سبه:

 

قال الزبير حدثني عمي قال حدثنا الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخي ورقة بن نوفل أو لابن أخيه: " شعرت أني رأيت لورقة جنة"، أو جنتين ". بشك هشام.

 

قال عروة: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب ورقة.

 

وقال الزبير وحدثني عمي قال حدثني الضحاك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه: أن خديجة كانت تأتي ورقة بما يخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فيقول ورقة: لئن كان مايقول حقاً إنه ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى ابن مريم الذي لايجيزه أهل الكتاب إلا بثمن، ولئن نطق وأنا حي لأبلين فيه الله بلاء حسناً".

______________________________________________

المـــراجع :

موقع الحكواتي

الأب لويس شيخو  شعراء النصرانية في الجاهلية ، مكتبة الآداب ، الحلمية الجديدة القاهرة ،

 البداية والنهاية ابن كثير ترجمة قس بن ساعدة

موسوعة تاريخ أقباط مصر

مروج الذهب: المسعودي

كتاب الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني