ذهبَ الصبا ، وَ تولتِ الأيامُ |
فعلى الصبا ، وَ على َ الزمانِ سلامُ |
تَاللَّهِ أَنْسَى مَا حَيِيتُ عُهُودَهُ |
ولِكُلِّ عَهْدٍ فِي الْكِرَامِ ذِمَامُ |
إذْ نحنُ في عيشٍ ترفُّ ظلالهُ |
وَلَنَا بِمُعْتَرَكِ الْهَوَى آثامُ |
تَجْرِي عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَجَالِسٍ |
فيها السلامُ تعانقُ وَ لزامُ |
فِي فِتْيَة ٍ فَاضَ النَّعِيمُ عَلَيْهِمُ |
وَ نماهمُ التبجيلُ وَ الإعظامُ |
ذَهَبَتْ بِهِمْ شِيَمُ الْمُلُوكِ، فَلَيْسَ فِي |
تلعابهمْ هذرٌ ، وَ لاَ إبرامُ |
لاَ يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ آدَابِ الْهَوَى |
سُمُحُ النُّفُوسِ، عَلَى الْبَلاءِ كِرَامُ |
منْ كلَّ أبلجَ يستضاءُ بنورهِ |
كالبدرِ حلى صفحتيهِ غمامُ |
سهلُ الخليقة ِ ، لا يسوءُ جليسهُ |
بَيْنَ الْمَقَامَة ِ، وَاضِحٌ، بَسَّامُ |
متواضعٌ للقومِ ، تحسبُ أنهُ |
مولى في الدارِ وَ هوَ همامُ |
تَرْنُو الْعُيُونُ إِلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ |
وَتَسِيرُ تَحْتَ لِوَائِهِ الأَقْوَام |
فإذا تكلمَّ فالرؤسُ خواضعٌ |
وَإِذَا تَنَاهَضَ فَالصُّفُوفُ قيَامُ |
نلهو وَ نلعبُ بينَ خضرِ حدائقٍ |
لَيْسَتْ بِغَيْرِ خُيُولِنَا تُسْتَامُ |
حتى انتبهنا بعدَ ما ذهبَ الصبا |
إنَّ اللذاذة َ وَ الصبا أحلامُ |
لاَ تَحْسَبَنَّ الْعَيْشَ دَامَ لِمُتْرَفٍ |
هَيْهَاتَ، لَيْسَ عَلَى الزَّمَانِ دَوَامُ |
تأتي الشهورُ ، وَ تنتهي ساعاتها |
لَمْعَ السَّرَابِ، وَتَنْقَضِي الأَعْوَامُ |
وَالنَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَارِدٌ |
أَوْ صَادِرٌ، تَجْرِي بِهِ الأَيَّامُ |
لاَ طائرٌ ينجو ، وَ لاَ ذو مخلبٍ |
يَبْقَى ، وَعَاقِبَة ُ الْحَيَاة ِ حِمَامُ |
فَادْرَأْ هُمُومَ النَّفْسِ عَنْكَ إِذَا اعْتَرَتْ |
بالكأسِ ؛ فهيَ على الهمومِ حسامُ |
فالعيشُ ليسَ يدومُ في ألوانهِ |
إِلاَّ إِذَا دَارَتْ عَلَيْهِ الْجَامُ |
مِنْ خَمْرَة ٍ تَذَرُ الْكَبِيرَ إِذَا انْتَشَى |
بعدَ اشتعالِ الشيبِ وَ هوَ غلامُ |
لعبَ الزمانُ بها ، فغادرَ جسمها |
شبحاً تهافتُ دونهُ الأوهامُ |
حَمْرَاءُ، دَارَ بِهَا الْحَبَابُ؛ فَصَوَّرَتْ |
فلكاً تحفُّ سماءهُ الأجرامُ |
لا تَسْتَقِيمُ الْعَيْنُ فِي لَمَعَانِهَا |
وَ تزولُّ عندَ لقائها الأقدامُ |
تَعْشُو الرِّكَابُ، فَإِنْ تَبَلَّجَ كَأْسُهَا |
سَارُوا، وَإِنْ زَالَ الضِّيَاءُ أَقَامُوا |
حُبِسَتْ بِأَكْلَفَ، لَمْ يَصِلْ لِفِنَائِهِ |
نورٌ ، وَ لمْ يسرحْ عليهِ ظلامُ |
حتى إذا اصطفقتْ ، وَ طارَ فدامها |
وَثَبَتْ، فَلَمْ تَثْبُتْ لَهَا الأَجْسَامُ |
وَقَدَتْ حَمِيَّتُهَا، فَلَوْلاَ مَزْجُهَا |
بالماءِ بعدَ الماءِ ، شبَّ ضرامُ |
تَسِمُ الْعُيُونَ بِنُورِهَا، لَكِنَّهَا |
بردٌ على شرابها وَ سلامُ |
فاصقلْ بها صدأَ الهمومِ ، وَ لاَ تكنْ |
غراً تطيشُ بلبهِ الالامُ |
وَ اعلمْ بأنَّ المرءَ ليسَ بخالدِ |
و الدهرُ فيهِ صحة ٌ وَ سقامُ |
يهوى الفتى طولَ الحياة ِ ، وإنها |
دَاءٌ لَهُ ـ لوْ يَسْتَبِينُ ـ عُقَامُ |
فاطمحْ بطرفكَ ، هلْ ترى منْ أمة ٍ |
خَلَدَتْ؟ وَهَلْ لابْنِ السَّبِيلِ مُقَامُ؟ |
هذي المدائنُ قد خلتْ منْ أهلها |
بَعْدَ النِّظَامِ، وَهَذِهِ الأَهْرَامُ |
لا شيءَ يخلدُ ، غيرَ أنَّ خديعة ً |
فِي الدَّهْرِ تَنْكُلُ دُونَهَا الأَحْلاَمُ |
وَ لقدَ تبينتُ الأمورَ بغيرها |
وَ أتى على َّ النقضُ والإبرامُ |
فإذا السكونُ تحركٌ ، وَ إذا الخمو |
دُ تلهبٌ ، وَ إذا السكوتُ كلامُ |
وَ إذا الحياة ُ - وَ لاَ حياة َ - منية ٌ |
تَحْيَا بِهَا الأَجْسَادُ وَهْيَ رِمَامُ |
هذا يحلُّ ، وَ ذاكَ يرحلُ كارهاً |
عنهُ ، فصلحٌ تارة ً ، وَ خصامُ |
فالنورُ - لوْ بينتَ أمركَ - ظلمة ٌ |
والْبَدْءُ ـ لَوْ فَكَّرْتَ فِيهِ ـ خِتَامُ |