حَلِمتُ بِدُنيا لَيتَها لا تَبدَّدُ
|
لَذائِذُ أَحلامي وَلا كانَ لي غُدُ
|
أَظُنُّ بِإِنشادي عَلى الناسِ سِحرَها
|
وَهَل في الوَرى أُذُنٌ إِذا قمتُ أُنشدُ
|
وَأُوقظتُ مَذعوراً إِلى شَرِّ هاجِسٍ
|
كَأَنِّيَ روح في جُثامٍ مُشَرَّدُ
|
نُفيقُ من الحُلمِ الشَهِيِّ إِلى رُؤىً
|
كَوابيس في يَقظاتُها تَتَسَرَّدُ
|
قَرَأتُ عَلَيهِ أَحرُفاً خَطَّها اللَظى
|
يَروعُك مِنها اِثنان سجنٌ مُؤَبَّدُ
|
فَطَوَّفتُ في عُمرٍ مِن اللَيلِ وَالخنا
|
يعربد وَالأَرجاسِ ترغي وَتُزبدُ
|
وَلِلحَمَأ الغالي نَشيشٌ وَرَغوَةٌ
|
كَأَنَّ الوَرى مُستَنقَعٌ يَتَنَهَّدُ
|
وَأَغمَدتُ في صُلبِ الدَجِنَّةِ ناظِري
|
وَفي كُلِّ جَفنٍ لي من الهَدبِ مبردُ
|
فَأَبصَرتُ أَطباقاً تُعَمِّدها يَدٌ
|
أَصابِع من عَظمٍ وَتصبغُها يَدُ
|
وَشاهَدتُ في الأَطباقِ مُفسِدَةَ الوَرى
|
تَمورُ بِها الديدانُ سُكرى تعربدُ
|
مقاذِرُ تَمشي في الحَياةِ طُروبَةً
|
تُغَنّي وَأَصداءُ القبور تُرَدَّدُ
|
هُمُ الناسُ في الدُنيا تهاويلُ حُنِّطَت
|
بَكيتُ عَلَيهِم في جَحيمي وَعَيَّدوا
|
وَما هذِهِ الدُنيا يذرّي رَمادُها
|
لِريح الفَنا إِلا جَحيمٌ مرمَّدُ
|
تَلاشَت بِهِ النيرانُ غَير بَقِيَّةٍ
|
تَشبُّ لَها في شَهوَةِ الطينِ موقدُ
|
فَفي طبق مُستَنقَعٌ في صَقيعِهِ
|
نمت حشراتٌ فاجراتٌ تَوَقَّدُ
|
نِساءٌ أَقَلَّت في الصُدورِ مراضعاً
|
عَلى فَمها الوَردِيِّ لِلإِثمِ موردُ
|
عواهِرُ أَفنَت في الفُجورِ شَبابِها
|
فَما روحُها إِلّا عَجوز تَقوُّدُ
|
مَراضِعُها فَطساءُ فَهيَ ضَفادِعٌ
|
عَلى ما بِها مِن شَهوَة النارِ تَجلِدُ
|
وَداعاً عَذارى الحُبُّ في خِيَم الهَوى
|
جَمالُكِ مَحظور وَعدنكِ مَوصَدُ
|
فَقَدتُكِ حَتّى في أَغانيَ مَزهري
|
وَكانَ لِشِعري مِنكِ ما يَتَجَوَّدُ
|
أَلا أَغلِقي الفِردوس في وَجه شاعِر
|
يضمُّ طَنابير الجَحيم وَيُنشِدُ
|
لَئِن تَكُ نارُ البَغضِ تَلظى بِعَينِه
|
فَفي قَلبِهِ النُوّار لِلحُبِّ مزودُ
|
يحسُّ فَراديس الحَياةِ بِروحِهِ
|
وَليسَ يَرى إِلا جَحيماً يُهَدِّدُ
|
كَما يَثبتُ الصَفصافُ في عاصِفِ الدُجى
|
وَلِلأُفقِ وَجه هابِط الغيمِ أَربَدُ
|
وَلِلرّيحِ في الغاباتِ زعق كَأَنَّهُ
|
صَدى الجِنّ في وادي الجَحيم يزغردُ
|
كَذلكَ يَبقى في دُجى النَفس ثابِتاً
|
جَمالٌ لَهُ في قُبَّةِ النَفسِ فَرقَدُ
|
وَفي طَبَق وادٍ تكدَّر ماؤُهُ
|
فَلا عشبَة تَنمو وَلا غُصنَ يُنقَدُ
|
وَلا تَسمَعُ الأَرواح في شَعَفاتِه
|
خَلِيّاً يُغني أَو هزاراً يُغَرِّدُ
|
فَثِمَّة جرذانٌ تَرى النورَ آفَة
|
فَتُؤثِرُ أوجارَ الظَلامِ وَتلبدُ
|
مُلوكٌ يُقاضونَ النُفوسَ إِلى السَما
|
وَيَنهي بِأَيديهِم ضَميرٌ مدوّدُ
|
عَلى فَمِهم سَفر السَماواتِ مُشرَعٌ
|
وَفي روحِهِم سَيفُ الجَحيمِ مُجَرَّدُ
|
إِذا ما لحاهُم مُؤمِنٌ فَهو فاجِر
|
وَإِن نَدَّ من أَغلالِهِم فَهو ملحدُ
|
وَثَمَّ خَفافيشٌ مَواليدُ بُؤرَة
|
إِذا غارَ فيها سَيِّدٌ بان سَيِّدُ
|
سَلاطينُ حُفَّت بِالسِياطِ عُروشُهُم
|
فَسَيِّدُهُم هولَ الصَعاليكُ مجلدُ
|
تَرى مِنهُمُ العاتي يَقيء نخاعَه
|
صَباغاً عَلى شَسع الغُزاةِ وَيسجدُ
|
وَثَمَّ جَراداتٌ عطاشٌ غَوارِث
|
ينكِّرها وَهجُ الجناحِ فَتَمردُ
|
محبَّرة الأَردان مَفجوعَة الحَشا
|
تَوابيتَ يُطليها لُجين وَعسجدُ
|
لَها في مَقاصير السَماء مَطامِحٌ
|
وَلَيسَ لَها في مَسلَكَ الجَوِّ مُقودُ
|
تفرَّش فيه وُقَّحُ الوَجهِ وَالسَما
|
لِأنسرها لا لِلصَّراصيرِ مصعدُ
|
قَياصِرَةٌ عور المَلاحِم زُيِّفَت
|
يَواقيت في تيجانِهِم وَزُمرُّد
|
مَجانينُ تستافُ البلى من خَيالَهم
|
يُناط بِهِم مِن نَسلِ عَبقَرَ سُؤددُ
|
مَواليدُ فِردَوسٍ أَراغوا نُفوسَهُم
|
فَلَم يَبقَ لِلوِجدانِ فَيهِنَّ مولدُ
|
عَذيرُكَ مِن نورِ الفَراديسِ عَبقَرُ
|
وَمغناكَ في مِتنِ السماكِ مُشَيَّدُ
|
وَتُشعل في عَينَيكَ نارٌ نَقِيَّة
|
بِمَقدَسِها طيف السَماءِ مجسَّدُ
|
وَصدغُكَ مَدهونٌ بزيت مطهَّر
|
وَبِالبَلسَمِ الشافي هَواكَ مضمَّدُ
|
رَأَيتُكَ تَمشي في المَساخِر شاعِراً
|
وَتاجُك مَحطوم عَلَيك مكَمَّدُ
|
وَروحُكَ مَمسوخ وَنورُكَ ذاهِلٌ
|
وَشِعرُكَ بِالغَلِّ الدَنيءِ مصفَّدُ
|
وَشاهَدتُ أَشباحَ السَماءِ كَئيبَةً
|
عَلَيكَ بِأَسواطِ الأَراجيفِ تُطرَدُ
|
فَفيمَ أَزغتَ النَفسَ عَن نَهج قدسها
|
فَصارَت مغاراً سافِلاً وَهيَ معبدُ
|