تَرامى اللَيلُ كَالهَمِّ الثَقيلِ
|
يَجُرُّ ذُيولَ مِعطَفهِ الطَويلِ
|
وَيُبرِزُ في مَشارِفهِ نُجوماً
|
بِلَونٍ بُرتُقالِيٍّ ضَئيلِ
|
وَكانَت زوق ميكائيل تُصغي
|
الى هَمسِ النَياسم في الحُقولِ
|
فَتَبسِمُ عَن كَواكِبها النَحيلَه
|
وَتَحلمُ في جَواذِبِها الجَميلَة
|
بِعَهدٍ مَرَّ في الدُنيا جَميلِ
|
وَكانَت قُبَّةُ الجَرَس المُقيمَه
|
عَلى عَمَدَي كَنيسَتُها القَديمَه
|
تَقَطَّعُ في السَماءِ وَقد تَرامى
|
عَلَيها النورُ أَفلاذاً سَقيمَه
|
كَطَيفٍ يَخفر الأَمواتِ لَيلاً
|
وَيَبقى ساهِراً سَهَرَ الأُمومه
|
وَكانَ اللَيلُ مُنفَطِرَ الشُعورِ
|
أَحَسَّ لَهيبَ سُكّانِ القُبورِ
|
فَلَطَّفَ في مَعابِرِهِ نَسيمَه
|
وَكانَت أَغصُنُ الدَوح القَديمِ
|
يَهزُّ رُؤوسَها مَرُّ النَسيمِ
|
فَيُسمَع في الدُجى مِنها حَفيفٌ
|
كَصَوتِ الوَخزِ في قَلبٍ أَثيمِ
|
وَفي الاِكواخِ أَقباسٌ ضِعافٌ
|
كَأَخيِلَةِ الكَواكِبِ في الأَديمِ
|
تُصَعِّدُ في نَوافِذها الصَغيرَه
|
زَفيراً من أَشعَّتها الحَقيرَه
|
كَأَنَّ بزيتها بَعضَ الهُمومِ
|
وَفي الأَبعادِ كان يُرى الخَليجُ
|
تَمجُّ مِياهُهُ نوراً يَموجُ
|
كَلَوحٍ أَسوَدٍ مُلقىً عَلَيهِ
|
إِطارٌ فيهِ من ذَهَبٍ نَسيجُ
|
تُدبِّجهُ مَصابيحٌ وَزُهرٌ
|
لَها في الماءِ مَنظَرُها البَهيجُ
|
وَأَضواءُ النُجوم عَلى الشَواطِىءُ
|
إِذا اِمتَزَجَت بِأَضواءِ المرافىء
|
يَكونُ مِنَ الخَيالِ بِها مَزيجُ
|
دَعِ الأَبعادَ في اللَيلِ الجَميلِ
|
تَنَم سَكرى مَعَ النورِ الضَئيلِ
|
وَخَلِّ أَنامِلَ النَسَماتِ تَلعَب
|
كَما شاءَت بِأَوراقِ الحُقولِ
|
وَدَع قَطرَ النَدى المَخمورَ يَسقُط
|
عَلى جَسَد الجَنائِنِ وَالطلولِ
|
وَهَيّا بي نَلِج قَصراً صَغيرا
|
تَرى المِصباحَ يَملاُوه شُعورا
|
رَسا في الزَوق من عَهدِ طَويلِ
|
فَتُبصِرَ إِن وَلَجتَ فَتىً كَئيبا
|
مِنَ الإِحساسِ يوشِكُ أَن يَذوبا
|
إِذا أَمعَنتَ فيه رَأَيتَ جِسماً
|
يَفور كَأَنَّ في دَمِهِ لَهيبا
|
لَهُ قَلبٌ يُرى في كُلِّ قَلبٍ
|
كَأَنَّ اللَهَ ذَرَّ بِهِ قُلوبا
|
فَتىً كَالفَجرِ أَلواناً وَعُمرا
|
إِذا أَبصَرتَه أَبصَرتَ فَجرا
|
يَمُدُّ جَمالُهُ ظِلّا غَريبا
|
وَإِن أَصغَيتَ تَسمَعُهُ يَقولُ
|
لِوالِدَةٍ أَلَمَّ بِها النُحولُ
|
لِأُمٍّ فارَقَت زوجاً حَبيباً
|
طَواهُ من الرَدى لَيلٌ ثَقيلُ
|
أُحِسُّ لَها اِضطِّراباً في فُؤادي
|
وَدَمعاً في حَناياهُ يَجولُ
|
وَما أَحسَستُ امسِ بِمِثلِ هذا
|
فَاِمسي كان لا ادري لِماذا
|
جَميلاً كُلُّ ما فيهِ جَميلُ
|
أَجل يا أُمِّ صِرتُ فَتىً شَقيّا
|
يَكادُ اليَأسُ يُطفىءُ مُقلَتَيّا
|
فَأَينَ مَضَت لَيالِيَّ الخَوالي
|
وَقَلبٌ كان في الماضي خَلِيّا
|
أَرى غَلواءَ تُعرِضُ عن هُيامي
|
وَيَكتُمُ قَلبُها سِرّاً خَفِيّا
|
وَتَسمَعُها تَقولُ لَهُ شَفيقُ
|
بُنَيَّ لَقَد أَضلَّتكَ الطَريقَ
|
فَهَل نَبَّهت قَلبَكَ يا بُنَيّا
|
جَميلٌ يا وَحيدي أَن تُحبّا
|
وَتَرفَعَ لِلهَوى عَيناً وَقَلبا
|
وَتَسمَعَ مِنهُ أَنغاماً عِذاباً
|
وَتَشرَب من يَدَيهِ الماءَ عَذباء
|
لَقَد أَحسَستُ قَبلَكَ بِاِضطِرابٍ
|
وَقاسَيتُ الهَوى سَهلا وَصَعبا
|
وَلكِن لَيسَ يَندَمُ مَن تَأَنّى
|
فَغلوا يا اِبنِ أَكبَرُ مِنكَ سِنّا
|
اِذا رَضِيَ الهَوى فَالعُمرُ يَأبى
|
تَأَنَّ فَسَوفَ تَهوى مَن تُريدُ
|
وَتَهواكَ العَذارى وَالوُرودُ
|
فَمِثلُكَ لا يُجاوِرُهُ قُنوطٌ
|
وَمِلءُ شَبابِهِ عَقلٌ رَشيدُ
|
أَمامك يا اِبن أَعوامٌ طِوالٌ
|
وَمن زَهَرِ الهَوى عَدَدٌ عَديدُ
|
تَأَنَّ فَسَوفَ تَقطِفُ مِنهُ زَهرَه
|
تَكونُ أَشَدَّ من غَلواءَ نُضرَه
|
يُبارِكُ عِطرَها العَهدُ الجَديدُ
|
فَيُطلِقُ زَفرَةَ التَمِسِ الكَئيبِ
|
وَيَغرَقُ في دُجى فِكرٍ غَريبِ
|
وَيَذهَبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ
|
لَظى شَكٍّ أَشَدُّ مِنَ اللَهيبِ
|
وَكَيفَ يُجيبُ أُمّا جَفَّ فيها
|
عُصارُ الحُبِّ في عَهد الغُروبِ
|
أَيا أُمي اِصرِفي ذي الكَأسَ عَنّي
|
فَما في الحُبِّ شَأنٌ لِلتَأَنّي
|
وَما لِلعُمر شَأنٌ في القُلوبِ
|
وَيَذهبُ لا يُجيبُ وَفي هَواهُ
|
من الاِشجانِ ما يُضني قِواهُ
|
دَعي يا أُمِّ زَهرَ الناسَ يَبسِم
|
وَيَنشَق في الوَرى غَيري شَذاهُ
|
فَلي في جَنَّةِ الاِشواكِ زَهرٌ
|
غَريبُ اللَونِ لا أَرضى سِواهُ
|