حلفت بالشام هذا القلب ما همدا |
عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا |
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت |
مراشف الحور من حصبائها حسدا |
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا |
إرث الفتوح و من مرّانها قصدا |
ألملم الجمرات الخضر من كبدي |
و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا |
و أرشف الكأس من عطر و من غيد |
فأسكر المترفين العطر و الغيدا |
فديت سمراء و من لبنان ساقية |
حنانها ما اختفى من غربتي و بدا |
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره |
نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا |
حوريّة طاف جبريل بجنّته |
يريد ندّا لريّاها فما وجدا |
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا |
إذا سهدت على جمر الغضا سهدا |
*** |
|
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة |
بخيلة فسقتني الشّهد و البردا |
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا |
نهدان من نغمات الله قد نهدا |
أودعت عندهما بعض الشّباب فما |
خانا وديعة أيّامي و لا جحدا |
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته |
ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا |
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة |
و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا |
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها |
بما أحبّ شبابا جامحا وددا |
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته |
فقد حملت بها في غربتي بردى |
من روع البلبل الهاني و أجفله |
عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا |
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة |
و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا |
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها |
يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا |
ألحانيين على قلبي و لوعته |
يبدّدان من الأحزان ما احتشدا |
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته |
رأى من الحقد أقساه و ما حقدا |
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه |
على النوى حقد أحباب و حقد عدى |
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني |
و كنت أكبره لو عفّ منتقدا |
عانيت جهد محبّ في الوفاء له |
و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا |
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا |
فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا |
دعوا كرامتي العصماء نازلة |
على الشموس تذيع الحسن و الرأدا |
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت |
إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا |
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها |
رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا |
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت |
يميني القمرين : الشّعر و الصيدا |
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا |
و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا |
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة |
من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا |
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ |
جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا |
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها |
فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا |
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت |
روما و غار الضّحى منها فما شهدا |
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما |
و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا |
*** |
|
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته |
لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا |
وجه الشام الذي رفّت بشاشته |
من النّعيم لغير الله ما سجدا |
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى |
و ألف لون من البلوى و ألف ردى |
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة |
فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا |
جهد العفاة من العمّال جزيته |
و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا |
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته |
ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا |
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه |
حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا |
الظامئ القلب من خير و مرحمة |
فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا |
لو استطاع محا أمجادنا بطرا |
لم يبق لا بدرا و لا أحدا |
*** |
|
دع الشام فجيش الله حارسها |
من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا |
عزّت على كلّ فرعون عرينتها |
ما روّضت و يروض القانص الأسدا |
إذا العدوّ تحدّاها بصولته |
نهدت أرخص روحي كلّما نهدا |
تقحّمت كبريائي بوم محنتها |
ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا |
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني |
عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا |
*** |
|
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم |
و سخّروا لهواه المال و العددا |
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل |
و قد غدا للطغاة العون و المددا |
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت |
على يديك و نور مات بل وئدا |
قد أنكر المشعل الهادي رسالته |
فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا |
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها |
على هواه و لا ثأرا و لا قودا |
و من حمى ظلم فرعون لأمّته |
فقد تفرعن طغيانا و معتقدا |
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه |
جنون طاغ فأضحى شمله بددا |
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم |
لصرح طغيانه الأركان و العمدا |
لا أكذب الله من أموالكم صقلت |
خناجر طعنت حريّتي و مدى |
*** |
|
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته |
جيش الشام عن الثارات ما رقدا |
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته |
غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا |
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه |
خابت رياحك هذا الجمر ما همدا |
ألحامل الغار أمجادا منضّرة |
و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا |
تبرّجت في السّماء الشمس حالية |
لتشهد العدّة الشهباء و العددا |
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا |
شورى و قد داس حكم الفرد منفردا |
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها |
و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا |
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا |
و لن يفارق حلف حلفه أبدا |
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت |
توزّع النّور و النعماء و الرشدا |
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة |
لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا |
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة |
هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا |
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة |
كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا |
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به |
لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا |
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة |
كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا |
كلاهما أملت السمحاء حرمته |
على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا |
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة |
و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا |
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته |
و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا |
أفدي الشام لنعماها و عزّتها |
من أربعين أقاسي الهول و النّكدا |
*** |
|
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى |
و غاب تحت منهم شموس هدى |
لداتي الصيد ، شلّ الموت سرحهم |
ليت النّجوم و روحي للّدات فدى |
الرّاقدون و جفني من طيوفهم |
في سامر ضجّ في جفني فما رقدا |
قبور أهلي و إخواني و غافية |
من الطيوف و أسرار و رجع صدى |
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى |
لمحت مارد جنّ حوله رصدا |
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها |
و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا |
ألحانيات على تلك القبور معي |
و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا |
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة |
منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا |
هشّت إلىّ قبور ، أدمعي عبق |
على الرّياحين في أفيائها و ندى |
ضمّتني الشام بهد النأي حانية |
كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا |
ردّت إليّ شبابي في متارفه |
و هيّأت للصيال الفارس النجدا |
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي |
كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا |
*** |