من وحي الهزيمة بدوي الجبل

رمل سيناء قبرنا المحفور

و على القبر منكر و نكير

كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ

فغاب الضحى و غار الزّئير

لا شهيد يرضي الصحارى ، و جلّى

هارب في رمالها و أسير

أيّها المستعير ألف عتاد

لأعاديك كلّ ما تستعير

هدّك الذعر لا الحديد و لا النار

و عبء على الوغى المذعور

أغرور على الفرار ؟! لقد ذاب

حياء من الغرور الغرور !

ألقلاع المحصّنات – إذا الجبن

حماها – خورنق و سدير !

لم يعان الوغى ((لواء)) و لا عانى

()فريق)) أهوالها و ((مشير))

رتب صنعة الدواوين .. ما شارك

فيها قرّ الوغى و الهجير

و تطير النسور من زحمة النّجم ،

و في عشّه البغاث يطير

جبن القادة الكبار و فرّوا

و بكى للفرار جيش جسور

تركوه فوضى إلى الدور ، فيحاء ،

لقد ضمّت المساء الخدور !

هزم الحاكمون – و الشعب في

الأصفاد ، فالحكم وحده المكسور

هزم الحاكمون . لم يحزن الشعب

عليهم ، و لا انتخى الجمهور

يستجيرون ! و الكريم لدى الغمرة

يلقى الردى و لا يستجير !

***

لا تسل عن نميرها غوطة الشام

ألحّ الصدى و غاض النمير

و انس عطر الشام ، حيث يقيم

الظلم تنأى .. و لا تقيم العطور

أطبقوا .. لا ترى الضياء جفوني

فجفوني عن الضياء ستور

بعض حرّيتي السّماوات و الأنجم

و الشمس و الضحى و البدور

بعض حرّيتي الملائك و الجنّة

و الراح و الشذا و الحبور

بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ

و منه المكشوف و المستور

بعض حرّيتي و يكتحل العقل

بنور الإلهام ، و التفكير

بعض حرّيتي . و نحن القرابين

لمحرابها ، و نحن النذور

بعض حرّيتي ، من الصّبح أطياب

و من رقّة النسيم حرير

نحن أسرى ، و لو شمسنا على القيد

لما نالنا العدوّ المغير

لاقتحمنا على الغزاة لهيبا

و عبرنا و ما استحال العبور

سألوني عن الغزاة فجاوبت :

رمال تسفى و نحن الصّخور

سألوني عن الغزاة فجاوبت :

ليال تمضي و نحن الدّهور !

***

هل درت عدن أن مسجدها الأقصى

مكان من أهله مهجور

أين مسرى البراق ، و القدس و المهد

و بيت مقدّس معمور ؟

لم يرتّل قرآن أحمد فيه

و يزار المبكى و يتلى الزّبور

طوي المصحف الكريم ، و راحت

تتشاكى آياته و السطور

تستبى المدن و القرى هاتفات

أين .. أين الرّشيد و المنصور !

يالذلّ الإسلام . إرث أبي

حفص بديد مضيّع مغمور

يا لذلّ الإسلام : لا الجمعة الزهـ

ـراء نعمى . و لا الأذان جهير

كلّ دنيا المسلمين مناحات

و ويل لأهلها و ثبور

لبست مكّة السّواد ، و أبكت

مشهد المرتضى و دكّ الطور

هل درى جعفر ؟ فرفّ جناحاه

إلى المسجد الحزين يطير !

ناجت المسجد الطّهور و حنّت

سدرة المنتهى و ظلّ طهور

أين قبر الحسين ؟ قبر غريب !

من يضمّ الغريب أو من يزور

أين آي القرآن تتلى على الجمع

و أين التهليل و التكبير ؟

أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل

عطر و ضوّأ الكون نور

أين روما ؟ و جلّ حبر بروما

مهد عيسى يشكو و يشكو البخور

ألنصارى و المسلمون أسارى

و حبيب إلى الأسير الأسير

صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت !

جراح كما يضوع العبير

يا لذلّ الإسلام و القدس نهب

هتكت أرضه فأين الغيور

قد تطول الأعمار لا مجد فيها

و يضمّ الأمجاد يوم قصير

من عذولي على الدّموع ؟ و في المروة

و الرّكن و الصفا لي عذير

و حرام عليّ أن ينزل البشر

بقلبي و أن يلمّ الحبور

كحلت بالثّرى الخصيب جفون

و هفت للثرى الحبيب ثغور

لا تشقّ الجيوب في محنة القدس

و لكنّها تشقّ الصدور

حبست أدمع الأباة من الخوف

و يبكي الشذا و تبكي الطيور

أنا حزن شخص يروح و يغدو

و مسائي مع الأسى و البكور

أنا حزن يمرّ في كلّ باب

سائل مثقل الخطى منهور

طردتني الأكواخ ، و البؤس قربى

و تعالت على شقائي القصور

يحتويني الهجير حينا ، و لا يرحم

أسمال فقري الزمهرير

و على الجوع و الضنى و الرّزايا

في دروبي أسير ثمّ أسير

نقلتني الصحراء حينا .. و حينا

نقلتني إلى الشعوب البحور

حاملا محنتي أجرّر أقدامي

و يومي سمح الغمام مطير

حاملا محنتي أوزّعها في

كلّ دنيا و شرّها مستطير

محنتي الغيث إن أرادوا و إلاّ

فهدير البركان و التدمير

حاملا محنة الخيام ، فتزورّ

وجوه عنّي و تغلق دور !

ألخيام الممزّقات و أمّ

في الزّوايا و كسرة و حصير

و فتاة أذلّها العرى و الجوع

و يلهو بالرمل طفل صغير

كلما أنّ في الخيام شريد

خجل القصر و الفراش الوثير

خجل الحاكمون شرقا و غربا

و رئيس مسيطر و وزير

هيئة للشّعوب تمعن في الذنب

و لا توبة و لا تكفير

شارك القوم كلّهم في أذانا

و من القوم غيّب و حضور

من قوانينها المداراة للظلم

و منها التغريب و التهجير

و يقام الدستور ، أضحوكة الساخر

منّا و يوأد الدستور

كلّ علم يغزو النجوم و يغزو

بالمنايا الشعوب علم حقير

و الحضارات بعضهنّ بشير

يتهادى و بعضهنّ نذير

نعميات الشعوب شتّى ، فنعمى

حمدت ربّها و نعمى كفور

***

لن يعيش الغازي و في الأنفس

الحقد عليه ، و في النّفوس السّعير

يحرق المدن ، و العذارى سبايا

و صغير لذبحه و كبير

دينه الحرق و الإبادة و الحقد

و شتم الأعراض و التشهير

صوّرته التوراة بالفتك و التدمير

حتى ليفزع التصوير

من طباع الحروب كرّ و فرّ

و المجلّي هو الشجاع الصبور

ليس يبنى على الفجاءات فتح

علمي في غد هو المنشور

تنتخي للوغى سيوف معدّ

و يقوم الموتى و تمشي القبور

عربيّ فلا حماي مباح

- عند حقدي – و لا دمي مهدور

***

نحن أسرى ، و حين ضيم حمانا

كاد يقضي من حزنه المأسور

كلّ فرد من الرّعية عبد

و من الحكم كلّ فرد أمير

و مع الأسر نحن نستشرف الأفلاك

و الدائرات كيف تدور

نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان

موتى على الدّروب تسير

نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا

و البيوت المزوّقات قبور

نحن موتى . يسرّ جار لجار

مستريبا : متى يكون النشور

بقيت سبّة الزمان على الطاغي

و يبقى لنا العلى و الضمير

***

سألوا عن ضناي ، محض تشفّ

هل يصحّ المعذّب الموتور

أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ

أن تلعن العصور العصور ؟

أمن النبل أيّها الشاتم الآباء

أن يشتم الكبير الصغير

و إذا رفّت الغصون اخضرارا

فالذي أبدع الغصون الجذور

إشتراكيّة ؟! و كنز من الدرّ

و زهو و منبر و سرير

إشتراكيّة تعاليمها : الإثراء

و الظّلم و الخنا و الفجور

إشتراكيّة ! فإنّ مرّ طاغ

صفّ جند له و دوّى نفير

كلّ وغد مصعّرالخدّ لا سابور

في زهوه و لا أزدشير

يغضب القاهر المسلّح بالنّار

إذا أنّ أو شكا المقهور

ينكر الطّبع فلسفات عقول

شأنهنّ التعقيد و التعسير

كلّ شيء متمّم لسواه

ليس فينا مستأجر و أجير

بارك الله في الحنيفيّة السمحاء

فيها التسهيل و التيسير

***

و رقيب على الخيال .. فهل يسلم

منه المسموع و المنظور ؟

عازف عن حقائق الأمر لوّما

و كفى أن يلفّق التقرير

فيجافي أخ أخاه و يشقى

بالجواسيس زائر و مزور

لصغار النّفوس كانت صغيرات

الأماني و للخطير الخطير

يندر المجد ، و الدروب إلى المجد

صعاب ، و يكثر التزوير

علموا أنّه عسير فهابوه

و لا بدع فالنفيس عسير

محنة الحاكمين جهل و دعوى

جبن فاضح و مجد عثور

نهبوا الشعب ، و استباح حمى المال

جنون النعيم و التبذير

كيف يغشى الوغى و يظفر فيها

حاكم مترف و شعب فقير

مزّقوه ، و لن يمزّق ، فالشعب

عليم بما أرادوا خبير

حكموه بالنّار فالسيف مصقول ،

على الشعب حدّه مشهور

محنة العرب أمّة لم تهادن

فاتحيها و حاكم مأجور

***

هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز

باراهم و لا تيمور

قحموها على المصلّين بالنّار

فشلو يعلو و شلو يغور

أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا

و يبدو على الوجوه السّرور

فقئت أعين المصلّين تعذيبا

و ديست مناكب و صدور

ثم سيقوا إلى السّجون ، و لا تسأل ،

فسجّانها عنيف مرير

يشبع السوط من لحوم الضحايا

و تأبّى دموعهم و الزفير

مؤمن بين آلتين من الفولاذ

دام ، ممزّق ، معصور

هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات

عطر و في الأسارير نور

هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر

نعمى و جنّة و حرير

طرف اتباع أحمد في السّماوات

و طرف الطاغي كليل حسير

***

عبرة للطغاة مصرع طاغ

و انتقام من عادل لا يجور

ألمصلّون في حمى الله يرديهم

مدلّ بجنده مخمور

جامع شاده في حمى الله يرديهم

أمويّ معرّق منصور

لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت -

طيور و لا استبيحت و كور

مطلق النّار فيه ، في الجمعة الزهراء

شلو دام و عظم كسير

و الذي عذّب الأباة رأي التعذيب

حتّى استجار من لا يجير

قدماه لم تحملاه إلى الموت

فزحف على الثرى لا مسير

و خزته الحراب و هو مسوق

لرداه ، محطّم مجرور

و يجيل العينين في إخوة الحكم

و أين الحاني و أين النّصير ؟

كلّ فرد منهم لقتل أخيه

يصدر الرأي منه و التدبير

و إذا يذبح الرّفيق رفيق

منهم و العشير فيهم عشير

يأكل الذئب ، حين يردى ، أخوه

و يعضّ العقور كلب عقور

***

إرجعوا للشّعوب يا حاكميها

لن يفيد التهويل و التّغرير

صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا

وجدّت بعد الأمور أمور

لا يقود الشعوب ظلم و فقر

و سباب مكرّر مسعور

و الإذاعات ! هل تخلّعت العاهر ؟

أم هل تقيّأ السكيّر ؟!

صارحوها .. و لا يغطّ على الصدق

ضجيج مزوّر و هدير

و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت

فيوم الحساب يوم عسير

يقف المتّهمان وجها لوجه

حاكم ظالم و شعب صبور

كلّ حكم له – و إن طالت

الأيّام – يومان : أوّل و أخير

كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيف

كلّ شعب – مهما استكان – قدير

و هب الله بعض أسمائه

للشعب ، فهو القدير و هو الغفور

***

يبغض الظّلم ناصحيه ، و إنّي

لملوم في نصحكم معذور !

يشهد الله ما بقلبي حقد

شفّ قلبي كما يشفّ الغدير

و جراحي ينطفن شهدا و عطرا

أدمعي رحمة و شعري شعور

يرشف النّور من بياني فإنّ

غنّيت فهو المدلّه المخمور

و طباعي على ازدحام الرزايا-

لم ينلها التبديل و التغيير

مسلم .. كلّما سجدت لربّي

فاح من سجدتي الهدى و العبير

و مع الشيب و الكهولة قلبي

- كعهود الصّبا – بريء غرير

بي حرّيتي و إيماني السمح

فحلمي هان و جفني قرير !

لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور !

لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور !

لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي

في غد أيّنا هو المدحور !