ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد |
يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد |
مرّي على كبدي حمراء دامية |
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد |
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني |
لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد |
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها |
مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد |
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها |
حسناء تبدو عليها نعمة ودد |
بعض الخطوب ظلام لا صباح له |
و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد |
تفجّر الخير منه روضة أنفا |
تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا |
إذا هم جرعوا من مائها جرعا |
توثّبت عزمات فيهم جدد |
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم |
حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا |
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا |
نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا |
فيم التنكّر للآلام قاسية |
إذا تباعد في ميدانها الأمد |
ألطالعون على الدنيا بنصرهم |
لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا |
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم |
حقد هو العدّة الشهباء و العدد |
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا |
يستلهمون من الآلام و احتشدوا |
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها |
فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد |
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا |
بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا |
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم |
لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا |
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا |
حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا |
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا |
و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا |
*** |
|
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم |
و ما علالة قلبي بعدما بعدوا |
الناشئون علة نعماء مترفة |
تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا |
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها |
حريرها في العراء الموحش الزرد |
صادين للموت إيمانا و موجدة |
فكلّما لاح منه منهل وردوا |
على الصحاصح هامات معطّرة |
و في الرّمال بنان أفردت و يد |
في كلّ منزلة قبر تلمّ به |
هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد |
مشتّتين فمن أجسادهم مزق |
على الأديم و من مرّانهم قصد |
مصارع بعطور الحقّ زاكية |
كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا |
حنا السراب عليها و هي ظاكئة |
حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد |
بموحش من رمال البيد منبسط |
يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد |
مسحت دمعي من ذكراهم بيد |
و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد |
*** |
|
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة |
للشاربين و هذا الشاعر الغرد |
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم |
لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا |
لا أوحش الله قلبي من مواجعه |
و لا تحوّل عن نعمائها الحسد |
و لا شفى الله جرحا في سريرته |
نديان ينطف منه الخمر و الشهد |
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به |
حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد |
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا |
من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا |
صلى الاله على قبر يطوف به |
كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا |
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به |
و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا |
ضاو من السقم ضجّت في شمائله |
عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد |
إذا أثير نضا عنه مواجعه |
كما تفلّت من أشراكه الأسد |
يروع في مقلتيه بارق عجب |
و عالم عبقريّ السحر منفرد |
يغالب البشر أسقاما نزلن به |
يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد |
داء ملح و نفس لا تذلّ له |
حرب تكافأ فيها البأس و العدد |
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها |
فراح يلمح في نعمائها الكمد |
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة |
و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد |
نعمت منك بساعات معطّرة |
كأنّها الحلم دان و هو مبتعد |
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت |
لليائسين حميّا كأسها سعدوا |
*** |
|
يا خدنة من قراع الدهر دامية |
ألا يهدهد من آلامك الأبد |
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها |
ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد |
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة |
يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد |
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها |
حمى الشبولة إخوان له نجد ... |
أمّا الشباب فما خانوا رسالته |
عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا |
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة |
شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد |
حول الزعامة فتيان غطارفة |
لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا |
الساخرون من الأقزام يضحكهم |
أن راح يلبس جلد الضيغم النقد |
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا |
و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا |
*** |
|
سقتهم كفّ إبراهيم صافية |
من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد |
ففي الدّماء سعير من سلافتها |
عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد |
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف |
و في الشمائل إلاّ أنّه صيد |
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها |
حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد |
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت |
تعيد سيرتها الأولى و تطّرد |
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا |
و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا |
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها |
على الرّمال الهوى و الزور و الفند |
*** |
|
مالي أرى الفرس الشقراء عارية |
على المرابط لا تطغى فتنجرد |
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا |
و آن أن يستريح الفارس النجد |