غربة الروح بدوي الجبل

أترعي الكأس أدمعا و رحيقا

حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا

سلم الجمر لي و عاش بقلبي

أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا

يا شامي يا قبلة الله للدنيا

و يا راحها المصفّى العتيقا

أترع الكأس من هواك لتروى

كبدي من هواك لا لتذوقا

مزّقيها تغمرك طيبا و نورا

لا تملّي الطيوب و التمزيقا

لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا

و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا

لملم الفجر ذكرياتي فما لملم

إلاّ أقاحيا و شقيقا

كبريائي فوق النجوم و لولاها

لما كنت بالنجوم خليقا

جلّ شعري – أقيه الرّوح من كلّ

هوان – و الشعر كالعرض يوقى

ما شكوت العدو كبرا و لكنّي

شكوت المبرّأ الموثوقا

و أخا لي سقيته الودّ صرفا

فسقاني من ودّه الممذوقا

طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف

للمجد غير حبّي طريقا

و كنوزي – و ليس تحرسها الجنّ

تنادي المحروم و المرزوقا

لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني

و أفدي بمقلتي الصديقا

لا أريد الإنسان إلاّ رحيما

باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا

***

لي قبور كنزت فيها شبابي

و صبوحي على المنى و الغبوقا

يا قبور اللدات : كل شقيق

حاضن في الثرى أخاه الشقيقا

وسعت هذه القبور فؤادي

كيف تشكو – و هي في السماوات – ضيقا

كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق

و قلبي على ثراها أريقا

مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف

و تحنو فلا يموت غريقا

ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ

و يلقى التدليل و التشويقا

***

شامة الفتح نام ( فارسك) النجد

و حقّ الوفاء أن يستفيقا

سبقته أحبابه للمنايا

فرحمت المجلّى المسبوقا

و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن

فارق الأهل و اللدات (العقيقا )

أنا كالطّير ألف صحراء لفّته

مهيض الجناح شلوا مزيقا

مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل

أعنى به و لا تعويقا

غربتي قد سئمت غربة روحي

و مللت التّغريب و التّشريقا

غربتي غربتي على النّأي و القرب

أراني إلى دجاها مسوقا

حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت

فما اجتزت سهمها المرشقا

***

(فارس) المجد لم تزغرد

عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا

و له الطّرفة المليحة تغني

عن نقاش و تسكت المنطيقا

و بيان تخاله الوشي و الأطيا

ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا

فيه عمق البحار تزخر بالدرّ

و فيه متارف الموسيقا

و ضمير يكاد يسرف في الحسّ

فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا

عالم يسكب العذوبة في العلم

فتستاف عنبرا مسحوقا

يا لنسر تقحّم الشمس حتّى

ملّ عزّ الشموس و النحليقا

حقّ عبئين من سنين و مجد

أن يكفّا من شأوه و يعوقا

يهرم النسر فالطريق عثار

ذكريات الصبا زحمن الطريقا

عبّ منها النسر الحبيس فردّته

لدنيا الشموس حرّا طليقا

غمرت قلبه حنينا و أشواقا

و يمناه لؤلؤا و عقيقا

عالم الذكريات نمنمه الخالق

حتّى يدلّل المخلوقا

هو من أريحيّة الله ماشئنا

رحيقا صفوا و مسكا فتيتا

***

حال بيني و بين لقياك دهر

سامني عبئه فكنت المطيقا

أنزلتني على فروق رزاياه

فحيّا عطر السماء (فروقا)

ضاق لبنان بي و كان رحيبا

و تنزّى حقدا و كان رفيقا

ما للبنان رحت أسقيه حبّي

و سقاني مرارة و عقوقا

أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري

و طوّقت جيده تطويقا

و زرعت النّجوم في ليل لبنان

فرفّ الدّجى نديّا و ريقا

دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا

و قدّا مهفهفا ممشوقا

و جمالا غالى بزينته الله

و ثنّى و ثلّث التدقيقا

و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ

للعيون السّلاف و التّحديقا

جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف

فأغنى جفنا و كحلّ موقا

***

قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا

و أردناه شامخا مرموقا

و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا

كشفت لي اليقين و التلفيقا

إن عتبنا على الكنانة إدلالا

فقد يعتب الصّديق الصّديقا

و هبتنا فرعونها و وهبناها

على العسر يوسف الصدّيقا

كيف يشري العبيد كافور

بالمال و كافور كان عبدا رقيقا

أرز لبنان لن يكون لكافور

متاعا و للأرقّاء سوقا

***

يا قبور في الشام ربّ قبور

أنزلتها النوى مكانا سحيقا

موحشات : إلاّ عزيفا من الجـ

ـنّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا

هائمات كالنور طارت صبابا

تي إليها فما استطعن اللحوقا

غرّبتنا العلى قبورا و أحياء

و عاثت بشملنا تفريقا

و اغتراب القبور من حيل المـ

ـوت ليخفى كنوزه و العلوقا

تسمع الرّيح حين تصغي حنينا

من فؤادي على الثرى و شهيقا

ما لقومي غال الحمام فريقا

منهم و العقوق غال فريقا

ظلم الكنز أهله فتمنّى

أن يكون المبدّد المسروقا

فارقوني معطّرين من الفتح

و خلّوا لي الأسى و الشهيقا

أظمأتني وجوههم حين غابت

فأردت الذكرى سلافا و ريقا

عهدها بالخلوق عهد قديم

ألفت غرّة المجلّى الخلوقا

***

يا لدات الفتوح ، نسقي منايانا

و يسقينا الهوى ترنيقا

بيننا صحبة الاّباء و عزّ

أمويّ يطاول العيّوقا

و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا

رعودا هدّارة و بروقا

و المروءات كالغرائر في الرّيف

ملاح لا تعرف التزويقا

و عقود من السنين نظمناها

سجونا و كبرياء و ضيقا

نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق

نرجّ الشعوب حتّى تفيقا

فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ

و من غمرة الظلام البريقا

نقحم الغامض الأشمّ من المجد

و نأبى الممهّد المطروقا

نحن عطر السجون عطر المنايا

نحمل الجرح مطمئنا عميقا

نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا

غروبا منوّرا و شروقا

نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان

دنيا تزيّنت لتروقا

ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ

و لا خمرها و لا الراووقا

نحن عشق للغوطتين براه الله

حتّى يؤلّه المعشوقا

نحن في الكأس نغمة ، نحن في النـ

ـغمة صهباء : صفّقت تصفيقا

خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان

طابت بردا و طابت حريقا

يعرف الحقّ قيمة الجوهر

الفرد و يغلى جديده و العتيقا

يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم

و إن كان اخطأ التوفيقا

يا رئيسي من أربعين زحمناها

إباء مرّا و بأسا حنيقا

أنت نشّأتني على الصبر و العزّ

كما تلاهف الحسام الذليقا

مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا

يفي هواه عريقا

و هموم كأنّهن الأمانيّ جمـ

ـالا و نشوة و سموقا

مترفات ترعرعت في فؤادينا

و طابت شمائلا و عروقا

يرد الخطب منك قلبا سريّا

و بيانا عفّا و وجها طليقا

من يعلّ النديّ بعدك بالشهـ

ـد المصفّى و من يسدّ الفتوقا

هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء

و الريق لا يبلّ الحلوقا

أنكرتك الحياة بالشيب و السقـ

ـم فهيّء للفارك التطليقا

حمل الموت من لداتك شوقا

يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا

و كتابا من الهوى نمّوقه

فأجادوا البيان و التنميقا

و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك

حتّى يرضى و حتّى تليقا

***

غيّب القبر منك شمّاء مجد

وعرة تزحم النجوم سحوقا

يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن

و يستقبل المشوق المشوقا

حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا

كالضحى باهر السنى مرموقا

و أبا أسعد سقته دموعي

و سليمان ( و النّديم ( الصّدوقا

و اسق (قدري) و (عادلا) و )جميلا)

من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا

و اشك حزني (لمظهر) و )نجيب)

راع دهر أخاكما فأفيقا

لي حقوق على القبور الغوالي

و يوفّى قبر الكريم الحقوقا