وفاؤك لا عسر الحياة و لا اليسر |
و همّك لا الدّاء الملحّ و لا العمر |
إذا المرء لم يملك و ثوبا على الأذى |
فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ و الصبر |
إذا ملكوا الدنيا على الحرّ عنوة |
ففي نفسه دنيا هي العزّ و الكبر |
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا |
أضاء له كون بعيد هو الفكر |
فليلته صبح و عسرته غنى |
و أحزانه نعمى و آهاته شعر |
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى |
فتؤنسها منّي الطلاقة و البشر |
و أضحك سخرا بالطغاة و رحمة |
و في كبدي جرح و في أضلعي جمر |
كفاء لعسف الدّهر أنّي مؤمن |
و عدل لطغيان الورى أنّني حرّ |
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة |
مجنّحة ما كفّ من شأوها أسر |
أهدهد من أحزانها كلّما ونت |
و يسلس بعد المري للحالب الدرّ |
أطلّ على الدنيا عزيزا : أضمّني |
إليه ظلام السجن أم ضمّني القصر |
و ما حاجتي للنّور و النّور كامن |
بنفسي لا ظلّ عليه و لا ستر |
و ما حاجتي للأفق ضحيان مشرقا |
و نفسي الضحى و الأفق و الشمس و البدر |
و ما حاجتي للكائنات بأسرها |
و في نفسي الدّنيا و في نفسي الدّهر |
يريدون أسراري و للّيل سرّه |
إذا نقّبوا عنه و ما للضّحى سرّ |
لعمرك للضعف الخفاء و كيده |
و للقوّة الكبرى الصّراحة و الجهر |
و ما أكبرت نفسي سوى الحقّ قوّة |
و إن كان في الدّنيا لها النّهي و الأمر |
ة كنت إذا الطّاغي رماني رميته |
فلا نصرتي همس و لا غضبي سرّ |
و أحمل عن إخواني العسر هانئا |
و يبعدني عنهم إذا أيسروا اليسر |
فليت الذي عاطيته الودّ صافيا |
تجاوزني من كأسه الآجن المرّ |
و أشقى إذا أعرضت عمّن أحبّه |
و لكن دواء الكبر عندي هو الكبر |
و نفسي لو أنّ الجمر مسّ إباءها |
على بشرها الريّان لاحترق الجنر |
و يا خيبة الطاغي يدلّ بنصره |
و من سيفه لا روحه انبثق النّصر |
يغالي بدنياه و يجلو قتونها |
و دنياه في عينيّ موحشة قفر |
رأيت بزهدي ما رأى بغروره |
فأعوامه ساع و آماده فتر |
شكا حبّه لي و هو ريّان من دمي |
و أنيابه حمر و أظفاره حمر |
و صانع يستجدي الولاء فياله |
غنى ملك الدّنيا و معدنه الفقر |
*** |
|
تلّفّت لا شملي جميع و لا الهوى |
قريب و لا فرع الصبى عبق نضر |
و يا سامر الأحباب مالك موحشا |
معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكرا |
أديماك من حب القلوب تمزّقت |
عليه فسال الحبّ و الشوق و الطّهر |
إذا ظمئت في قطعها البيد نسمة |
ألمّت به وهنا فرنّحها السّكر |
فبا للصّبا العجلى إذا عبرت به |
تأنّت كما يرتاح في الواحة السّفر |
تمنّيت إجلالا له و كرامة |
لو أنّ حصاه ـنجم الفلك الزّهر |
و أجزع إن مرّت به الرّيح زعزعا |
و أسرف حتّى جاوز الغاية القطر |
فليت الرّبيع الطلق عاطاه كأسه |
مدّى الدّهر لا برد عليه و لا حرّ |
لقد ساءني غاد عليه و رائح |
فمن كبدي فوق الثرى قطع حمر |
و لو قدرت صانته عيني كرامة |
كما صين في أغلى خزائنه الدرّ |
تطوف بك الأحلام سكرى كعهدها |
و ينطف من أفيائك الحبّ و العطر |
و يضحك لي وجه نديّ منوّر |
كأن لم يغيّب من طلاقته القبر |
و حتّى كأن لم يطوه عنّي الرّدى |
فهل بعث الأموات أم ردّه السحر |
تلمّ به الذكرى فيحيا كبارق |
طواه الدّجى عنّي ليطلعه الفجر |
و يبعثه حبّي و في كلّ خافق |
صحيح الهوى بعث الأحبّة و النشر |
فيا قلب فيك الرّاحلون و إن نأوا |
و فيك النّدامى و الرّياحين و الخمر |
خلعت على الموتى الحياة و سرّها |
و طالعهم منك القيامة و الحشر |
وفاء يصون الرّاحلين من الرّدى |
إذا راح يدني من مناياهم الغدر |
و يا سامر الأحباب طيف و لا كرى |
و سكر و لا راح و ريّا و لا زهر |
كلانا على ما كلف النفس من رضى |
أضرّ به نأي الأحبّة و الهجر |
أبا طارق هذي سراياك أقبلت |
يرفّ على أعلامها العزّ و النصر |
لقد قدنها حيّا و ميّتا فما ثنى |
شكيمتها عنف و لا هدّها ذعر |
فمر تشمع الدنيا هواك و ينطلق |
إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر |
و مر يتمزّق كلّ قيد أبيته |
و يسرف على طغيانه الحطم و الكسر |
تبرأت في دنياك من كلّ ناكث |
ذليل فلا عرف لديه و لا نكر |
و من زاهد لمّار رأى الصّيد مكثبا |
تمزّق عنه الزهد و افتضح المكر |
و ممّن يظنّ الفقر عذرا لكفره |
و ما أقنع الإيمان إلاّ الرّدى عذر |
يدلّ بماضيه فهل راح شافعا |
بذي ردّة نسك تقدّم أو برّ |
عصابة شر راح يبرأ منهم |
إلى الله إبقاء على نفسه الشرّ |
رويدك شرّ الكافرين موحّد |
ألحّ عليه بعد إيمانه الكفر |
عباديد شتّى ألّف الوزر بينهم |
فلا رحم إلاّ الضراعة و الوزر |
و بين اللئام العاثرين و إن نأت |
مناسبهم قربى السجيّة و الصهر |
*** |
|
تمنّيت أنّ الغيب شفّ فلم يعق |
عن الملأ الأعلى حجاب و لا ستر |
و لحت لنا في عالم الحقّ و التقى |
على الموعد الهاني المقيمون و السفر |
فقرّت بما تلقاه عيناك و انطوت |
على النشوة الكبرى الجوانح و الصّدر |
أتعلم أنّ الشام فكّت إسارها |
فلا قيد بعد اليوم فيها و لا أسر |
يصرّف أمر النّاس فيها موفّقا |
معاوية الدنيا و صاحبه عمرو |
و أنّ رياضا هزّ لبنان فانتخت |
شمائل في لبنان ميمونة غرّ |
رمى كلّ برد أجنبيّ مزوّر |
و عادت لقحطان المناسب و النجر |
و لمّا شكى لبنان ضجّت أميّة |
و جنّت له بغداد و التهبت مصر |
أبا طارق أبقيت للحقّ سنّة |
هي العزّة القعساء و الفتكة البكر |
بنيت عليها كتلة و طنيّة |
من الصيد ما خانوا هواك و لا فرّوا |
لقد حملوا عنك الجهاد و ما ونى |
و حقّك ناب للخطوب و لا ظفر |
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم |
أمانتك الكبرى لديهم فقد برّوا |
نماك و سيف الدولة الدار و الهوى |
و غنّاكما أندى ملاحمه الشعر |
و أقسم بالبيت المخرّم ما احتمت |
بأمنع من كفّيكما البيض و السمر |
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت |
و حقّ بسيفي دولتيها لها الفخر |
*** |
|
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا |
دنا البرّ في عينيّ و انكشف البحر |
بأسماعكم وقر و قد رحت شاكيا |
و حاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر |
و أوحشتم الدنيا كأن لم تدس بكم |
على الهام في الرّوع المحجّلة الشقر |
و حتّى كأنّ الرّمل لم يروه دم |
كريم المصفّى لا أجاج و لا نزر |
فوارحمتاه للنّائمين على الطوى |
و أتخم من قتلاهم الذئب و النسر |
تهدّهم الصحراء هدّا و للرّدى |
سلاحان في البيد : الهواجر و القرّ |
و لا ماء إلاّ ما يزوّره بها |
سراب نديّ اللّمح منبسط غمر |
إذا سقطوا صرعى الجراح تحاملوا |
على نفسهم و استؤنف الكرّ و الفرّ |
و لو آثروا الدنيا لقد كان جاهها |
تليدا لديهم و القسامة و الوفر |
*** |
|
فمن مبلغ عنّي الشباب قصيدة |
يحلّى بها ملك و يحمى بها ثغر |
تطوّف في الدنيا الوساع كأنّما |
هي الخضر أو يروي شواردها الخضر |
هززت بها نوّامهم مترفّقا |
و يؤذي الشباب المرتجى اللّوم و الزجر |
إذا كنت في نصحي لهم غير موجع |
فلي بالذي يرضي شمائلهم خبر |
و عندي من زهز الشباب بقيّة |
يرفّ الصبا فيها و أفياؤه الخضر |
ألمّت بي الأيّام حمرا نيوبها |
فما شاب لي قلب و لا شاب لي شعر |
دروب العلى للسالكين عديدة |
و أقربها للغاية الموحش الوعر |
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى |
لها العقل إمكانا فقد ينبع الصخر |
*** |
|
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم |
تلاقى على إعاناتها الظلم و القهر |
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها |
لكالبحر من أخلاقه المدّ و الجزر |
أرى العفو و النسيان من خلق الصّبا |
و لم ينس عند الشّيب حقد و لا ثأر |
و ما أكرم النسيان و العفو منكم |
إذا لم يضع حق و لم يحتسب وتر |
و أنتم على دلّ الشباب و زهوه |
و أهوائه ركن القضيّة و الذخر |